مثّل ما شهدته جبهة ميدي الحدودية، شمالي غربي اليمن، فضيحة إعلامية قبل أن تكون خسارة عسكرية كبيرة مني بها التحالف السعودي. فقياساً بحجم ما أنفقه النظام السعودي على المسلحين والمرتزقة الذين كانوا وقوداً رئيسياً لعشرات الهجمات، جعل «التحالف» يبدو وكأنه قريب من حسم معارك ميدي، إلا أن الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» تمكنوا من السيطرة على المنطقة بعد انسحاب جميع المسلحين المؤيدين لـ«التحالف»، قبل أيام قليلة.وكان مصدر عسكري قد قال لـ«الأخبار» قبل فترة، إن جبهة ميدي «ستتحول إلى النقطة الأكثر استنزافاً للجيش السعودي والمسلحين». فبعد فشل عشرات المحاولات السعودية للتقدم باتجاه الساحل المقابل لمدينة ميدي، اضطرت قيادات الجيش السعودي، بمشورة قادة عسكريين تابعين للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي إلى نشر أعداد من مجنديهم على تخوم صحراء ميدي القريبة من منطقة الموسم السعودية، وهي منطقة صحراوية لا وجود فيها لقوات عسكرية. وقد مهّد الجيش السعودي لهذا الانتشار بمئات الغارات الجوية التي أتت على أراضي مدينة ميدي كافة، وحتى على صحرائها في أقصى الغرب.
يحرّض رجال دين تابعون لـ«الإصلاح» على قتال «الروافض والانقلابيين»

ويعزو مصدر ميداني هذا العدد الهائل من الغارات، إلى «الرغبة السعودية الملحّة لإحداث أي ثغرة في الجبهات الشمالية». ويضيف المصدر أنه «لم يكن من السهل على النظام السعودي تقبّل الوضع القتالي المحبط الذي بدا عليها آلاف المرتزقة ممن استغرق تدريبهم وتأهيلهم أشهر، ما كلّف ملايين الريالات السعودية التي جرى صرفها عليهم وعلى زعمائهم من القادة السياسيين الموالين لهادي في الأراضي السعودية».
وكان الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» قد شنوا عمليات عسكرية معاكسة بهدف «تطهير صحراء ميدي من عناصر الجيش السعودي ومرتزقته»، وهي عمليات كلفت الجيش السعودي خسائر، بدءاً من أسر عشرات المرتزقة وصولاً إلى تدمير آلياته.
ومن الفضائح التي كشفت عنها مشاهد وزّعها «الإعلام الحربي» في تلك المنطقة، وجود وثائق تتضمن وعوداً سعودية بدمج المسلحين في «جيش الشرعية»، ومستندات كشفت أيضاً مشاركة عناصر منتمين إلى الجماعات التكفيرية في القتال في صفوف الجيش السعودي، ومن بينها هويات لعناصر ينتمون إلى تنظيم «داعش»، بالإضافة إلى إظهار أعلام سوداء تابعة للتنظيم. كذلك، عُثر بعد انسحاب المسلحين عبارات تعكس الخلفية العقائدية للتنظيمات المتطرفة التي تقاتل هناك، والتي تشبه ما تنشره الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، وكُتب البعض منها على آليات تابعة للجيش السعودي. يعلّق مصدر ميداني في «اللجان الشعبية» على الموضوع بالقول إن الأمر لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى الجيش و«اللجان» الذين «يعرفون عدوهم من اليوم الأول»، مضيفاً أن «عمليات ميدي كشفت عن المشروع الحقيقي الذي تُريد السعودية فرضه على اليمنيين والمتمثل بتمكين الجماعات الإرهابية من رقاب الشعب على غرار ما هو حاصل في جنوب اليمن».
وكان «الإعلام الحربي» قد عرض مشاهد لمجموعة من المسلحين اليمنيين ممن أُسروا في معارك ميدي خلال الأسبوع الماضي، تتضمّن اعترافات تكشف عن تورّط قيادات من حزب «الإصلاح» في تجنيد مرتزقة والزجّ بهم في معارك «التحالف». وقد كشف الأسرى في سياق حديثهم عن الأسباب التي دفعت بهم للقتال، عن توظيف النظام السعودي للخطاب الديني والمذهبي لإقناع المُجندين بقتال الجيش اليمني و«اللجان الشعبية». وأورد الأسرى أسماء عدد من رجال الدين اليمنيين المُنتمين إلى حزب «الإصلاح» ممن قاموا بزيارة المعسكرات التي تدربوا فيها وألقوا محاضرات دينية، أكدوا فيها وجوب القتال في صفوف الجيش السعودي ضد من سمّوهم «الروافض والانقلابيين» في إشارة إلى الجيش اليمني و«اللجان الشعبية».