تونس | لم تنته فصول قضية اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية التونسية، الشهيد شكري بلعيد (اغتيل في ٦ شباط 2013)، رغم إعلان إيقاف ثلاثة متّهمين من جملة خمسة وثبوت انتمائهم الى التيار السلفي المتشدد. فبعد اعترافات ثلاثة شبان قُبض عليهم بضلوعهم في الجريمة، بقي اثنان فارين، بينهما القاتل كمال القضقاضي، حسبما أفادت الأبحاث الجنائية لجهاز الأمن الذي استعان بأجهزة استخبارات أجنبية، منها التركية والإيطالية والفرنسية.
أما التفاصيل التي قدمها وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، علي العريض، فلم تقنع المعارضة ولا وسائل الإعلام؛ إذ اعتبرت هذه التفاصيل مسرحية، حسبما أكد عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين المستقيل زياد الهاني.
ووافقه القول الرئيس السابق لهيئة الدفاع عن شكري بلعيد، فوزي بن مراد، الذي أكد أن كل ما قدّمه العريض مجانب للحقيقة، مشيراً إلى أن وزير الداخلية كشف في وقت سابق أن القتلة جزائريون جندتهم جهات تونسية تابعة لحزب سياسي.
من جهته، أكد مدير قناة الحوار التونسي، القيادي في حزب نداء تونس، الطاهر بن حسين، أن كل ما كشفه العريض هو معطيات مُفَبركة هدفها التعتيم على الجهات الحقيقية التي خططت لجريمة الاغتيال ونفذتها.
وشددت كل من رئيسة جمعية القضاة التونسيين كلثوم كنو، ورئيسة نقابة القضاة التونسيين روضة العبيدي، على أن ما بادر به وزير الداخلية هو تدخل سافر في سرية التحقيقات القضائية لتحديد المسؤوليات الجنائية.
من جهتها، أحزاب المعارضة أعلنت أن ما أفاد به وزير الداخلية لا يجيب عن الأسئلة الحقيقية في اغتيال بلعيد، وأهمها الجهة التي خططت للجريمة.
وفي السياق، أكد محمد جمور، الأمين العام المساعد لحزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد الذي كان يتزعمه بلعيد، أن الحزب سيلتجئ إلى المحاكم الدولية بعدما فقد الثقة في القضاء التونسي، فيما تشدد دائماً أرملة بلعيد، المحامية الناشطة الحقوقية بسمة الخلفاوي، على ان الأهم هو الجهة السياسية التي تقف وراء القتلة.
في هذه الأثناء، أفادت مصادر أمنية بأن قوات خاصة من الجيش والحرس والشرطة تقوم منذ أيام بعملية تمشيط واسعة مدعومة بطائرات مروحية في محافظتي الكاف وجندوبة الجبلية المتاخمة للحدود التونسية الجزائرية بحثاً عن المشتبه فيه القضقاضي.
والمشتبه فيه شهير بـ«الزمقتال»، وهو من مواليد ١٩٧٠سافر الى الولايات المتحدة الأميركية في رحلة دراسية وتعرّف هناك إلى زوجته الأفغانية وقرر الاستقرار في الولايات المتحدة، إلا أنه رُحِّل بعد أحداث ١١ أيلول 2001 الى تونس.
وبعد عودته انتمى القضقاضي الى تيار ديني متشدد. أما شركاؤه في الجريمة فهم محمد أمين القاسمي، من مواليد ١٩٨٧ وياسر المولهي، من مواليد ١٩٧٩ ومحمد علي دمق، من مواليد ١٩٧٩ واحمد الرويسي، من مواليد ١٩٦٧.
وكانت عملية تشخيص الجريمة في غياب القاتل وأحد الشركاء، قد أثارت ردود فعل كبيرة في أوساط المحامين والقضاة والإعلاميين والأحزاب السياسية بسبب الخلل في التدابير الإجرائية التي عُمل بها في هذه القضية.
من جهة أخرى، نفى السلفيون مسؤوليتهم عن هذه الجريمة، واعتبروا ان وزير الداخلية يريد استعمالهم ككبش فداء، في الوقت الذي تصر فيه الحركة الديموقراطية على مواصلة حملتها وشعارها «من قتل شكري بلعيد»، بينما تهدد حركة النهضة الإسلامية الحاكمة بمقاضاة كل الصحافيين والإعلاميين الذين وجّهوا إليها اتهامات بضلوعها في اغتيال القيادي اليساري.
في كل الأحوال، لا تزال جريمة اغتيال بلعيد بحاجة الى كشف اسرار جديدة، الأكيد أنها ستكون المحور الأساسي للحياة السياسية في المرحلة المقبلة. فقد أكد المتحدث الرسمي باسم هيئة الدفاع عن جانب الشهيد بلعيد المحامي نزار السنوسي، أن هيئة الدفاع ليست لها ثقة في الرواية التي قدمها وزير الداخلية. وكانت بعض العواصم الاوروبية مثل باريس وجنيف قد شهدت تجمّعات لأنصار الجبهة الشعبية للتعريف بقضية الشهيد الذي سقط دفاعاً عن الحرية في بلد عُدّ مثالاً في بداية ثورته للتجربة الديموقراطية، فيما شهدت عدة مدن مبادرات لإطلاق اسم بلعيد على ساحات وشوارع فرنسية، ووعد رئيس بلدية باريس الاشتراكي دلنوي (وهو من مواليد مدينة بنزرت شمال تونس) منح اسم بلعيد لساحة من ساحات العاصمة الفرنسية.