في تقرير معهد ابحاث الأمن القومي، حدّد رئيسه اللواء احتياط عاموس يادلين التهديدات والفرص بالنسبة إلى إسرائيل. وفي ما يأتي نصّ التقرير:

التهديدات

1- قفزة إيرانية باتجاه النووي (العسكري)، أو قرار إسرائيلي أو أميركي بمهاجمة إيران: رغم أن الكلام عن مهاجمة إيران أُزيح عن جدول الأعمال العام والإعلامي في أعقاب العملية الانتخابية في الولايات المتحدة وإسرائيل، لا شك أن تقدم إيران باتجاه قدرة نووية عسكرية هو التحدي الأساسي الذي ستواجهه دولة إسرائيل عام 2013. كنتيجة للعقوبات القاسية أو كـ «تأمين ضد هجوم»، يمكن الإيرانيين أن يقرروا الخروج من معاهدة منع نشر الأسلحة النووية و«القفز باتجاه قنبلة»، لكن حتى لو لم تتخذ خطوة كهذه، بين ربيع وصيف 2013، فسيتجاوز الإيرانيون «الخط الأحمر» الجديد الذي حدَّده رئيس الحكومة الإسرائيلية في خطابه في الأمم المتحدة، إذا استمروا في وتيرة التخصيب الحالية بنسبة الـ 20%. من المفهوم ان الإيرانيين قادرون على تبطيء وتيرة التخصيب، أو تحويل اليورانيوم إلى قضبان وقود، كما فعلوا في نهاية عام 2012. مع ذلك، الوضع الذي يتوقف فيه الإيرانيون تحت الخط الأحمر، لكن يوسِّعون جداً عدد أجهزة الطرد وحجم المواد المخصبة التي بحوزتهم، هو وضع خطير على إسرائيل. يسمح بقفزة إيرانية باتجاه القنبلة خلال وقت قصير جداً.
2- مواجهة عسكرية مع إيران، ومبعوثيها، حزب الله، الجهاد الاسلامي الفلسطيني، وبمعقولية أكثر انخفاضا حماس ـــ نتيجة مهاجمة إيران: هناك أساس للتقدير بأن مواجهة كهذه لن تكون بالضرورة واسعة، قاسية وشاملة، كما يميلون إلى وصفها. وذلك بسبب قدرة الرد المحدودة لإيران، وخشيتها من التصعيد والضرورات الملقاة على نشاط حزب الله والمنظمات الفلسطينية، التي تعود على نحو أساسي إلى الخشية من الثمن السياسي (الداخلي) ومن الرد العسكري الإسرائيلي. إلى ذلك ينبغي إضافة تأثير الردع، الذي تعزَّز في أعقاب عملية «عمود السحاب». مع ذلك، على إسرائيل الاستعداد لامكانية رد مضاد، على الأقل في جزء من هذه القطاعات.
3- تقويض اتفاقات السلام: في هذه الأثناء لم تتحقق المخاوف من أن تتضرر اتفاقات السلام مع مصر والاردن، على نحو جوهري نتيجة تأثرها بالاهتزازات في العالم العربي. ايضا الرأي العام في هذه الدول يُظهر فهماً بأن تحسن الوضع الاقتصادي لا يتساوق مع احتكاك ومواجهة مباشرة مع إسرائيل. في الواقع، في مصر طرح للنقاش موضوع الملحق العسكري لاتفاقية السلام مع إسرائيل، ويجري الحديث عن الحاجة إلى اجراء تغييرات فيها من أجل تحسين السيطرة المصرية في سيناء، غير أن ذلك لا يمثل تقويضاً جدياً لنفس الاتفاقية. السؤال هو، ماذا سيحدث إذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي في مصر، واذا لم يلتزم حكم «الاخوان المسلمين» بتعهداته، وتزايد إحباط الجمهور. من الممكن في هذه الحالة ان يوجَّه الاحتجاج ضد إسرائيل والعلاقات معها. اتفاق السلام الثاني، مع الأردن، يعاني تعكر العلاقات بين الدولتين، وعدم رضى الملك عن سياسة إسرائيل إزاء عملية السلام. إذا الانتفاضة العربية جرفت الاردن وتضرر الاستقرار، فسيمثل ذلك تهديدا جوهريا للهدوء على طول الحدود الشرقية لإسرائيل، وسيفرض تغييراً بارزا في ترتيب القوات، وفي النظرية الأمنية وتفعيل الجيش الإسرائيلي في مقابل الحدود الأردنيه.
