لا يمكن اعتبار زيارة الملك عبد الله الثاني لموسكو زيارة بروتوكولية، بل يجب التوقف طويلاً عند أبعادها وتبعاتها. الأردن معنيٌّ تماماً اليوم بفتح خطوطه السياسية مع روسيا، لكنه بلا شك، معنيٌّ بالحفاظ على توازناته السياسية وحلفائه التقليديين. الحقيقة، أن الأردن استغل لحظات انعدام الوزن السياسي الناتج من الرؤى المتضاربة للأزمة السورية، ليعزز ظهوره بصوت العقل القادر على تقديم رؤية واقعية للمشهد السوري وأخطاره. بالتالي كانت الرؤية الأردنية أقرب إلى الرؤية الروسية، وخصوصاً في ما يتعلق بخطر الفراغ السياسي وتدمير المؤسسة العسكرية وانتشار الفوضى والإرهاب. لاحقاً، استطاعت عمّان نقل رؤيتها السياسية والأمنية لحلفائها في واشنطن، وبالتالي نجحت بتقريب رؤية الحليف الأميركي إلى رؤيتها الاستراتيجية التي لخصها عبد الله الثاني في واحد من أهم المحافل الدولية في دافوس، حيث كانت رسالته الى العالم بضرورة الالتفات إلى خطورة ما يجري على الأرض في سوريا وتبعاته في الإقليم وانعكاسه على السلم العالمي.
ما الذي يريده الأردن من روسيا؟
بالرغم من أن العلاقة الروسية الأردنية قد تغلف بأوجه تعاونية متعددة سواء اقتصادية او تعاونية او حتى استخبارية، إلا أن المطلوب روسياً في هذه المرحلة هو موقف أردني بنّاء يسهم في بلورة التصور الروسي لشكل التسوية السورية، وطبعاً التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. أما أردنياً، فإن المطلوب يتعدى فكرة التعاون الاقتصادي. الأردن يسعى إلى بناء شراكة سياسية عقلانية، تأخذ في الاعتبار صعوبة الانقلاب على التحالفات التقليدية، لكنها في الوقت نفسه تدرك حجم الأخطار القادمة من فكرة الحليف الواحد، وخصوصاً أن الملك عبد الله الثاني أدرك في السنتين الأخيرتين حجم الاستهداف الذي سعى إلى وضع الاردن في زاوية ضيقة وبالتالي تطويعه لفرض شروط سياسية جديدة او حتى نظام حكم جديد وفقاً لرؤية بعض الدول.
الأردن يدرك تماماً أنّ نجاح التسوية السياسية في سوريا سيفتح باب التسوية الإقليمية، وبالتالي فرض سيناريو الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وبالتالي يستشعر الأردن قلقاً من محاولات فرض شكل التسوية النهائية على حسابه، وهذا ما قد يفسر عدم الارتياح الاردني لموقف حلفائه التاريخيين (الولايات المتحدة و بريطانيا) من شكل الحل النهائي. الأردن يسعى إلى الحصول على دعم سياسي روسي يوازي حجم الدعم الذي قدم لسوريا، وهذا لا يمكن أن يتم دون تقديم خدمات جليلة لموسكو في ملف التسوية السورية الذي يبدو أن الأردن قد بدأ بتقديمه فعلياً. هذا ما قد يفسر الطلب الصريح الذي قدمه عبد الله الثاني لفلاديمير بوتين بضرورة دراسة تفاصيل عملية السلام والتسوية النهائية في الشرق الأوسط. أما جواب القيصر الروسي، فلخص شكل المرحلة القادمة بالقول: «إن الملك عبد الله صديق مرحب به في أي وقت في روسيا».
الملك عبد الله في الدوحة
الصورة التي أعاد الأردن رسمها لموقعه الجيوسياسي تجعل من المنطقي ان تستمر الحركة المكوكية لملكه. زيارات خاصة وأخرى معلنة تحددها شكل الرسالة ووجهتها. محطتان (قطر و تركيا) قد يزورهما الملك عبد الله الثاني متسلحاً بالسيف الروسي والترس الأميركي (اطراف الحل في الأزمة السورية). ومن المتوقع أن تكون الدوحة هي أولى المحطات التي سيزورها الملك الأردني للحديث في خمس نقاط رئيسية:
1- ضرورة أن يعدل الأمير القطري عن فكرة زيارة رام الله وإنهاء مبادرة السلام العربية وعدم طرح ما يسمى مبادرة السلام القطرية، وذلك من أجل مصلحة الجميع في الإقليم، وخصوصاً الأردن والسعودية.
2- وضع القطريين بصورة التفاهمات والتطورات الأخيرة لشكل التسوية السياسية في سوريا وشكل الاتفاق الأميركي الروسي.
3- ضرورة ان تنتهج الدوحة سياسة أقل عداءً في المنطقة، سواء مع جيرانها الخليجيين أو سوريا، وبالتالي توقيف جميع انواع الدعم المادي والسياسي لأطراف وأحزاب تأجيج الأزمات.
4- إظهار القدرة الأردنية على أداء دور في اخراج قطر من مرحلة صراع كسر العظم مع سوريا، وتهيئة المناخ مستقبلاً لفتح باب المصالحات، على غرار ما حدث بين السعودية وسوريا بعد فشل خطة بندر واحد (2005-2007)
5- ضرورة قطع التواصل القطري مع بعض أفراد وتنظيمات في الداخل الأردني، وعدم محاولة تأجيج الصراع الداخلي في الأردن، او التفكير في خلق نقاط ساخنة على الساحة الأردنية، حيث إن كثيراً من التقارير الأمنية الأردنية تشير إلى ارتباط ضمني ومباشر بين الدوحة وأطراف فاعلين في المشهد الاجتماعي والسياسي
الأردني.