تونس | يبدو أن الأوضاع الأمنية في تونس تتجه نحو التأزم، فالأحداث باتت تتنقل كالنار في الهشيم بين منطقة وأخرى، حيث ألقت قوات الأمن القبض على سيارة محملة بالسلاح، في مدينة قفصة التونسية، بالتزامن مع أنباء عن تبادل إطلاق الرصاص في مدينة سوسة الساحلية، في وقت نقلت فيه وكالة «فرانس برس» عن مصادر في الشرطة اعتقالها القاتل المفترض للمعارض اليساري شكري بلعيد. وأفاد مصدران في الشرطة وكالة «فرانس برس» أنه تم أمس اعتقال شخص يشتبه في أنه قتل المعارض التونسي شكري بلعيد، وشريكه المفترض، لافتين الى أن المشتبه فيهما ينتميان الى التيار السلفي. وأوضح المصدران أن القاتل المفترض عمره 31 عاماً ويعمل في صناعة المفروشات المعدنية، وقد اعتقل في قرطاج في ضاحية العاصمة تونس. يأتي الاعتقال في إطار سلسلة من المواجهات شهدتها البلاد، إذ قبل أيام، وتحديداً نهاية الأسبوع الماضي، تبادلت قوات الأمن إطلاق الرصاص مع مجموعة مسلّحة، بعدما تم إلقاء القبض على عدد من أفرادها في مدينة سيدي بوزيد. وتكرر الأمر نفسه في مدينة القصرين على الحدود التونسية الجزائرية، بينما تم الكشف عن مخزن للسلاح عن طريق الصدفة في ضاحية حي التضامن الشعبي من محافظة أريانة من إقليم العاصمة. وهو مخزن السلاح الثاني من حيث الأهمية، بعد المخزن الذي تم العثور عليه في مدينة مدنين القريبة من الحدود الليبية.
عمليات الكشف عن مخابئ الأسلحة وإيقاف متهمين أصبحت مسألة شبه يومية في تونس. ومنذ ثورة ١٤ كانون الثاني وسقوط النظام السابق، وخاصة وصول حركة النهضة الى الحكم، أصبح العثور على مخازن السلاح والسيارات المُحمّلة به خبراً شبه يومي، خاصة في الأشهر الأخيرة. وقد اتهمت قوى المعارضة حركة النهضة بالتساهل مع السلفيين وغض الطرف عنهم، ما مكّنهم من القيام بعمليات كبيرة لتهريب السلاح.
ورغم ما تبذله قوات الأمن والجيش من جهود، فإن نزيف تهريب السلاح يبدو أنه أقوى من طاقة قوات الأمن والجيش، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية في ليبيا والحماية السياسية التي تتهم حركة النهضة بتوفيرها للسلفيين لتشجيعهم على تهريب السلاح، إذ اتهمت قوى المعارضة حركة النهضة بـ«التورط» في هذه المسألة الخطيرة والغريبة على التقاليد التونسية.
ورغم نفي «النهضة» لهذه الاتهامات وتأكيد وزير الداخلية، رئيس الحكومة الجديد، علي العريض، يقظة قوات الأمن وصرامة الداخلية، تتوالى عمليات تهريب السلاح بشكل غير مسبوق، ليس في المدن الحدودية فقط، بل وصل الأمر الى العاصمة، الأمر الذي جعل عدداً من المتابعين للشأن التونسي يؤكد وجود جهة سياسية تُسهّل هذه العملية، في حين امتدت الأصابع الى حركة النهضة، ما خلق مناخاً متوتراً في تونس يهدد بجدية السلم الأهلي.
من جهتها، تنفي «النهضة» أي مسؤولية لها في هذه العمليات الإجرامية، بل تذهب الى أكثر من ذلك، إذ ترى أن هذا المناخ من العنف والتوتر والاحتقان يستهدف أساساً وجودها في الحكم من طرف مجموعات إجرامية على علاقة بالنظام السابق.
وينظر التونسيون بكثير من الخوف الى المستقبل بعد انتشار «ثقافة» السلاح؛ ففي سوريا عدد كبير من المقاتلين التونسيين، وكذلك في مالي وفي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وغالبيتهم من الشبان الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر.
تقارير المنظمات الدولية أفادت بأن الشبان التونسيين هم الأكثر حضوراً وجاهزية في المجموعات المتشددة في سوريا ومالي والجزائر. ومن الأسئلة المؤلمة التي يطرحها الشارع التونسي اليوم هو أي مصير لاستقرار تونس عندما يعود المسلحون من مالي ومن سوريا، حيث يسقط يومياً شبان تونسيون غادروا بلادهم من أجل «الجهاد» بتوجيه من جهات في الحكم، كما تتهم جهات حقوقية دولية، إذ يجري إرسالهم الى سوريا عن طريق تركيا وليبيا للقتال هناك في إطار مشاريع «خيرية» تموّلها قطر. وقد كشفت الصحافة التونسية أخيراً عن شبكات لإرسال الشبان التونسيين الى سوريا ومالي مقابل تلقيها أموالاً طائلة على ذلك. وهددت منظمات حقوقية بمقاضاة جهات تونسية تعتبرها ضالعة في «تجارة الموت».