رغم «خيبة أمل» ممثلي المعارضة السورية في احجام الغرب عن تقديم أسلحة «نوعية» لمقاتليهم، تتجه الأطراف المناوئة لدمشق إلى احداث تعديل في الوقائع الميدانية لأجل استثمار ذلك في المفاوضات الجارية. الغرب يريد حلاً للأزمة لكن على طريقته وبشروطه، لذا من المتوقع تصاعد في الوضع الميداني أملاً بانجاز ما يزيد من أوراقه على طاولة المفاوضات. وتأتي شحنات الأسلحة الجديدة والدعم «غير الفتاك» واعلان الاتحاد الأوروبي عن تعديله لقرار منع توريد السلاح إلى سوريا في هذا الإطار. في موازاة ذلك، لم تتوقف الاتصالات الأميركية ــ الروسية ــ الإيرانية ــ التركية للبحث حول صيغة حلّ للأزمة السورية. في وقت ترى دمشق أنّ الدفع الحالي نحو تطوير أداء المعارضة المسلحة يأتي ضمن سياق طلب قطري ــ تركي للغرب، لفرصة أخيرة بانتظار «المعركة الكبرى» التي من المنتظر أن تعيد ترجيح الكفة لمحورها. أما موسكو وطهران، المتابعان للأوضاع الميدانية عن كثب، فهما يواصلان دعم دمشق بكافة الأشكال المتاحة. وأعلن الاتحاد الأوروبي، أمس، تعديله لقرار منع توريد السلاح إلى سوريا، بحيث يسمح بتوريد عربات مدرعة ومعدات عسكرية غير فتاكة، وتقديم مساعدة فنية لمسلحي المعارضة السورية، على أن توجه لحماية المدنيين. وتبنّى هذا القرار، أمس، مجلس الاتحاد الأوروبي على مستوى السفراء، الذين قرروا، أيضاً، تمديد الحظر المفروض عموماً على توريد السلاح إلى سوريا حتى 1 حزيران المقبل.
في موازاة ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ مسؤولين في الإدارة الأميركية أكدوا أن واشنطن عزّزت بصورة كبيرة دعمها للمعارضة السورية، وذلك بالمساعدة على تدريب مقاتلين منها في «قاعدة بالمنطقة»، كما أنها عرضت للمرة الأولى تقديم مساعدة ومعدات «غير قاتلة». ونقلت الصحيفة عن المسؤولين القول إنّ مهمة التدريب الجارية حالياً، تمثّل أعمق تدخل أميركي في الصراع السوري، رغم أن حجم ونطاق المهمة لم يتضحا.
وفي روما، أمس، قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إنّ بلاده تعتزم تقديم مساعدات غير فتاكة للمعارضة المسلحة، تشمل إمدادات غذائية. ولفت إلى أنّ واشنطن ستقدّم للائتلاف المعارض أكثر من 60 مليون دولار إضافية لمساعدته على إقرار الأمن. وتابع: «لا يمكن للأسد أن يخرج من هذا الوضع بينما يواصل الحلّ العسكري. فخيارنا هو الحلّ السياسي الذي جسّده بيان جنيف، وقد أيّدته روسيا أيضاً، وهذا يجب أن يشمل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة». وأردف: «إن الولايات المتحدة وجميع الدول تعتقد أن الائتلاف السوري يمكنه أن يقود المرحلة الانتقالية، ولكن لا يمكن أن يفعل ذلك بمفرده، وإنما يحتاج لدعمنا».
وفي البيان الختامي لاجتماع «مجموعة أصدقاء سوريا»، تعهدت الدول المشاركة بتقديم المزيد من الدعم السياسي والمادي للائتلاف. كما دعا البيان إلى «وقف فوري لإمدادات الأسلحة التي لا تتوقف على دمشق من جانب دول ثالثة». وقال إنّه «يجب على سوريا أن توقف على الفور القصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان»، والتي وصفتها بأنها جرائم ضد الإنسانية.
