دمشق | تختزل الأحداث المتسارعة، التي يشهدها مخيم خان الشيح الأحوال المعيشية لأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني في سوريا. المشهد في المخيم اليوم، مختلف تماماً عما سبق من المواجهات المسلحة الاعتيادية، التي اجتاحت شوارع وأزقة المخيم الضيقة في الأشهر الماضية. حالة من الغضب الشعبي وصلت إلى ما يشبه العصيان المسلح، أعلنها سكان المخيم احتجاجاً على تجاوزات وممارسات عناصر الجيش الحر، التي دخلت المخيم قبل حوالي ثلاثة أسابيع. الغضب الشعبي بلغ ذروته في الساعات الأولى من صباح أمس، عندما استفاق سكان حارة المخيم الشرقية على صوت انفجار سيارة مفخخة، تسبب في أضرار مادية طالت بعض المنازل القريبة، وأوقع عدداً من الجرحى. سرعان ما حضر عناصر الجيش الحر إلى مكان الانفجار، مطلقين الرصاص في الهواء، لإرهاب وتفريق أبناء المخيم الذين احتشدوا لإسعاف الجرحى. أشعلت هذه الحادثة غضب أبناء المخيّم، فأغلقوا جميع الطرق الرئيسية والفرعية بوجه عناصر الجيش الحر بالإطارات المشتعلة والسواتر الترابية، ما تسبب في وقف حركة المرور بشكل كامل. مشادات كلامية وشتائم بالجملة، تبادلها الشباب الغاضب مع مسلحي الجيش الحر، تطورت سريعاً لتصل للاقتتال بالسلاح الأبيض، أصيب على أثره اثنان من عناصر الحر بجراح خطيرة. اتخذ أبناء المخيم القرار الحاسم. التظاهرات الشعبية المطالبة حملة السلاح بالخروج من أرض مخيمهم لم تجد نفعاً. شعار اليوم «الرصاص لا يرد عليه إلا بالرصاص، وأرض المخيم سنحولها إلى ساحة معركة حقيقية». مساء أمس فتح أبناء المخيّم نار أسلحتهم على حواجز الجيش الحر، في سابقة لم تشهدها مجمل المخيمات الفلسطينية، التي اقتصر حمل السلاح فيها على عناصر الفصائل الفلسطينية. ومن المعروف أن غالبية سكان مخيم خان الشيح، ينتمون إلى عدد من القبائل والعشائر البدوية، التي كانت تسكن شمال فلسطين المحتلة. أبو محمد (38عاماً)، شارك في مواجهات أمس. «السلاح الموجود في المخيم مرخص من وزارة الداخلية السورية، أو يحمله عناصر المقاومة الفلسطينية من سكان المخيم. في عاداتنا لا نعترف بالرجل حتى ينجب أطفالاً، ويقتني قطعة سلاح حربي. لم أطلق رصاصة واحدة من سلاحي الذي اقتنيه منذ 13 عاماً، حتى جاء الوقت المناسب لاستخدامه»، يخبر «الأخبار». حالة من الفوضى يعيشها المخيم، وسط أنباء تؤكد ارتفاع حدة المواجهات المسلحة بين أبنائه الذين أعلنوا الكفاح المسلح من جهة، وبين عناصر الجيش الحر الذين فضلوا دخول المخيم، وتحويله إلى حاضنة شعبية لهم. رغم وقوعه بالقرب من قرى سورية عرفت منذ بداية الأحداث بهواها المعارض. الجيش الحر اختار مخيم خان الشيح، دون سواه، لتحويله إلى قاعدة انطلاق لعملياته العسكرية. «تابعنا أحداث مخيم اليرموك أولاً بأول. هناك أكثر من 15 ألفاً على الأقل من نازحي اليرموك يعيشون بيننا اليوم، سبق أن أخبرونا عن ممارسات الجيش الحر. حاولنا جاهدين الحفاظ على مخيّمنا كمنطقة آمنة ومعزولة السلاح، لكن الجيش الحر استباح حرماتنا وأرزاقنا»، يخبرنا أبو هاني، أحد المشرفين على لجان إغاثة النازحين في المخيم. ويضيف «خرجنا مرات عديدة في تظاهرات جالت الشوارع الرئيسية، كان آخرها قبل ثلاثة أيام. هتفنا بشعارات طالبت الجيش الحر والعناصر المعارضة المسلحة بالخروج من المخيم، حتى لا يتحول إلى هدف لقصف الجيش النظامي. لكن ردهم جاء سريعاً». منذ اللحظة الأولى لدخوله المخيّم، الذي كان يعتبر قبل أسابيع قليلة ملاذاً آمناً للنازحين الفلسطينيين والسوريين، عملت المعارضة المسلحة على اقتحام جميع المزارع في منطقة القصور وشارع نسلة، وتخريبها والاستيلاء على محتوياتها من أثاث وسيارات والاتصال بأصحاب هذه المزارع قبل اقتحامها وتخييرهم بين الاستيلاء عليها أو حرقها، عدا طرد المهجرين تحت عنوان اخلاء المنطقة لدواع أمنية»، يروي أبو هاني، المتابع الميداني بحكم عمله في مجال الإغاثة. الناشط الاجتماعي أدهم (24 عاماً) لا تخيفه سطوة المسلحين. ويذكّر بفعاليات ذكرى النكبة منذ سنتين، ويقول: «عام 2011، قدم المخيّم 22 شهيداً في الجولان المحتلّ بمواجهة جنود الاحتلال. ليس من المستحيل أن نتصدى لكلّ من تسول له نفسه انتهاك حرمة مخيّمنا بأيدينا العارية أيضاً، كائناً من كان».