تونس | ليست هذه المرة الأولى التي يخرج فيها نائب رئيس حركة النهضة، عبد الفتاح مورو (مواليد مدينة تونس العتيقة في ١ حزيران ١٩٤٨)، عن السرب ويبدي آراءً صريحة ضد قيادة الحركة. فرغم انه «الأب المؤسس» لـ«الجماعة الإسلامية»، الا ان علاقته مع الحركة «التي تأسست في مكتبه» ــ كما يقول ــ ظلت دائماً في حركة مد وجزر، الى حد أن تم إبعاده عن قيادتها الجديدة بعد ثورة كانون الثاني. إثر ذلك، اضطر الى تشكيل قوائم مستقلة باسم «طريق السلامة» بمشاركة «إسلاميين تقدميين» للمشاركة في الانتخابات الأخيرة. لكنه لم يفز بأي مقعد كما تم التخلي عنه في التشكيلة الحكومية، بعدما وعدوه بوزارة. يومها قال كلمته الشهيرة بعد مسلسل الوعود: «بهدلوني». وفي الوقت الذي كان فيه مورو، المحامي صاحب اللباس التقليدي الأشهر في الأوساط الحقوقية والقضائية، يفكّر في تأسيس حزب إسلامي معتدل بخلفية إصلاحية تونسية، بدا أن قيادة حركة النهضة التقطت مبادرته قبل أن يشرع فيها، وعمدت إلى إعادته الى صفوفها ومنحته منصب «نائب الرئيس». وكانت عودته من الباب الكبير حدثاً مفاجئاً لمورو نفسه.
وبالعودة إلى تصريحه الأخير، «الذي تم اخراج بعض مقاطعه من سياقها العام»، حسب قوله، فإن موقفه هذا ليس الا حلقة من مسلسل طويل في التباين بين الشيخ وحركته، إذ إن مورو يحمل خلفية ثقافية مستنيرة. فهو الوحيد من قيادات الحركة الذي درس في المعهد الصادقي، على غرار كل زعماء الحركة الوطنية التونسية الذين بنوا الدولة. كما انه الوحيد الذي يحتفظ بتقدير كبير لدولة بورقيبة وإنجازاته ويترحّم عليه. وهو من القلائل أيضاً من الجيل المؤسس للحركة الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة، ويعتبرها مكوناً من مكونات الشخصية التونسية. لذلك فإن التباين ليس في الموقف السياسي فقط، بل أساساً في المرجعية.
لهذا السبب، فإن محاولة مورو التخفيف من «الصدمة» التي أحدثها حواره لم يأخذها الشارع التونسي بجدية، ذلك ان الجميع يدرك حجم الفوارق النظرية بينه، بمرجعيته التونسية المعتدلة التي جعلته مقرباً الى الناس حتى الذين يعارضون النهضة، وبين رئيش الحركة راشد الغنوشي. يضاف الى ذلك شخصيته المرحة وحبه للموسيقى الكلاسيكية والشعر والغناء، بل حتى أن ابنته لا ترتدي الحجاب.
وقد مثّل مورو، بكل هذه التفاصيل وبذلك الوقار الذي يوحي به لباسه التونسي التقليدي، نموذجاً للزعيم الاسلامي المعتدل الذي يستطيع أن يقود حركة متجذرة في بيئتها التونسية متمسكة بقيم التنوير والحداثة، على عكس باقي قيادات الصف الأول في «النهضة»، وخصوصاً الغنوشي والحبيب اللوز والصادق شورو الذين يصنفون على أنهم أقرب الى حركة الاخوان المسلمين، بل حتى الى التيار الوهابي.
لقد أكد القيادي الإسلامي المعتدل، في حواره الأخير، انغلاق «النهضة» وعدم فهمها لطبيعة المجتمع التونسي، وفشلها في تقديم نموذج مقنع. ودعا الغنوشي الى الانسحاب، قائلاً إنه يقود البلاد الى الكارثة. واعتبر انه عاجز على السير مترجلاً في الشارع خوفاً من التونسيين. كذلك اعتبر ان المعركة في تونس ليست بين الإسلاميين والحداثيين، كما يريد الغنوشي تصويرها. ودعا الى مؤتمر استثنائي لتغيير قيادة الحركة، معتبراً أن توافد الدعاة على تونس لتحجيب الفتيات الصغيرات بتشجيع من الحركة أمر ليس مقبولاً بالمرة. ودعا قيادة الحركة الى فهم حداثة المجتمع التونسي جيداً.
