تونس | دخلت الأزمة التونسية أمس مرحلة جديدة من مراحل السلطة مع الأحزاب والنقابات حول تصاعد نفوذ «الأمن الموازي»، الذي نشأ في أعقاب اندلاع الثورة ورحيل زين العابدين بن علي عن البلاد في كانون الثاني 2011.غير أن وزير الداخلية علي العريض، نفى ما تداولته بعض وسائل الإعلام، وخاصة الشبكات الاجتماعية عن وجود أجهزة أمن «موازية» لجهاز الشرطة والحرس الوطني، لكنه لم ينف وجود بعض المواطنين الذين يساعدون رجال الأمن على حفظ النظام. وهو ما اعتبرته المعارضة إقراراً رسمياً بوجود هذه الأجهزة.
وقالت وزارة الداخلية، في بيان تعليقاً على هذه الأخبار، إنها «إذ تُثمّن مبادرة بعض المواطنين، بغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية والأيديولوجيّة بحماية مناطقهم السكنية من أحداث العنف، إلا أنها تنبه على أنه لا سبيل لأن يحل أحد محل الجهاز الأمني».
بيد أن بيان الداخلية وتصريحات الوزير تكذبها المعطيات اليومية، فبعد جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد حدث انفلات أمني في بعض المدن، بينها مدينة صفاقس، العاصمة الاقتصادية للبلاد. لكن المواطنين تقبّلوا بخوفٍ كبير ظهور مجموعات تحمل أزياء موحّدة تنسب نفسها إلى الشرطة السلفية تقوم بدوريات لـ«ضبط الأمن».
كذلك شهدت مدن أخرى تعنيف بعض المواطنين بتهمة السكر، مثلما حدث في مدينة القطار من محافظة قفصة.
ولم يقتصر «التدخل الأمني» على «الشرطة السلفية»، بل أصبحت مجموعات رابطات حماية الثورة تمارس مهمات الأمن في بعض الجهات والأحياء، وهو ما دفع نقابات الأمن الى إطلاق صيحة فزع. واعتبرت النقابات، في بيانها، أن هناك مخططاً متكاملاً لضرب الجهاز الأمني الرسمي وإطلاق يد مجموعات خارجة على القانون لتمارس «حماية الثورة».
هذه التطورات الدرامية التي يشهدها الشارع التونسي لم تبدأ اليوم، إذ كان أول ظهور لهذه المجموعات قبل عام ويتراوح نشاطها بين «العمل الخيري» و«العمل الأمني». والأنكى أن المواطنين، الذين اعتبرهم وزير الداخلية يساعدون الأمن على حفظ النظام، ليس لهم أي صفة، ومن شأن قبول هذه «المساعدة» الإقرار عملياً بشرعية هذا الجهاز الموازي بنفس الطريقة التي وُلِدت بها رابطات حماية الثورة التي انطلقت في البداية كمبادرات أهلية في الأحياء.
بعد الانتخابات، غيّرت حركة النهضة «هوية» هذه اللجان لتحوّلها الى جهاز تابع لها يستعمل لإرهاب المعارضين ومنع اجتماعاتهم. وبذلك أخذت صبغة قانونية بعدما انتظمت في جمعية حاصلة على تأشيرة العمل القانوني.
لقد أصبحت هذه الظاهرة، رغم النفي الرسمي، هاجساً حقيقياً للتونسيين الذين كانوا الى وقت قريب يتباهون بوجود جهاز دولة متماسك وقوي. ورغم غياب الأمن، لم تعرف تونس هزات كبيرة خلافاً لدول أخرى.
في أي حال، بات حلّ هذه المجموعات ومحاسبتها وتتبّع المتورّطين في أحداث العنف ضد السياسيين والمثقفين، من بين الشروط التي تضعها الأحزاب والمنظمات على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لتنقية المناخ السياسي في البلاد، باعتبار ما تمثله هذه المجموعات من احتقان في الشارع التونسي.
ورغم الاشتباه في تورط رابطة حماية الثورة في تطاوين؛ مثلاً في اغتيال لطفي نقض وإلقاء القبض على مجموعة من المشتبه فيهم، بينهم خمسة عناصر من حركة النهضة، لا تزال هذه الرابطة تمارس عملها بشكل علني، بل إن مجلس شورى النهضة دعا في بيان إلى «رفع المظلمة» عن هذه المجموعة، وطالب بإطلاق سراحهم.
كذلك اعتبر نائب عن حركة النهضة في المجلس التأسيسي أن ما قاموا به هو «عمل ثوري» وقد كانت هذه التصريحات صادمة للشارع والنخبة السياسية.
لكن، في المقابل، يرى عدد كبير من الناشطين التونسيين أنه لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة ما لم يتمّ القضاء على ظاهرة الأمن الموازي.
وكان عدد من الصحافيين والسياسيين قد اتهموا «النهضة» باختراق وزارة الداخلية، وذهبوا أبعد من ذلك بالحديث عن جهاز أمن موازٍ يعمل تحت غطاء الداخلية، لكنه مستقل عنها. ومن بين هؤلاء نجيب الشابي عن الحزب الجمهوري، والصحافيون: زياد الهاني، سفيان بن فرحات، الأزهر العكرمي والطاهر بن حسين عن حزب نداء تونس. وشرعت النيابة العمومية بالتحقيق حول ما تحدثوا به عن علاقة بجريمة اغتيال بلعيد.