4- العزلة السياسية لإسرائيل: سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، بضميمة الشعور بأن إسرائيل على وشك العمل ضد إيران ـــ عملية من الممكن أن يكون لها آثار خطيرة على المنطقة وعلى المنظومة العالمية ـــ تضر جداً بالمكانة السياسية لإسرائيل في الساحة الدولية. تطور التقدير بأن الحكومة الإسرائيلية تحاول نسف الأمل بتنفيذ «حل الدولتين»، وأنها غير مستعدة للمساهمة في استقرار الشرق الأوسط ومنع تطورات ستمس جداً بمصالح العالم الغربي في المنطقة... من ضمن ما تمظهرت به العزلة السياسية لإسرائيل، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية بصفة مراقب غير عضو في المنظمة، الذي اتخذ بتأييد جارف من الأصدقاء التقليديين لإسرائيل، وبالإدانات الشاجبة من قبل الجميع لقرار الحكومة الإسرائيلية الرد على المسار الأحادي للسلطة الفلسطينية ببناء واسع في المستوطنات، تشمل مناطق حساسة مثل إي -1. أيضاً يتكون انطباع بأن الاتحاد الأوروبي على حافة اتخاذ قرار بفرض عقوبات فعلية على إسرائيل، على نحو خاص عبر الفصل بين منتجات مصدرها إسرائيل ومنتجات مصدرها المستوطنات في الضفة الغربية..
5- توسع المناطق غير المسيطر عليها ما وراء حدود إسرائيل: ظاهرة ضعف السلطة المركزية تتمظهر، على سبيل المثال، بالفراغ السلطوي في شبه جزيرة سيناء، التي تجتذب إلى داخلها جهات إرهابية، إسلاماً متطرفاً، وعصابات الإجرام. هذه الظاهرة يمكن ان تتمدد إلى سوريا، إلى الحدود في هضبة الجولان. إذا تقوَّض النظام في الأردن، يمكن ايضا أن تتحول غور الأردن، بحر الميت ووادي عربا، إلى حدود أمنية نشطة. مخازن السلاح غير التقليدي لسوريا ومخازن الصواريخ البعيدة المدى، هي ايضا مصدر للقلق، وتفرض متابعة ملاصقة لمنع انزلاقها إلى منظمات إرهابية، أضف إلى بلورة توازن ردع في مقابل اللاعبين الجدد في الساحات المختلفة.
6- انهيار السلطة الفلسطينية وصعود حماس: يبدو ان المخاوف من سيطرة حماس على الضفة الغربية، كما سيطرت على قطاع غزة، مبالغ فيها. بسبب أن الجيش الإسرائيلي يسيطر في الضفة، ولأن نشاط القوات الأمنية لإسرائيل والسلطة الفلسطينية يمنع حماس من تطوير بنية تحتية عسكرية، وتأسيس خلايا إرهابية في الضفة الغربية، وبناء منظومة عسكرية مثلما فعلت بالسلطة في غزة عشية سيطرتها على القطاع، لكن، في الواقع، يمكن أن تنجح حماس في السيطرة، من الناحية السياسية، على الضفة، نتيجة تنفيذ خطط المصالحة بين فتح وحماس وإعادة توحيد سياسي للمنطقتين (الضفة وغزة)، غير أن معقولية تحقق هذا السيناريو منخفضة. السيناريو الأكثر معقولية هو تطور غاضب في أعقاب انهيار السلطة نتيجة فقدانها الشرعية، ووضع اقتصادي صعب وتجدد العنف.
7- قيود على حرية عمل إسرائيل بسبب تأثير «الشارع العربي»: الحساسية المتزايدة في دوائر السلطة في دول عربية، إزاء ردود فعل «الشارع» ومواقفه، تفرض قيودا قاسية على حرية العمل لإسرائيل. من اجل ذلك ينبغي لإسرائيل أن تدرس آثار نشاطاتها على علاقاتها مع مصر، في أي مواجهة على حدود سيناء وقطاع غزة.
