تونس | بعد مسلسل من التشويق أعلن رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي، أمس استقالة حكومته والتزامها مواصلة تصريف الأعمال في انتظار تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد فشل مبادرته في تشكيل حكومة كفاءات تحظى بأكبر قدر من الوفاق الوطني. وجاءت هذه الاستقالة لتعمّق أزمة الشارع التونسي من جديد مما يطرح احتمالات وسيناريوهات جديدة في انتظار نهاية المرحلة الثانية من الانتقال الديموقراطي. وتداولت ظهر امس مصادر صحافية تونسية وفرنسية أنباء عن استقالة رئيس الحكومة حمادي الجبالي في لقائه مع الرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي قبل أن يؤكدها بنفسه.
واكد الجبالي انه سيكون من بين المرشّحين لحكومة جديدة اذا تم اختياره، لكن ذلك سيكون وفق مجموعة من الشروط وهي أساساً تحديد موعد واضح للانتخابات وحل كل الأجهزة الموازية التي تمارس العنف وتحرم التونسيين من ممارسة حياتهم السياسية وحقهم في الاجتماع والتعبير، اضافة الى تحييد وزارات السيادة. ودعا الى حوار وطني شامل من دون استثناء حتى تتجاوز تونس أزماتها السياسية والاقتصادية، قائلاً إن الشعب التونسي مل من التجاذب السياسي بين الأحزاب وان المواطن في حاجة الى إنجازات في حياته اليومية تتعلق بالأمن وبغلاء المعيشة وغياب التنمية. وشدد الجبالي على أن التونسيين قاموا بثورة من أجل حياة جديدة مختلفة، ولذلك قدم مبادرته لتشكيل حكومة تكنوقراط لأنها الفرصة الوحيدة لإنقاذ تونس.
ورغم ان استقالة الجبالي كانت متوقعة بعدما اكد انه مصر عليها اذا لم تحظ بمساندة الغالبية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستقبل حركة النهضة مرة أخرى ترشيح الجبالي لتشكيل حكومة جديدة بعد الشروط التي أعلنها؟
أزمة التعديل الوزاري ستتواصل مثلما تفيد كل المؤشرات، فمن الوارد جداً أن يعود الجبالي رئيساً لحكومة جديدة، لكنه في هذه الحال لن يجد نفس المساندة من المعارضة التي وجدها أخيراً. إذ ان العديد من أوساط المعارضة بدأ يرى في مبادرته وكأنها «مسرحية» لامتصاص غضب الشارع وهو ما سيعقّد مسؤولياته. لكن المشكلة الأكبر، هي رفض المعارضة وخاصة قواها الأساسية المشاركة في الحكومة الجديدة، وكذلك مساندة الجبالي ما لم يتم تحييد وزارات السيادة الثلاث: الداخلية والخارجية والعدل.
واذا كانت النهضة أبدت استعداداً للتخلي عن العدل والخارجية، فإنها غير مستعدة بتاتاً للتخلي عن الداخلية. وهو الشرط الذي اعلنت المعارضة انها لن تتنازل عنه كشرط أولي وأساسي قبل الدخول في أي مشاورات جديدة.
ويتوقع الكثير من المتابعين للشأن السياسي في تونس ترشيح «النهضة» لشخصية جديدة مثل وزير الصحة عبد اللطيف المكي، لقيادة الحكومة، لكن ستكون «النهضة» في هذه الحال أكثر عزلة، إذ ترفض تقريباً كل أحزاب المعارضة الاساسية، مثل الجمهوري ونداء تونس والجبهة الشعبية والمسار الديموقراطي والحزب الاشتراكي وحزب العمل الوطني الديموقراطي والتحالف الديموقراطي، بل حتى شريك «النهضة» السابق «التكتل من اجل العمل والحريات»، المشاركة في حكومة بهذه الصيغة.
وبالتالي فإن الحركة الاسلامية ستجد نفسها في عزلة كبيرة أمام الرأي العام الوطني والدولي بعدما كانت تتباهى بنجاحها في نسج ائتلاف بين الإسلاميين والعلمانيين، فلم يبق معها الا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي يكاد يفقد كتلته في المجلس التأسيسي وحركة وفاء المنشقة عنه.
وتدرك «النهضة» جيداً أنها لا تستطيع ان تبني ائتلافاً سياسياً مع طرف فقد حضوره تقريباً في الشارع، إذ لم يحضر المجلس الوطني لحزب المؤتمر يوم الأحد الماضي في مدينة القيروان الا ٤٧ شخصاً فقط كما استقال أمينه العام الذي اشترط طرد الوزيرين سليم بن حميدان، وعبد الوهاب معطر، من الحزب قبل التراجع عن الاستقالة.
فالنهضة تحتاج الى حلفاء أقوياء، لذلك إن يعتقد عدد من المتابعين للمشهد السياسي أن النهضة فوتت على نفسها فرصة تاريخية للخروج من المأزق أهداها له أمينها العام الذي ساند مبادرته اكثر من ٧٣ في المئة من التونسيين. والتقى رئيس الجمهورية عدداً من رؤساء الأحزاب منهم مصطفى بن جعفر ونجيب الشابي ورؤوف العيادي ومحمد الحامدي وغيرهم.
وبهذه الشروط التي وضعها الجبالي لتشكيل حكومته ربما يكون قد وضع حركته أمام تحدٍ جديد فرفض اقتراحات رئيس الحكومة المستقيل يعني مزيداً من العزلة خاصة أنه طرح بجدية إشكالية «الميليشيات» التي قال إنها تهدد السلم الأهلي وتسيء لصورتها في الخارج.