لا شك أن الحرب الأخيرة التي شهدها ووقع ضحيتها مخيم نهر البارد، انعكست سلباً وبالأخص على سوق العمل، سواء لجهة التجار أو العمال. ومع أن التجار خسروا «الخامر والعويص»، كما يقال، إلا أن بعضهم استطاع بما يملك من خبرة وتاريخ من حسن المعاملة مع تجار الجملة في طرابلس وبيروت، إعادة فتح تجارته ولو بالشيء اليسير. لكن يبدو أن المصيبة الأكبر وقعت على رؤوس العمال في نهر البارد. فقد كان الجوار اللبناني للمخيم يعتمد الى حد كبير على اليد العاملة فيه، نظراً أولاً الى الصدق في المعاملة، وثانياً لتوفر «الصنايعية»، وثالثاً لأن هؤلاء الصنايعية، كانوا يصبرون على أهل القرى في أجرتهم ليتقاضوها بعد حين، أي «على الموسم» كما يقال، لكن بعد «حرب البارد» اختلف الأمر، وخاصة بعدما أصبح الجوار ينظر لفلسطينيي مخيم البارد نظرة «مختلفة»، ويحمّله المسؤولية عن اندلاع تلك الحرب التي... دمرت المخيم!
لكن العمال في مخيم البارد تنفسوا الصعداء بعد المباشره بإعمار المخيم. فقد رأوا فيه فرصة كبيرة للاسترزاق وهي فرصة قد تستوعب عدداً كبيراً من هؤلاء. لكن، سرعان ما تلاشى الأمل عند إعادة إعمار «أوّل بلوك» و«أوّل رزمة» من رزم البارد الثماني. فقد كان المتفق عليه حينها بين الأونروا والشركات العاملة، أن يكون نصيب اليد العاملة الفلسطينية من ورشة الإعمار في المخيم بحدود 90% والباقي من العمال اللبنانيين والسوريين، على أن تكون أجرة العامل ما بين 20 و30 دولاراً. أما «المعلم» فتفوق أجرته ذلك. المهم أن هذا الاتفاق ما لبث أن خرق عدة مرات من قبل هذه الشركات. لا بل إنها أصمّت آذانها عن مطالب العمال مرات عدة، على الرغم من الإضرابات والاحتجاجات المتكررة، والمراجعات والاجتماعات التي لا تحصى والتي حصلت بين اللجان الشعبية والأونروا والشركات المتعهدة. اليوم، وبعد مرور سنوات على إعاده الإعمار، لا يزال العامل الفلسطيني يعاني الأمرين من هذه السياسات التي تتبعها بعض هذه الشركات، والتي أضحت هماً يومياً يزاد الى هموم أبناء مخيم البارد الكثيرة. سياسة «تفنيش» عمال البارد لصالح اليد العاملة السورية واللبنانية وتخفيض الأجرة الى 25 ألف ليرة للعامل بدلاً من 25 دولاراً، وصرف العمال المصابين أثناء العمل بدون تعويض، والصرف الكيفي للعديد من العمال من دون سبب، والمحسوبيات والانتقائية، ودفع الأجور الذي يتأخر أحياناً لأكثر من شهر، وبطء عملية الإعمار، والتعامل غير الإنساني أحياناً مع العامل الفلسطيني وتهديده. كل هذه المشاكل دفعت بالكثير من أبناء وعمال البارد إلى البحث عن مصدر رزق آخر، وترك العمل في المخيم القديم للعمال السوريين النازحين وما تيسّر من عمال لبنانيين.
وعلى الرغم مما قامت وتقوم به اللجان الشعبية من متابعات يومية لهذه المشكلة، إلا أن معظم هذه الشركات لا يزال يمارس الأسلوب نفسه، مع التأكيد على غياب كامل لـ«الاتحاد العام لعمال فلسطين» عن متابعه قضايا العمال، فهذا الاتحاد يبدو أنه غير موجود إلا بالاسم، أو في مناسبات «التنسيب» وخلافه من «المناسبات السعيدة». هذا الاتحاد الغائب عن الوعي منذ زمن، تحاول اللجنة الشعبية اليوم إيجاد بديل له في مخيم البارد، وذلك بإنشاء مكتب عمالي في اللجنة الشعبية لمتابعة قضايا العمال. فهل يكون هذا هو الحل؟ لننتظر ونرَ.