8- قيود على حرية العملية الإسرائيلية بسبب الخوف من نزع شرعية إضافية عن إسرائيل وسياستها: الجمود على المسار الفلسطيني، إلى جانب الانتقاد الدولي المتفاقم ضد إسرائيل في أعقاب القتال في قطاع غزة خلال عملية «الرصاص المسكوب» (وعلى نحو خاص تقرير غولدستون)، أضاف قيوداً إلى حرية العملية العسكرية الإسرائيلية.
9- تعاظم مشاكل الأمن الجاري: النتيجة المعقولة لجزء كبير من التطورات يمكن أن تكون تعاظم مشاكل الأمن الجاري في قطاعات مختلفة. شبه جزيرة سيناء تواصل كونها بؤرة إرهاب محتملة ـــ «جهادي، فلسطيني ومتداخل بين الاثنين. لا يبدو أن النظام المصري مصمم على توفير «معالجة جذرية» لمشكلة ضعف السيطرة في سيناء، ومن الممكن أن نُشخِّص مؤشرات أولية على مشكلة مشابهة تتطور على الحدود الإسرائيلية السورية....

الفرص

إلى جانب التهديدات، الوضع الحالي في الشرق الأوسط ينتج ايضاً، بالنسبة إلى إسرائيل، فرصاً في مجالات مختلفة.
1- إمكانية تغيير النظام في سوريا: سقوط نظام الأسد في سوريا سيمس على نحو قاس بـ «محور المقاومة»، الذي تقوده إيران. رغم أنّ من المعقول الافتراض بأن إيران ستجد بدائل جزئية عن سوريا كطريق لنقل المساعدة اللوجستية إلى حزب الله وإلى تيارات فلسطينية، ستجد طهران صعوبة بالاستمرار في تنفيذ جزء من العلاقات مع هذه المنظمات. حزب الله سيتضرر على نحو خاص، بسبب أن سوريا كانت بالنسبة إليه مصدراً مركزياً للتزود بالسلاح. أضف إلى ذلك، الحرب الأهلية في سوريا تمس جداً بالجيش السوري. من المشكوك فيه أن يتمكن هذا الجيش من المشاركة في مواجهة عسكرية نوعية مع إسرائيل في المستقبل المنظور.
2- تفاقم المواجهة بين إيران والدولة العربية السنية: يدير المعسكران حرباً على الأراضي السورية عبر جهات مبعوثة. الدول السنية، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر، تزود المتمردين ضد النظام (السوري) بالمساعدة العسكرية، فيما إيران وحزب الله يساعدان النظام في معركة البقاء. انقسام الأدوار يُعبِّر ويُعزِّز المصالح المشتركة بين إسرائيل والدول السنية، الذي ربما ينعكس في استعداد هذه الدول للتعاون مع إسرائيل في المعركة ضد البرنامج النووي الإيراني. العالم السني – جزء منه متطرف في ظل تعزز الاسلام المتطرف والسلفية وجهات القاعدة، لكن الجزء الاخر – معتدل، علماني وتابع للغرب. التحدي هو في التعاون مع الإسلام السني المعتدل الذي تدعمه الدول الغربية، وهو المجال الذي من الملائم البحث فيه عن فرص، ودفع تحالفات جديدة.
3- مصالح مشتركة مع تركيا: سياسة «صفر مشاكل» التي انتهجتها الحكومة التركية، وضمن اطارها طوَّرت علاقاتها مع سوريا وإيران، انهارت في أعقاب تطورات «الربيع العربي». بين حكم الأسد وتركيا نشبت مواجهة، بسبب دعم تركيا لمعارضة النظام السوري. ايضا التنافس بين انقرة وطهران على الصدارة الإقليمية عاد وصعد إلى سطح الارض. تركيا موجودة في وضع عليها أن تُعيد فيه بلورة سياستها تجاه دول المنطقة، وأن توازن القوى فيه. على هذه الخلفية تعود وتتضح المصالح المشتركة بين تركيا وإسرائيل، التي في جوهرها دفع استبدال النظام في سوريا واستقرار الدولة، وايضا كبح تقدم إيران باتجاه النووي.
