■ هل نجاحكم في الانتخابات هو جزء من صعود الإسلام السياسي في العالم العربي؟ــ الحركة الإسلامية في المغرب لها فكرها الخاص. ولا علاقة لها بجماعة الإخوان المسلمين. نرفض فكرة التدخل في حياة الناس، والشعوب تحتاج إلى الحصول على حقوقها. المغاربة يعرفون الإسلام منذ القدم ويتميزون بالحب الشديد لآل البيت، وتمكّنوا من بناء الدولة الحديثة، وحافظوا على الاستقرار وانخرطوا منذ البداية في منطق العصر، وحافظوا دائماً على خصوصيتهم الإسلامية، وهو توازن لا يمكن أحداً أن يدّعي أنه نجح فيه مئة في المئة.
الحركة الإسلامية في المغرب بدأت بالظهور بالشكل العصري منذ السبعينيات، وخاضت الحياة السياسية من خلال حزب الحركة «الشعبية الدستورية الديموقراطية»، الذي أصبح بعد ذلك حزب «العدالة والتنمية» في عام 1992. خاض الحزب أول انتخابات عام 1997 وفاز فيها 9 مقاعد، وحاز في الانتخابات التي تلتها (عام 2002)، بعد وفاة الملك الحسن الثاني 42 مقعداً. فيما فاز بانتخابات 2007، في عهد الملك محمد السادس، بـ 46 مقعداً. ولما جاءت رياح الربيع العربي عام ٢٠١١، حصل الحزب على 107 مقاعد، وشكّل الحكومة بتكليف من الملك. بعد الانتخابات توقف الحراك الحزبي وانخرطنا في الإصلاح ضمن حكومة ائتلافية تضم حزب «الاستقلال الثاني»، وحزب «الحركة الشعبية»، الذي كان توأم «العدالة والتنمية» وانشق عنه، إضافة إلى حزب «التقدم والاشتراكية»، الحزب «الشيوعي» سابقاً. الجوّ داخل الحكومة إيجابي جداً. «الاستقلال» بعد انتخاب أمينه العام الجديد أخذ موقعه الطبيعي داخل الغالبية، التي تشكّل الحكومة المنسجمة في إطار التوجّهات الكبرى للدولة التي لم تتبدّل.

■ ما هي العلاقة التي تربط «العدالة والتنمية» بحركة الإخوان المسلمين؟
ــ نحن لا ننتمي إلى الإخوان، ولا توجد لدينا أي علاقات تنظيمية معهم. لدينا تصوّرنا الخاص وفكرنا الخاص ومؤسستنا الخاصة، ولدينا قناعة جوهرية بأنّ الناس لم يصوتوا لنا لأننا إسلاميون، بل صوتوا لنا لأنهم تصوروا أننا حزب سياسي مرجعيته إسلامية.

■ ما هو تقويمك لعمل الحكومة بعد عام على تأليفها؟
ــ لا أستطيع أن أدّعي النجاح مئة في المئة، وإننا بعد مضي سنة في الحكومة، لا نزال في بداية الطريق ونعمل في إطار الدستور الجديد الذي يعطي المرتبة الأولى للمؤسسة الملكية كمؤسسة متخصصة في المجال الديني والعسكري والسيادة، فيما أصبح للحكومة صلاحيات تنفيذية. إن الذي يميز دولتنا في هذه المرحلة هو الخيار الذي اخترناه كأبناء للربيع العربي، حيث قررنا ألّا نخرج إلى الشارع على اعتبار أن الخروج لا يحقق الاستقرار، لكن في الوقت نفسه قررنا الاستمرار في الإصلاحات، وهو ما استجاب له الملك. ولم نكن وحدنا في هذا الأمر، بل كانت هناك أحزاب سياسية أخرى توافقنا الرأي وتحقق لنا ما نريد؛ فلم يرد الشعب الخروج بطريقة مكثفة كما حصل في تونس ومصر وليبيا وسوريا، فيما أخذت الإصلاحات مسارها. نحن اليوم في امتحان كدولة وحكومة وحزب، ورغم إشكاليات الفقر، فإن منطق الإصلاح يسير شيئاً فشيئاً. والأهم أن منطق الانتهازية والقرب من المسؤولين والرشوة لم يعد صالحاً كمعايير للتوظيف بعد اليوم في المغرب، حيث يجري تصحيح المفاهيم وسلك الطرق الطبيعية المبنية على الكفاءة والأحقية والنزاهة والشفافية.

