الإسكندرية | بالرغم من أن حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، ومن بعده حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، يعدّان أبرز الأحزاب الإسلامية على الساحة المصرية اليوم، لن تغيب الأحزاب الإسلامية الأخرى عن الانتخابات المقبلة، بل يرجح البعض أن يكون لها تأثير حاسم. ويعتبر تحالف «الوطن الحر» الذي أعلن يوم تأسيس حزب الوطن على يد عماد الدين عبدالغفور الخارج من رحم حزب النور، الحاضن الأساسي للأصوات السلفية المتناثرة. التحالف حين أعلن صورياً كان يضم الوطن والأحزاب السلفية الصغيرة كالأصالة والفضيلة والعمل وتيار حازم صلاح أبو إسماعيل، وبشكل غير مباشر البناء والتنمية، إلا أن انعكاسات أحداث الشهر الماضي داخل البيت الإسلامي أعادت بلورة شكل هذا التحالف.
حزب «الوطن» استقر على رؤيته في ما يحتاج إليه من هذا التحالف، وهو الغطاء الشعبي وجذب الأصوات السلفية الشاردة ودخول تحالف «انتخابي فقط» وليس تحالفاً «سياسياً» مع تلك الأحزاب. في المقابل، فإن حزب البناء والتنمية لا يزال يتفاوض حول نسبته في المقاعد المتنافس عليها عبر التحالف، بينما يراجع أبو إسماعيل الصيغة التي سيدخل بها التحالف.
«البناء والتنمية» يريد استثمار قوته التصويتية في بعض محافظات الصعيد، كالمنيا وما حولها، للخروج بأكبر حصة من تحالفه، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى حاضن قوي وفاعل في محافظات الوجه البحري والدلتا. وهو ما يبحث عنه عند أبو إسماعيل والوطن وأخيراً النور، باعتبار أن الأحزاب الصغيرة كالأصالة والفضيلة ستذهب إلى أي من الكبار كالوطن وأبو إسماعيل، نظراً إلى الموقف المتوتر لمرجعياتها مع مشايخ الدعوة السلفية.
أحمد كمال، القيادي في حزب البناء والتنمية في الإسكندرية، قال لـ«الأخبار» إن اتجاه البناء والتنمية نحو تحالف مع الوطن والأصالة هو الأقرب، مبيناً أن مشكلة النسب في الترشيحات اقترب الطرفان من حسمها. وهو ما يؤكده حديث يسري حماد، نائب رئيس حزب الوطن، لـ«الأخبار»، بأن ثمة تقارباً شبه نهائي مع حزب البناء والتنمية وحزب الأصالة حول فكرة عدم تخصيص حصة محددة لكل طرف، بل يكون هناك لجنة محايدة من الأحزاب المتحالفة لاختيار المرشحين من كافة الأطراف، على أن يكون هناك برنامج يتم خوض الانتخابات على أساسه وتحسم الخلافات بالشورى.
ولفت أحمد كمال في حديثه إلى أن البناء والتنمية يركن إلى هذا التحالف نظراً إلى تأخر أبو إسماعيل في بلورة رؤيته النهائية مما يريده من هذا التحالف، وتباين بعضها مع رؤية الوطن والبناء والتنمية. وكشف أن ثمة جلسات تعقد بشكل دوري الأيام الماضية، متوقعاً أن تحسم جلسة اليوم هذه المسألة.
وأوضحت مصادر مقرّبة من أبو إسماعيل لـ«الأخبار» أن الأخير يهدف إلى إلزام الداخلين معه في تحالف بأجندة تشريعية من منطلق رؤيته التي صاغها في الفترة الماضية. وهو ما اعتبره البعض «فرض تحالف سياسي»، في حين يريدون هم «تحالفاً انتخابياً».
وكشفت مصادر عالية المستوى داخل الإخوان وأخرى مقربة من أبو إسماعيل أنه جلس الأربعاء الماضي مع أعضاء في مكتب الإرشاد في الإخوان في سياق مفاوضات اللحظات الأخيرة. ورجحت المصادر أن يكون جلوس أبو إسماعيل مع الإخوان من منطلق أمرين؛ الأول هو الاتفاق على نزع أي توتر قد يطرأ في المرحلة المقبلة باعتبار أبو إسماعيل صاحب التهديد الأكبر من حيث الشعبية للإخوان. والثاني محاولة بدء تنسيق في حال قرر أبو اسماعيل خوض الانتخابات منفرداً استناداً إلى دعم شباب الجبهة السلفية وبعض الحركات التابعة له، والتي لا ترغب في تحالفه مع أي من الكيانات الثلاثة الكبيرة تاريخياً كالإخوان وسلفية الإسكندرية والجماعة الإسلامية.
ويرى أحمد مولانا، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية، أن هناك العديد من الأمور تكفل لأبو إسماعيل خوض الانتخابات منفرداً من خلال حزبه الراية مع وجود تنسيق قوي مع الكيانات الأخرى، بينها دعم الجبهة السلفية، الخطاب الثوري الرافض للتبعية الخارجية، دعم بعض الأحزاب الجهادية له.
ويساند هذا الحديث دعم حزب العمل الذي يتزعمه القيادي التاريخي في الحركة الإسلامية، مجدي حسين، لأبو إسماعيل. لذا، فإن المشهد الأخير في هذا التحالف يتجه نحو تحالف بشكل تنسيقي أو نهائي بين البناء والتنمية والوطن والأصالة، على أن يكون هناك تنسيق خارجي مع أبو إسماعيل.

