الإسكندرية | مشهد انحصار التنافس في الانتخابات البرلمانية المقبلة بين الإسلاميين كان بمثابة المؤشر إلى تحوّل في المسار. فاختلاف شكل المنافسة، وخلوّ الساحة من المنافسين المتمايزين تماماً، وانخفاض سقف الاستقطاب، وتبنّي الأطراف الإسلامية مواقف متباينة سياسياً في القضايا الحرجة، وانفجار العلاقة بين حزب النور السلفي وجماعة الإخوان المسلمين، وإعلان حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح الرئاسي السابق السعي لتأسيس حزب جديد هو حزب الراية، هي بمثابة عوامل جديدة طرحت شكلاً جديداً في نسق ونمط التعامل الإسلامي _ الإسلامي في المنافسة الانتخابية.
ورفعت هذه المتغيرات من وتيرة الحالة الماراثونية التي تجري لوضع اللمسات الأخيرة في الشكل الخارجي للمنافسة، والمتمثل في طريقة التعاون ونمط التنسيق. وهو أمر كشفه حجم الجلسات التي جرت بين كل الأطراف، بمن فيهم الحلفاء لكل فريق، فضلاً عن حالة التكتم على المفاوضات حتى آخر لحظة. رغم ذلك، يبدو أن الجميع قد استقروا على وجهتي نظر رئيسيتين غير مكتوبتين؛ وهما حتمية التنسيق الفردي في العديد من الدوائر بين الإسلاميين ولو بالحد الأدنى لرموز كل منها، وأهمية التنوع في وجود قوائم مختلفة حتى يُضمن الصوت الانتخابي الإسلامي، وإن أخفت تلك التيارات وجود رغبة لديها في أن تكون صاحبة البصمة الأقوى في رسم ملامح الفترة المقبلة لمصر، بحكم أن البرلمان هو من سيصوغ هذه المرحلة.
وتظهر النظرة العامة لهذه الأحزاب أن الدفع بعنصر الشباب بقوة على قوائمها وإقامة تحالفات ضيقة في بعض الدوائر هما السلاح الأكثر فاعلية لدى كل منها، ولا سيما في الأحزاب التي تمثل التيار الوسطي، وترغب في تقديم فكر جديد، أو حتى لدى الإخوان والسلفيين الذين يرغبون في إبعاد شبح تهمة سيطرة العجائز والمشايخ على تنظيميهما.
من أجل فهم الحراك الذي يدور على أشده في الفترة الحالية داخل التيارات الإسلامية السياسية، لا بد من بيان خريطة الأوزان النسبية داخله وفقاً لمعيار القوة بشقيها المادي والمعنوي.
يقبع على رأس هذه التيارات من حيث القوة التنظيمية والمادية جماعة الإخوان المسلمين أولاً ومن ثم الدعوة السلفية في الإسكندرية وحزبهما الحرية والعدالة والنور. ويأتي خلفهما، عبر العمق التاريخي والقوة الشعبية، كل من الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية بنفوذها القوي في الصعيد وقدم وجودها منذ السبعينيات، وحزب الراية تحت التأسيس بزعامة حازم صلاح أبو إسماعيل الذي يعتمد على الأرضية الشعبية الكبيرة التي بناها. أما حزب الوسط فيحل بقوة ناعمة لكنها قد تكون مؤثرة بشدة من خلال طرحه لنفسه بوصفه المسار الوسطي المختلف فكرياً في طرحه عن مدرستي الإخوان والسلفية بتنويعاتهما المختلفة. ويستمد ثقته من حصوله على المركز الرابع في الانتخابات البرلمانية السابقة، فضلاً عن الأداء القوي لرموزه في الفترة الماضية.
ويأتي بعد ذلك كل من حزبي مصر القوية والإصلاح والنهضة، وهما محسوبان على التيار الوسطي، لاعتماد الأول على شعبية رئيسه عبد المنعم أبو الفتوح والتزامه باتخاذ مسار بعيد عن الاستقطاب. أما «الاصلاح والنهضة» فيعتمد على منهجه في التغيير عبر الحراك الاجتماعي وسعيه للتحالف مع تيارات الوسطية السياسية كغد الثورة الليبرالي ومصر القوية.
ويأتي في المستوى نفسه من الحزبين السابقين الأحزاب السلفية الصغيرة، كحزب الأصالة والفضيلة والعمل والشعب. والأخير هو الذراع السياسية للجبهة السلفية، فيما يحل بعدهما الحزب الإسلامي وهو حزب الجهاديين القدامى في مصر.