■ يجمع أحزاب الموالاة ما يعرف بـ«ميثاق الغالبية»، لكن الصحف المغربية تتحدث عن خلافات داخل هذه الغالبية، ما صحة هذه الأخبار؟
ــ تحرص الحكومة على استمرار التحالف بين الأحزاب التي تتشكّل منها، وفق منهج يقوم على التوافق والبحث عن الحلول بمنطق الجدّية.

■ وماذا عن الخلافات مع حزب «الاستقلال»؟
ــ الأمين العام الجديد لحزب «الاستقلال» جاء بمنطق جديد. نحاول أن نلامس القضية برفق حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود. «الاستقلال» هو الحزب الذي لم تقع بيننا وبينه أي مشكلة على الإطلاق منذ علال الفاسي رحمه الله. وفي المراحل الصعبة، كانت كثير من الجهات تهاجم «العدالة والتنمية»، باستثناء «الاستقلال». وإننا في مرحلة جديدة، ولا يمكن أن ندخل في نزاع معه، وهو حليفنا الأساسي، ولا يمكن أن يكون بين الحلفاء خلاف كي لا يفقد المواطن صوابه. هذه الحكومة تريد القيام بإصلاحات وتجتهد وتحاول، وهو ما جعل منسوب شعبيتها اليوم جيداً جداً، ولم تنقص شعبيتها وفق آخر انتخابات
جزئية.

■ ما تأثير الأوضاع في تونس على بلدان المغرب العربي؟
ــ الظروف في المغرب مختلفة عمّا يجري في تونس. علاقة الأحزاب التي تتشكّل منها الحكومة المغربية تقوم على التوافق. الأمين العام السابق لحزب «الاستقلال»، قال إنّ وزراءه كانوا يشتكون في الحكومات السابقة، بينما هذه المرّة لا توجد أي شكوى. وعندما بلغنا أن بعض الأشخاص يحاولون فرض بعض الأمور بالقوة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنا صارمين وأعطينا توجيهات لوزيري العدل والداخلية، بألّا يتساهلا مع هذا الأمر؛ لأن الفتنة تقع عندما يتصرف كل واحد وفق قناعاته الشخصية ويفرضها على الآخرين، والدولة هي المسؤولة عن فرض النظام. لدينا ملاحظات عديدة على أداء الحكومات ذات المرجعية الإسلامية في العالم العربي، لكن المسؤولية تمنعني من تقديمها، وأفضل الحكمة القائلة «أهل مكة أدرى بشعابها». ليس من الإنصاف أن تهاجم حكومات لا تزال في السنة الأولى أو الثانية من الحكم بهذه الشراسة، ونطالبها بحل مشاكل تراكمت عبر أكثر من 60 سنة. اختيار الشعوب لهذا التيار لم يكن خطأً. وننصح بعدم إعطاء المبررات لتقع احتجاجات تعطي الفرصة للتشويش على منهاج الإصلاح. نحن نشدّد على أهمية الإصلاح التدريجي في دول العالم العربي، وبالشكل الذي يتوافق عليه الجميع، سواء الفئات الحاكمة أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجهات التي لها وزنها في المجتمع.

