تونس | حسمت حركة النهضة التونسية، أمس، الجدل نهائياً حول شرط تحييد وزارات السيادة الذي كانت ترفض حتى مجرد مناقشته. وفي تصريح إلى إذاعة «كلمة»، قال زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، أمس، إن الحركة وافقت على تحييد وزارات السيادة، بما فيها وزارة الداخلية، فيما قال القيادي في الحركة عبد الحميد الجلاصي، في تصريح إلى إذاعة «شمس اف ام»، إن الوزارة ستبحث تحييد وزارة المال الى جانب وزارات السيادة الأربع: الداخلية والخارجية والعدل والدفاع، التي حافظت على استقلاليتها حتى في الحكومة السابقة. وأثار تصريح الغنوشي استياء حركة وفاء (شريكة النهضة الجديدة في الحكومة)، إذ احتجت على عدم إعلامها بقرار تحييد وزارات السيادة، بينما كانت الحركة المنشقة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية من أكثر المدافعين عن حكومة «ائتلاف سياسي» على قاعدة «أهداف الثورة» وأهمها «مكافحة الفساد ومنع رموز النظام السابق من العودة الى الحياة السياسية».
ويأتي تراجع النهضة عن شروطها القديمة، التي أُجهِضت بسببها مبادرة رئيس الحكومة المُستقيل حمادي الجبالي، بعدما رفضت أحزاب المعارضة الكبرى المشاركة في الحكومة الجديدة، ولا حتى مساندتها، إذ التقت كل الأحزاب تقريباً على المطلب نفسه، وهو تحييد وزارات السيادة، وخاصة مكونات جبهة «الاتحاد من أجل تونس». وهي الأحزاب الخمسة: الجمهوري ونداء تونس والمسار الديموقراطي والعمل الوطني الديموقراطي والاشتراكي، وكذلك الجبهة الشعبية بكل مكوناتها وحركة الشعب (ناصريون) والتحالف الديموقراطي، وأغلب الأحزاب الصغرى. إضافة الى المنظمات النقابية الثلاث: الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد عمال تونس والجامعة العامة للشغل. وكذلك منظمة الأعراف (رجال الأعمال). حتى الحلفاء التقليديون لحركة النهضة، مثل المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل من أجل العمل والحريات، اشترطوا تحييد وزارات السيادة.
وفي هذا السياق يمكن أن نفهم تصريح نائب رئيس الحركة، عبدالفتاح مورو، أمس، إلى إحدى الإذاعات، عندما رأى أن «النهضة أخطأت في تسلم الحكم لأنها لا تملك الكفاءات لتسيير الدولة»، وأنه كان عليها أن تنتظر بين خمس وعشر سنوات لتعدّ كفاءات لهم القدرة على تسيير الدولة. ودعا مورو الحركة الى إشراك حركة نداء تونس في الحكومة الجديدة، لأنها معطى أساسي في الحياة السياسية ولا يمكن تجاوزها أو أقصاؤها.
وفي سياق متصل، أظهرت نتائج آخر استطلاع رأي، استعملت فيه عينة من ١٣٤٧ تونسياً في كل جهات البلاد، أعمارهم أكثر من ١٨ سنة ومن كل الفئات الاجتماعية في الفترة بين ١٤ و٢٠ شباط الجاري، أن حركة «نداء تونس» حافظت على المرتبة الاولى في نوايا التصويت بـ٢٩،٨% تليها حركة النهضة بـ٢٩،٤% و١٢،٤% للجبهة الشعبية. كذلك حافظ زعيم حركة «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، على المرتبة الاولى في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية بـ٦،٨% يليه حمادي الجبالي بـ٦% وتراجع الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بـ٥%.
هذا الاستطلاع، رغم نسبيته، يمثّل احد المؤشرات التي يمكن استعمالها في قياس تراجع حركة النهضة بعد فشلها في إدارة شؤون الدولة، وخاصة ملفات التنمية والأمن والحفاظ على هوية البلاد من مخاطر الفكر الوهابي والسلفية المتشددة. وازداد تراجع شعبية النهضة بعد اغتيال شكري بلعيد. وقد اعتبرت قطاعات واسعة من الشعب التونسي أن «النهضة» مسؤولة عن مناخ الاحتقان الاجتماعي وتنامي العنف الذي تمثله خاصة رابطات حماية الثورة والمجموعات السلفية، يضاف الى ذلك الحديث المتواتر عن وجود جهاز أمن مواز وانتشار السلاح بشكل غير مسبوق.