التيار الوسطي... انشطار إلى نصفين

بات من الواضح أن التحالف الذي يقوده (الوسط _ مصر القوية _ الإصلاح والنهضة) فضلاً عن ملحقاته الممثلة في التيار المصري، لن ينجح في بناء تيار ثالث من داخل الفكرة الإسلامية. الإنفاق المالي أو الحصص التنافسية أو اختيار الشخصيات فضلاً عن المواقف السياسية في المرحلة الأخيرة، جميعها أسباب أدت إلى انشطار التيار إلى قسمين. الأول يضم الوسط وبعض الرموز المستقلة، والثاني يضم مصر القوية والإصلاح والنهضة والتيار المصري. في المقابل، يخوض مستقلون غير تابعين إلى أحزاب من داخل هذا التيار المنافسة الانتخابية وتتوافق عليهم الغالبية كالشاعر عبد الرحمن يوسف ومصطفى النجار.
أحمد عبد الجواد، أمين التنظيم في حزب مصر القوية الذي يرأسه عبد المنعم أبو الفتوح، تحدث لـ«الأخبار» عن معيارين أساسيين لدى الحزب في الدخول إلى أي تحالف. أولهما ألا يكون تحالفاً مبنياً على استقطاب أي إسلاميين ضد غيرهم أو علمانيين ضد غيرهم، والثاني هو ألا يكون داخله أي من النظام السابق، ومن ثم فلا حديث عن التحالف مع الحرية والعدالة أو النور أو تحالف الوطن الحر. أما في ما يتعلق بالوسط «فتباين المواقف السياسية في الفترات الأخيرة يجعل هناك حالة من التباعد معه».
مصادر مطّلعة داخل الحزب، فضلت عدم ذكر اسمها، أكدت أنه في حال حدوث تحالف مع طرف آخر سيكون الأقرب له كل من الإصلاح والنهضة أو التيار المصري أو من هو قريب في توجهاتها، مرجّحةً أن يكون تحالفاً بنكهة التنسيق وخصوصاً أن الحزب لم يحسم النسبة التي سيخوض عليها. وتابعت المصادر أن الموقف النهائي للحزب الذي سيعلنه عبد المنعم أبو الفتوح اليوم في مؤتمر صحافي هو خوض الحزب للانتخابات وعدم المقاطعة.
أما حزب الوسط، فوفقاً لمصدر مطلع، فضّل عدم ذكر اسمه، فيَجنح لخوض الانتخابات منفرداً، على مستوى القوائم، «وهو الميل الأكبر لأعضاء الحزب لاستثمار رغبة الناس في رؤية وجوه جديدة غير التيارات اليمينية داخل الإسلاميين مع الاحتفاظ بمرجعية الحضارة الإسلامية، مع وجود قبول شعبي لقادة الحزب كعصام سلطان ومحمد محسوب وأبو العلا ماضي، ومع الاحتفاظ بمسافة متساوية مع التحالفات الكبيرة على مستوى المقاعد الفردية».
ويبدو أن فكرة التنسيق في الساعات الأخيرة قائمة بالفعل مع حزب كالبناء والتنمية، ولا سيما أن الوسط لديه شعبية قوية في المنيا، وهي معقل الجماعة الإسلامية، بحكم انتماء أبو العلا ماضي إلى المدينة، فضلاً عن الروابط التاريخية بينه وبين قيادتها بحكم نشأته فيها، واحتياج الجماعة الإسلامية إلى حاضنة لها في مواقع أخرى.
أما حزب الإصلاح والنهضة، فأكد أمينه المساعد عمرو نبيل، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «أقرب الأحزاب لنا مصر القوية والتيار المصري والحضارة وغد الثورة، وأخيراً الوسط، ومن ثم «سيكون هناك تعاون وتنسيق بيننا وبين الأحزاب والائتلافات والمؤسسات السالفة الذكر في الانتخابات، وسنقوم بدعم وتفريغ الدوائر للشخصيات الوطنية والرموز الوطنية المستقلة».