■ هل اجتماعكم مع وزير الخارجية الإيرانية سيشكل مدخلاً لإعادة العلاقات مع الجمهورية الاسلامية؟
ــ كنا في مؤتمر إسلامي، وطلب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن نلتقي، ونحن أخوة ومسلمون، وإيران دولة إسلامية كبيرة، ولنا معها علاقات تاريخية، وقطع المغرب علاقته معها بسبب ما وقع في البحرين، لكن في ما يخص العلاقات الخارجية وكل أمور السيادة هي من اختصاص جلالة الملك وفق الدستور.
■ ماذا عن اقتراح ضم المملكة المغربية إلى دول مجلس التعاون الخليجي؟
ــ علاقتنا مع دول الخليج تقوم على الأخوة وهي علاقات وطيدة، المغرب حريص على تنمية هذه العلاقات وفق مسار قديم لن يتوقف، وإن لن يفضي إلى الوحدة بالمعنى الذي يتصوره البعض. البحث عن الوحدة بمفهومها القديم هو بحث عن سراب ويمكن أن نتقارب بأشياء عملية، أوروبا ليست موحدة بالمعنى السطحي، وهي ليست دولة واحدة، وإن كانت قد فتحت الحدود وسمحت بتنقل البضائع والأشخاص، ويقربون التشريعات وفق خطوات عملية نحن بحاجة إليها.

■ النزاع حول الصحراء مفتوح منذ ما يزيد على ٣٥ عاماً، هل من أفق لحل هذه القضية العالقة من طريق التفاوض السياسي؟
ــ قضية الصحراء لا تزال من القضايا التي تنتظرنا، وهي قضية لا أساس لها من الصحة، وأبطالها كانوا مجموعة من الطلاب المغرر بهم وتأخرت عودتهم إلى وطنهم. كان لـ(الرئيس الليبي معمر) القذافي، كخصم عنيد للمغرب، دور في إذكاء الفتنة لدى الشباب الذين كانوا في البداية يطالبون بأفكار تحررية، وتلقفهم بدعم من الجزائر، التي لا تزال تتبناهم بطريقة تشوش كثيراً على الوطن. قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب قضية شعب، بخلاف الأخوة في الجزائر، الذين يعدّونها قضية دولة وقضية نظام. الأحداث التي تقع في المنطقة تدفع الجميع إلى إعادة النظر في الكثير من قضايا المنطقة. ليس هناك بين الشعبين المغربي والجزائري أي إشكال، وإذا فُتحت الحدود وتحلحلت القضية، فسيلاحظ الجميع أن كل هذا كان مفتعلاً وليس شيئاً حقيقياً، ونأمل ألا يكون اليوم الذي تحل فيه القضية بعيداً.

■ ما هي تداعيات الأحداث في مالي على المغرب؟
ــ لا بد أن يكون له تأثير على الوضع في الصحراء. لا يمكن أن نتخيل أن دولاً جديدة ستُخلق، وأن أشخاصاً يستولون على السلاح والمشتقات النفطية بكميات لا ندري مصدرها، ويتحكّمون في الناس بأفكار جهادية. هذا منطق ليس زمانه. وفي الوقت نفسه نستطيع أن نؤكّد أنه لا مكان لدول هشة قابلة للاختراق، وقد ذهب المغاربة إلى أقصى حدّ في قضية الصحراء، وطرحوا مبادرة الحكم الذاتي وفق إطار يرضى عنه الشعب المغربي. ونحن نتحدث بصراحة مع المبعوث الأممي كريستوف روس بخصوص الصحراء، ودعوته إلى أن يجتهد في الحل في إطار الحقائق التاريخية والسياسية.



يجمع المغاربة على فرادة شخصية رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران. لا يتوانى الرجل عن الانفعال بوجه معارضيه في جلسات المساءلة البرلمانية الشهرية. إنه النموذج الجديد لتعايش الملك المغربي محمد السادس مع رئيس حكومة بصلاحيات جنّبت المغرب انقلاباً كاملاً على طريقة ثورات «الربيع العربي».