وتكشف المعلومات والتصريحات عن موقف رئيسي تتخذه الأحزاب الإسلامية من جماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية مدرسة الإسكندرية وأحزابهما، يتمثل في عدم التحالف المركزي معهما، ما يتفق معه ضمنياً الإخوان والسلفيون. فانخفاض شعبية كلا الطرفين والصراع الذي تفجر بينهما جعلا كلاً منهما (الإخوان والسلفيين) هدفاً للاجتناب، إما طمعاً في الاستحواذ على الأصوات الراغبة في التصويت لطرف إسلامي والتي انصرفت عنهما في الوقت نفسه، أو درءاً لشبهة الموافقة الضمنية على مواقفهما، سواء المواقف المقاربة للسلطة السياسية في حالة الإخوان أو التقارب مع جبهة الإنقاذ في حالة الدعوة السلفية.
ويكشف تصريح الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، حسين إبراهيم، لـ«الأخبار» أن «كافة الخيارات مفتوحة أمام الحزب في الجلوس مع أي طرف للتنسيق بعيداً عن التحالف المركزي»، عن استمرار الإخوان في انتهاج سياسة الاحتواء واستثمار رغبة كافة الأطراف في إيجاد حاضن كبير لها في بعض الدوائر، وإن انصرفت عن الإخوان في ما يتعلق بالتنسيق أو التحالف، ومن ثم استثمار أصوات المنافسين في بعض الدوائر لتذهب لهم بدلاً من النور.
وكشف مصدر مطّلع داخل الجماعة أن أعضاءها يرفضون خوض الانتخابات مع أي تحالفات. وهو ما دفع الجماعة إلى السعي إلى إجراء تحالف من نوع جديد، متمثل في تحالف اجتماعي في بعض المناطق القبائلية والعشائرية والعائلات الكبرى، ولا سيما في مناطق الصعيد وغرب الإسكندرية وسيناء، هذا فضلاً عن الدفع بشخصيات مستقلة على قوائمها شريطة أن تكون من التكنوقراط ولها أداء سياسي ومهني مقنع للجماهير، كالدكتور جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري وعضو الجمعية التأسيسية السابق، لأن أي تحالف آخر سيكون صعباً ولن تقبله القواعد بسهولة، ولا سيما مع شرط عدم تصدر أحد من خارج الإخوان رؤوس قوائمها، واتجاه الجماعة لانتهاج استراتيجية منح المرأة والشباب وبعض الفئات المهمشة أو الشخصيات البارزة في بعض الدوائر مساحة أكبر في قوائمها وبين مرشحيها، كبديل من فكرة التحالف مع الخصوم كميزة نسبية تظهر بها أمام الجماهير.
أما حزب النور السلفي، فجاءت تصريحات قياداته وقيادة الدعوة السلفية ومواقفها في الفترة الماضية لتؤكد حجم الشقاق مع الإخوان، وهو ما تجلى في انسحاب كبار مشايخ الدعوة من الجبهة الشرعية للحقوق والإصلاح.



الحفاظ على الحد الأدنى من التواصل

جاء انسحاب مشايخ الدعوة من الجبهة الشرعية للحقوق والإصلاح لاتهامهم نائب مرشد جماعة الإخوان، خيرت الشاطر، بالسيطرة عليها، فضلاً عن اتهام الإخوان «بأخونة» الدولة وأزمة مستشار الرئيس خالد علم الدين، ليعكس الخلافات بين السلفيين والإخوان.
هذه الملفات جعلت الدعوة، وفقاً لمصدر مطّلع داخلها، تميل إلى «ضرورة إظهار التمايز عن الإخوان في مسألة الشريعة، خاصة مع تقارب الإخوان مع الشيعة في الفترة الأخيرة»، هذا فضلاً عن التصدي لمسألة ما اعتبروه «توغل الإخوان في مفاصل الدولة». لكن رغم عِلم النور بأن الأصوات السلفية التي كان يحتضنها جميعها بتحالفه مع البناء والتنمية والأصالة باتت في مهب الريح، فإنه يتواصل مع الكثير من هذه الأحزاب، خاصة السلفية الفكر كالبناء والتنمية الذي طلب النور الجلوس معه أول أمس في محاولة منه لإقناعه بالتحالف معه كالعام الماضي، أو التنسيق معه عند الحد الأدنى حال لم يوافق، رغبة في احتواء النزيف السلفي للأصوات، مع السعي لإبعاد الكتلة الشعبية لأبو إسماعيل عن الإخوان.
وفي سياق التعامل بين الإخوان والنور، كشف مصدر إخواني مطّلع أن «ثمة مفاوضات قد تحدث مع النور عبر وسطاء في بعض المناطق التي تتميز بالقبائلية والعشائرية، لأن من الصعب أن يكون لطرف بمفرده الكلمة فيها».