هذا الحوار أكد على التباينات داخل الحركة، التي كان ظهورها الأول بعد الحادثة المعروفة بباب سويقة في شباط ١٩٩١، عندما عمد عدد من الشبان المنتمين الى الحركة الى حرق مقر الحزب الحاكم سابقاً في ضاحية باب سويقة في المدينة العتيقة. وقد ذهب ضحيتها الحارس الذي مات متأثراً بحروقه البليغة. وكانت هذه العملية بداية حملة مطاردة الإسلاميين، وكان مورو آنذاك وعدد قليل من القياديين قد تبرأوا من العملية وعلّقوا عضويتهم في الحركة احتجاجاً عليها.
ويبدو أن عدداً من القيادات لم يغفروا له تخليه عن الحركة في فترة صعبة، فتم استثناؤه عند تشكيل هيئة تأسيسية جديدة في ربيع ٢٠١١. لكن مورو نفى آنذاك أن يكون رفيق دربه (الغنوشي) يقف وراء ذلك، بل قال ان «هناك من يزعجه وجودي في القيادة». وأثنى على مواقف صديقه، الذي جمعته به الصداقة والعمل الميداني منذ سنة ١٩٦٩ بعد عودة الأخير من سوريا، التي درس فيها الفلسفة واقترب فيها من تنظيم الاخوان المسلمين.
وكان الرجلان يتنقلان في البلاد ويقدّمان الدروس في المساجد، وقد تم إلقاء القبض عليهما لاول مرة سنة ١٩٧٣ في مدينة سوسة الساحلية. وسُجنا معاً أيضاً في مطلع الثمانينيات. وهي المرة الوحيدة التي سُجن فيها مورو إذ غادر في الحملة الكبرى على الحركة سنة ١٩٨٦ الى السعودية وعمل في منظمة العمل الاسلامي مترجماً.. ولم يعد الى تونس الا بعد تولي زين العابدين بن علي الحكم. وكان من القلائل الذين لم يدخلوا السجن من قيادات الحركة في عهد بن علي، لكنه تعرض الى حملة تشويه أخلاقية مؤلمة سنة ١٩٩٢.
رغم كل هذه المعطيات هناك من يعتقد أن مسألة إبراز الفوارق بين الغنوشي ومورو قد تكون توزيع أدوار أيضاً، وذلك استناداً الى صمت مورو على تجاوزات كثيرة تُتّهم بها «النهضة»، وخاصة ما يتعلق بنمط المجتمع. كذلك لم ينس له الحقوقيون ما قاله للداعية المصري وجدي غنيم، في زيارته الى تونس في ٢٠١١، إن «المطلوب اليوم كيف نستقطب أولادهم». على اعتبار أن الجيل الحالي الذي تربى في مدارس بورقيبة لا أمل في أن يستجيب لنموذج الحركات الاسلامية. وتم تسجيل هذه المحادثة عبر الفيديو وبثها عبر الشبكة الاجتماعية، إذ قلص هذا الفيديو من صدقية مورو وشعبيته في أوساط النخبة بشكل ملحوظ.



الجبالي يفشل ولن يستقيل!

خلافاً لما وعد به، لن يستقيل رئيس الحكومة التونسية الموقتة حمادي الجبالي بعد أن أقرّ، مساء أمس، بفشل مبادرته حول حكومة تكنوقراط.
ولفت إلى أنّه سيتوجه، اليوم، إلى رئيس الجمهورية منصف المرزوقي «للنظر في الخطوات القادمة» التي يجب اتخاذها. لكن بحسب ردود الفعل الأولى التي أعلنها بعض قيادات المعارضة، يبدو أنّها لن تساند الجبالي مستقبلاً، بل إن بعض أطرافها يطرح مبادرات أخرى تتصل أساساً بالمجلس التأسيسي. نجحت النهضة في ضغوطها على أمينها العام، لكن من يستطيع أن يأمن الآن ردود فعل الشارع؟ مبادرة الجبالي فشلت، لكن «النهضة» لم تنجح في امتصاص غضب التونسيين. وبمجرد ظهور الجبالي على الشاشة لإعلان فشل مبادرته، بدأت صفحات التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى مزيد الضغط على الحكومة والمجلس التأسيسي، فيما دعا ناشطون وسياسيون الجبالي وحركة النهضة إلى ضرورة المبادرة بنزع فتيل الاحتقان الاجتماعي. وكان خمسة عشر حزباً قد شاركت في الجولة الثانية لمفاوضات التعديل الحكومي التي احتضنها قصر قرطاج، ظهر أمس، بعد تأجيل حسم الخلافات إلى يوم أمس. ومع ذلك لم ينجح الجبالي في مبادرته، وتصرّ المعارضة على تحييد وزارات «السيادة» وحل رابطات حماية الثورة، وتحييد وزارة الشؤون الدينية.
(الأخبار)