الحصان الأسود

الباحث في الحركات الإسلامية في مركز الدين والسياسة للدراسات، عمر غازي، أوضح لـ«الأخبار» أن ثمة أسباباً عديدة تدفع إلى التنبّؤ بإمكانية أن يكون أبو إسماعيل حصاناً أسود لمجلس النواب المقبل. واستدل على ذلك بامتلاك أبو إسماعيل قاعدة شعبية في طول البلاد وعرضها، إضافة إلى وجود تنظيمي يعتمد على حملته الانتخابية ورجالها في جميع المحافظات. ولفت إلى أن سر نجاح حزب النور في القرى والأرياف في الانتخابات الماضية لم يكن اعتماده على وجود هيكل تنظيمي للحزب أو الدعوة السلفية هناك أو حتى القدرة على التأثير الإعلامي بقدر ما كان اعتماداً على الدعاة السلفيين المحليين المستقلين الذين جذبهم الحزب بخطابه الرامي إلى تطبيق الشريعة وعدم وجود البدائل الأخرى. وهو الوضع الذي يبدو مختلفاً، وما سيستفيد منه حزب الراية كثيراً بتحول الكثير من هؤلاء إلى دعم أبو إسماعيل، ما سيؤثر على الشارع، فضلاً عن تراجع شعبية الإخوان وموجة الانشقاقات داخل النور في الفترة الأخيرة. يُضاف إلى ذلك، استهداف أبو إسماعيل لشرائح أخرى لا يجدون في غيره بديلاً وهم الجهاديون، إضافة إلى الكثير من المتدينين غير المنتمين إلى تيار والذين تلهبهم شعارات الشريعة، وآخرين يؤمنون بالمرجعية الإسلامية ولا يجتذبهم الإخوان والسلفيون بأحزابهم التقليدية.
لكن رغم الانقسام في التيار الوسطي، يرى كثير من المراقبين أن التيار الوسطي سيكون منافساً لأبو إسماعيل وتحالف الوطن الحر في الحصول على لقب الحصان الأسود للانتخابات اعتماداً على تقديم حزب الوسط نفسه كبديل وسطي قوي ومتماسك وصاحب أجندة متقاربة مع التيارات الكبرى، فضلاً عن نشاطه الكبير الظاهر في الفترة الأخيرة.



الفلول والعنف

بينما يجلس الإسلاميون على مائدة التباحث والمفاوضات تقبع في خلفية هذا المشهد نقطتان رئيسيتان ستحددان بشكل غير مباشر جزءاً مهماً من مسار التنافس؛ الأولى هي مدى اقتراب كل تيار وابتعاده عن فلول الحزب الوطني الراغبين في خوض الانتخابات بشكل متخفّ داخل أي من هذه التيارات، ولا سيما أن بعضهم يمتلك ظهيراً جيداً في العائلات الموجودة في عمق الريف والصعيد وبين العشائر، يجعل لديها ورقة تفاوض جيدة لمن يرغب في استثمارها. أما النقطة الثانية فتأتي في إطار قدرة تعامل كل تيار مع وتيرة العنف المتصاعد من وقت إلى آخر والمرشح لأن تمتد رقعته في الانتخابات على خلفية الاستقطاب الحاد الموجود في المجتمع، سواء الإيديولوجي أو السياسي.