كما كان متوقعاً، اختارت حركة «النهضة» التونسية وزير الداخلية علي العريض ليكون رئيس الحكومة الجديد خلفاً لحمادي الجبالي المستقيل. لكن الرجلين يلتقيان في نقاط مشتركة تشكل صلب هياكل الحركة، إذ شغلا تقريباً نفس الخطط منذ أن صعد نجمهما بعد اعتقال القيادة التاريخية للحركة في ١٩٨١.العريض، المولود في مدينة جرجيس في آب ١٩٥١، هو من أسرة تنتمي الى مدينة بن قردان على الحدود التونسية الليبية. مهندس في النقل البحري انخرط مبكراً في الحركة الإسلامية وعُرِف بصلابته التنظيمية، ما جعل قيادة الحركة تختاره لتولي مسؤولية الجهاز التنظيمي؛ حتى انه كان يُلقّب بوزير «داخلية النهضة» قبل ان يتولى الحقيبة فعلياً في الدولة بعد نجاح الثورة في اسقاط الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
كان العريض المسؤول الأساسي عن بناء هياكل الحركة، وحُكم عليه بالإعدام في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة، لكن وصول بن علي الى الحكم أنقذه من حبل المشنقة. تولى العريض بعد ١٩٨٧ الأمانة العامة للحركة وحُكم عليه بالسجن عام ١٩٩٢ خمسة عشرة عاماً، قضى منها عشرة أعوام في سجن انفرادي.
بعد خروجه من السجن عاد من جديد الى الحياة السياسية رغم تضييقات نظام بن علي، وعُرف في هذه الفترة باعتدال مواقفه. وكان من بين مؤسسي حركة «١٨ تشرين الأول»، التي جمعت بين العلمانيين والإسلاميين والليبراليين في أرضية فكرية تقدم نفسها بديلاً عن حكم بن علي. وقد كانت هذه الحركة التي انطلقت سنة ٢٠٠٥ بداية السقوط للنظام السابق.
عانى العريض زمن بن علي من حملة تشويه، إذ تم تسريب شريط فيديو يظهره في السجن في أوضاع غير أخلاقية، الأمر الذي حمل «النهضة» على اتّهام أجهزة استخبارات بفبركة الشريط لتشويه واحد «من أبرز مناضليها». كما دانت المعارضة تسريب هذا الشريط الذي أعيد نشره على «الفايسبوك» بعد تولي العريض الداخلية.
ومنذ توليه وزارة الداخلية في الحكومة السابقة، لم يكف العريض عن أن يكون موضوعاً للجدل في الوسط الحقوقي والسياسي، فمنذ البداية أبدت أحزاب المعارضة تحفظها على تعيين العريض. وبدا واضحاً ان «النهضة» أرادت بتعيينه السيطرة على جهاز الداخلية المتحكم الفعلي في البلاد. ومنذ الأيام الأولى بدأ بسلسلة من الإعفاءات والتعيينات.
ورغم أن الهدف المُعلن من هذه «الإجراءات» هو البحث عن النجاعة وإبعاد «المورطين»، فإن المعارضة رأت في خطواته خطوات عملية في السيطرة الكاملة على جهاز الداخلية.
وكان ظهور «ميليشيات» بالزي المدني تساعد أجهزة الأمن في ذكرى شهداء تونس في ٩ نسيان العام الماضي بداية المواجهة بين المعارضة والعريض. تطورت هذه المواجهة، بعدما منع العريض التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة، وهو الإجراء الذي اضطر للتراجع عنه.
وبلغت المواجهة حدّتها بالمطالبة بإقالته ومقاضاته بعد أحداث سليانة في مدينة سليمان التي استعملت فيها قوات الأمن الخرطوش الذي ذهب ضحيته عشرات الشباب؛ منهم من فقد البصر. وقد تبين ان هذا النوع من الرصاص يُستعمل لقنص الحيوانات.
بعد سليانة، أصبح مطلب إعفاء العريض أولوية مطلقة لكل أحزاب المعارضة التي تتهمه أيضاً بالتستر على رابطات حماية الثورة والسلفيين. وقد ارتفع سقف المطالب بتحييد الداخلية، خاصة بعد اغتيال شكري بلعيد.
مشاكل العريض ليست مع الحركة الديموقراطية فقط، بل مع السلفيين أيضاً، إذ كان الرجل أول مسؤول في حركة النهضة يقر في حوار مع الصحيفة الفرنسية «لوموند» قبل عام «ان المواجهة مع السلفيين آتية». وحافظ في كل تدخلاته في ما يتعلق بملف السلفيين على خطاب حاد إذ اتهمهم بتجاوز القانون وممارسة العنف وتهديد الحريات.
مواقف العريض الصارمة دفعت بـ«شيوخ» السلفيين الى اتهامه بانه يعمل وفق «أجندة» خارجية. وهدده زعيم السلفية الجهادية، أبو عياض، في خطبة شهيرة في جامع الفتح وسط العاصمة.
رغم المشاكل الأمنية التي رافقت توليه وزارة الداخلية، إلا أن العريض يحظى بتقدير المعارضة الكبير. فالذين يعرفونه عن قرب يقولون انه شخصية مُفعمة بالقيم الانسانية. وهو رجل حوار. وحتى الاعتراض على توليه الداخلية ليس اعتراضاً على شخصه، بل على ان تكون الوزارة تابعة لحزب ما.
ولعل المسؤول الإسلامي أجاب على هذه الهواجس في أول تصريح رسمي بعد ترشيحه لرئاسة الحكومة، إذ قال أمس، إنه سيشكل حكومة لكل التونسيين وليست حكومة حزب. واعتبر أن حكومته الجديدة ستعمل من أجل خدمة التونسيين والتونسيات بكل أطيافهم ورؤاهم، مجدداً شكره لرئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي، على ثقته به.
وفي سياق متصل، قال رئيس الديوان الرئاسي، القيادي في حزب المؤتمر من اجل الجمهورية، عماد الدائمي، إن الاعلان عن الحكومة الجديدة سيكون يوم الأربعاء المقبل، مضيفاً أن حزبه يشترط تحييد وزارات السيادة للمشاركة في الحكومة ودعمها. وقال زعيم الحزب الجمهوري نجيب الشابي، ان علي العريض ليس رجل وفاق وهو غير قادر على قيادة حكومة توافق.
أما أحزاب «الجمهوري» ونداء تونس والمسار الديموقراطي والعمل الوطني الديموقراطي والحزب الاشتراكي، وهي المكونة للاتحاد من أجل تونس، فأعلنت عدم مشاركتها في الحكومة وعدم مساندتها ما لم يتم تحييد وزارات السيادة. ودعت الى التظاهر اليوم من اجل الضغط للتسريع في الكشف عن قتلة بلعيد.
نور الدين...