القاهرة | تسير الحكومة المصرية بروية نحو الاعتماد الجزئي على «الاقتصاد الإسلامي» تماشياً مع المشروع الاقتصادي لجماعة الاخوان المسلمين، وذلك في أعقاب موافقة مجلس الوزراء أول من أمس على الصيغة النهائية لمشروع الصكوك الاسلامية، تمهيداً لإحالته على مجلس الشورى. أما الاعتماد الكلي على «الاقتصاد الإسلامي»، فيبدو أقرب إلى المستحيل في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة تدفع الحكومة إلى الاستمرار في الاعتماد على اليات التمويل التقليدية واللجوء إلى قرض صندوق النقد الدولي. مشروع قانون الصكوك، الذي تسبب الخلاف حوله بين وزارة المالية وحزب الحرية والعدالة بإطاحة وزير المالية السابق ممتاز السعيد قبل نحو شهرين، يمثل في واقع الأمر الوجه المقابل للسندات المضمونة بأصول، التي يجري تداولها في أسواق المال منذ عقود. أي إن الصكوك الإسلامية تستخدم أداة دين برهن، لكن بشرط توافق النشاط الاقتصادي الممول مع تعاليم الإسلام، وأن يكون العائد الذي يحصل عليه الدائنون ناتجاً عن نشاط اقتصادي مشروع لا «فائدة» على الدين. بطبيعة الحال، اقرار المشروع من قبل مجلس الشورى، الذي أعد مشروعاً موازياً، من غير المتوقع أن يواجه أي عائق. أحمد النجار، مستشار وزير المالية وعضو اللجنة الاقتصادية في حزب الحرية والعدالة، الذي كان طرفاً أساسياً في صياغة القانون وحضر المناقشات في لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الشورى، تحدث عن «تقارب يقترب من التطابق بين مشروعي القانون (الحكومة ومجلس الشورى). أمر يبدو بديهياً بطبيعة الحال، إذ إن اللجنة يهيمن عليها بالكامل تقريباً الإسلاميون». وقبيل اقرار المشروع بصيغته الحالية، لجأت الحكومة إلى تلافي الانتقادات والاعتراضات التى واجهت مشروع قانون الصكوك بنسخته الأولى. وهي اعتراضات كانت تدور حول طبيعة الأصول العامة التي سيجري رهنها ضماناً للصكوك وهل تتضمن المرافق العامة ولمن يجري الرهن، هل لمصريين أم أجانب، وذلك بعدما برزت مخاوف من أن تكون قناة السويس مستهدفة بالرهن على وجه التحديد. وتعززت الشكوك حول اهداف هذا المشروع بسبب الغموض حول ما اذا كان سيجري استخدام حصيلة الصكوك في مشروعات انتاجية جديدة أم في سداد عجز الموازنة.
هذه المخاوف تطرق إليها المشروع من خلال النص على حظر استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة «ملكية عامة» أو منافعها في إصدار الصكوك. إلا أن هذا الحظر أُفرغ من مضمونه على الفور في المادة نفسها، بعدما أجازت اصدار صكوك مقابل حق الانتفاع بالأصول الثابتة المملوكة للدولة «ملكية خاصة»، تاركةً أمر تحديد تلك الأصول لمجلس الوزراء، حسبما أوضحت سلوى العنتري، الرئيسة السابقة لقطاع البحوث في البنك الأهلي المصري، وعضو الحزب الاشتراكي المصري، في دراسة اعدتها.
وبالرغم من اشارة العنتري إلى أنه لا خوف من انتقال تلك الأصول إلى الأجانب، فيما لو تعثرت الحكومة في السداد، فإن المشكلة تكمن في عدم وضع مشروع القانون حد أقصى لمدة الانتفاع. ووفقاً للقانون يتعين على المدين (الحكومة على سبيل المثال) سداد الدين واستعادة الأصل الضامن لدى استحقاق أجل الصكوك، لكن إذا لم تتمكن الحكومة من السداد، فإنه وفقاً للقانون يقوم الدائنون بإعادة الأصل الضامن إلى الحكومة، سواء على سبيل الهبة أو مقابل ثمن بسيط يتناسب مع قدرتها، على أن تعود الأخيرة وتستخدمه في اصدار صكوك جديدة تمنح لنفس الدائنين حق الانتفاع لمدة جديدة، مع ما يعنيه ذلك وفقاً للدراسة «من منح الدائنين حق الانتفاع بتلك الأصول إلى ما شاء الله».
واللافت أن الصكوك الاسلامية لن تكون آخر ما ستلجأ إلى حكومة الإخوان، على الأقل، كما لمّح عبد الله شحاتة، مستشار وزير المالية وعضو اللجنة الاقتصادية في حزب الحرية والعدالة، الذي أوضح لـ «الأخبار» أن «الاقتصاد الاسلامي لا يقتصر على الصكوك الاسلامية، بل هناك التأمين التكافلي الاسلامي مثلاً، وكذلك الصيرفة الاسلامية»، في اشارة واضحة إلى تنامي الميل نحو اعتماد مركبات الاقتصاد الإسلامي في الاقتصاد المصري. لكن يحدث كل ذلك، فيما يصر المسؤولون الحكوميون على أن «آليات التمويل الاسلامي لن تكون بديلاً لادوات التمويل التجارية بل مكملاً ومعاوناً لها». وهو توجه لا يبدو أن الحكومة تملك ترف تغييره نتيجة استمرار وزارة المالية في تمويل عجز الموازنة من خلال التمويل التقليدي، عبر اصدار اذون الخزانة والسندات الحكومية ذات الفائدة المرتفعة للغاية.
كذلك لم تجد الحكومة مفراً من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، الذي دعته أمس إلى استئناف المفاوضات حول قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار. وهو قرض تعول على التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية نيسان المقبل، فيما توقعت مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني تأخر الاتفاق إلى الربع الثالث من العام بسبب الجدول الزمني الطويل للانتخابات البرلمانية ومقاطعتها من قبل المعارضة.
وتسارع الحكومة لانهاء الاتفاق أملاً في أن يكون بداية للخروج من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، بالتزامن مع حرصها على توجيه خطاب إلى جمهورها الإسلامي تدحض فيه شبهة «الربا».
فرئيس الجمهورية، محمد مرسي، أكد قبل أيام ان القرض ليس «ربوياً» استناداً الى ضآلة نسبة الفائدة عليه. وهو ما يتناقض طبعاً مع قبول مرسي الطوعي نسب فائدة تتجاوز في بعض الاحيان 16 في المئة على سندات الحكومة المصرية.
على نفس المنوال، رأى الشيخ علي جمعة، المفتي السابق للديار المصرية، أن القرض لا يمثل ربا وأن الصكوك التي وافقت الحكومة على مشروع قانون بإصدارها قد تكون حلاً للأزمة الاقتصادية إذا ما نضجت تجربة إصدارها على عكس السلفيين. مواءمة تبدو المؤسستان الدينية والسياسية مجبرتين على التعامل معها في ظل استمرار التراجع الاقتصادي بفعل ارتفاع الدين المحلي الاجمالي والانخفاض في سعر الجنيه وتهاوي أسهم البورصة.