في موازاة ذلك، دعا رئيس «الائتلاف»، أحمد معاذ الخطيب، المؤتمر إلى «الزام» النظام السوري بـ«ايجاد ممرات إغاثية آمنة تحت الفصل السابع»، لمساعدة الشعب السوري. وطالب، في مؤتمر صحافي مشترك مع الوزير جون كيري، «باعطاء الشعب السوري وثواره كامل الحق في الدفاع عن أنفسهم». وأضاف «هناك قرار دولي أو إشارات دولية بعدم تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية، إذا كنتم تريدون هذا، أوقفوا امداد النظام بأسلحة نوعية لا تزال تأتيه حتى اليوم تحت اسم صفقات قديمة».
وفي إشارة إلى الاسلاميين المسلحين، قال الخطيب «معظم اخوتنا الذين يقاتلون في الداخل مسالمون اضطروا إلى حمل السلاح. هناك البعض ممن يحملون أفكاراً خاصة غريبة عن مجتمعنا. نحن ننبذ هذه الأمور بكل صراحة ونحن ضد كل فكر تكفيري». وجدّد الخطيب التوجه إلى الرئيس بشار الأسد «من هذا المنبر وربما للمرة الأخيرة»، أؤكد أن الدعوة إلى التفاوض التي كان تقدم بها في نهاية كانون الثاني يجب أن تحصل من «ضمن المحددات التي وضعها الائتلاف في جلسته الأخيرة، والتي تتضمن صراحة رحيل النظام، وتفكيك الأجهزة القمعية التي تحكم البلد». كما اعتبر الخطيب وحدة سوريا «خطاً أحمر، ولن نرضى بتقسيم سوريا وسنقاتل من أجل هذا الأمر».
إلى ذلك، أرجأ «الائتلاف» مؤتمره الذي كان مقرراً اليوم في اسطنبول لاختيار «رئيس حكومة»، إلى موعد غير محدد، بحسب ما ذكر عضو «الائتلاف» سمير نشار. وأضاف «أعتقد أن أمراً ما حصل في روما. لا يمكنني أن أقول إن هذه معلومات لكن هذا تحليلي، وخصوصاً أن رئاسة الائتلاف اتخذت قرار الارجاء خلال وجودها في روما». ورجّح أن يكون هذا السبب «محاولة أميركية روسية لفتح حوار بين النظام والائتلاف، وهذا ستنتج منه حكومة انتقالية. الأمر الذي يتعارض مع فكرة تشكيل حكومة موقتة».
من ناحية أخرى، قال المبعوث الدولي والعربي، الأخضر الإبراهيمي، إنّ الدائرة المحيطة بالرئيس بشار الأسد توحي له بأن بلاده ضحية لمؤامرة كبيرة يقودها إرهابيون. وأضاف أنّ الأمل في حلّ الأزمة موجود لدى روسيا والولايات المتحدة. ورأى «إذا اتفقت روسيا والولايات المتحدة اتفاقاً حقيقياً (فسوف) يسهل الوصول إلى قرار دولي، لكن لقاءات سابقة بين وزيري خارجية الدولتين ومساعديهما كانت مخيبة للآمال».
من جهته، أكد رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، خلال لقائه الرئيس الهندي براناب موكرجي في نيودلهي، تطابق وجهات نظر البلدين باعتماد أسلوب الحوار لحلّ الأزمة السورية، وليس من خلال الحل العسكري واستخدام القوة. ورأى لاريجاني أنّ إيران تؤمن بتعزيز الديمقراطية في سوريا خلافاً لادعاء الغربيين بأنهم قلقون عليها في سوريا.
ميدانياً، لقيَ شخص مصرعه وأصيب العشرات في تفجير سيارة مفخخة في حمص. ونقلت وكالة «سانا» عن مصدر مسؤول قوله إن «التفجير الإرهابي وقع قرب مجمع صحارى في حيّ عكرمة السكني الذي يحتوي سوقاً شعبية، ما أسفر عن استشهاد مواطن وجرح 24 آخرين».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، سانا)