4 – مصالح مشتركة مع مصر: الضرورة التي يعمل ضمن إطارها نظام «الإخوان المسلمين» في مصر يعكس عدداً من المصالح المشتركة بين إسرائيل ومصر.
أولا، الحاجة الفورية للرئيس مرسي إلى تحسين الوضع الاقتصادي لمصر، لذلك فهو يحتاج إلى المساعدة من الغرب. التعاون مع إسرائيل على استقرار الوضع في الساحة الفلسطينية سيُسهل عليه تحقيق المساعدة المطلوبة.
ثانيا، التقارب الفكري بين «الاخوان المسلمين» وحماس، إلى جانب الحاجة إلى ترميم مكانة مصر في العالم العربي، يُعززان قدرة مصر على التأثير في ما يجري في قطاع غزة، وكبح الجهات التي تريد تصعيد المواجهة مع إسرائيل. من ناحية مصر، قدرة التأثير في إسرائيل عبر المحادثات والتعاون، هي ذخر يعزز مكانتها في العالم العربي وفي الساحة العالمية. أضف إلى ذلك، للدولتين مصلحة مشتركة في تعزيز السلطة المصرية في سيناء، ومنع نشاط المجموعات المسلحة في هذه المنطقة. كل هذه العوامل تنتج خليطاً من الاعتبارات التي تُمكِّن القيادة المصرية من التغلب على تحفظها الأيديولوجي الديني من إسرائيل، وإجراء منظومة علاقات براغماتية معها.
5 – فهم ووعي دولي للمشاكل الأمنية الإسرائيلية: خلال العمليتين في غزة، سواء «الرصاص المسكوب» أو «عمود السحاب»، اتضح أنه عندما تعمل إسرائيل وفق مقدار محسوب ضد منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي، أي مع أضرار قليلة بالمدنيين، وضمن جدول زمني قصير وبدون مسار بري مُورِّط، تنال دعماً نوعيا وحرية عمل من قبل الحكومات الغربية. واتضح ايضا انه في مواجهات كهذه ربما تنال منظمات مثل حماس تعاطف الجمهور المحلي، لكنها تنال فقط دعما عمليا قليلاً من الحكومات العربية.
6- استقلال الطاقة: في عام 2013 ستتعزز دولة إسرائيل في مجال استقلال الطاقة. اكتشاف الغاز الطبيعي وتسريع استخراجه عام 2013 سيُقلِّصان الارتباط بالطاقة من مصادر غير موثوق بها، وسيدعم النمو الاقتصادي ويُعزز مصادر إضافية لموازنة الحكومة والجمهور. أضف إلى ذلك، التحرر التدريجي للولايات المتحدة من التعلق بنفط الشرق الأوسط، ـــ بفضل تعزيز استخراج الغاز الطبيعي والنفط في مجال التكنولوجيا الحديثة ـــ سيُقلل تعلقها بالعالم العربي والنفط في الشرق الأوسط.



العملية السياسيّة

خصّص التقرير فقرة لإمكانية استئناف المحادثات السياسية مع الفلسطينيين، وجاء فيها: جزء من التطورات الإقليمية يُمكن أن يسهِّل استئناف المحادثات السياسية مع الفلسطينيين. الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو غير رسمي في الأمم المتحدة، يمثِل انجازاً للسلطة الفلسطينية. التي من الممكن أن تسمح للرئيس عباس باستئناف المفاوضات مع إسرائيل بدون شروط مسبقة، كما تطالب إسرائيل، أو بشروط أقل تصلباً من تلك التي وضعتها ورفضتها إسرائيل. المكانة المعزَّزة لمصر في الساحة الإقليمية يمكن أن تسمح لها بدعم عودة السلطة الفلسطينية إلى طاولة المباحثات. من ناحية إسرائيل، التفويض الجديد لقيادة مسارات سياسية، الذي سيُمنح للحكومة التي ستتألف في أعقاب الانتخابات يمكن ايضا أن يمثل فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الفلسطينيين، واستئناف الحوار مع السلطة الفلسطينية. استئناف المفاوضات سيسمح ايضا بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، وتعزيز المكانة الدولية لإسرائيل.