القدس المحتلة | تريد اسرائيل، التي تدعي أنها الديموقراطية الوحيدة في هذا الشرق، أن تعود بالزمن الى الخمسينيات الأميركية، حين كان السود يركبون في حافلات مستقلة في الولايات المتحدة ويُفصلون عن البيض في المدارس والعمل والأحياء. تريد أن تعود الى عصر «الأبارتهايد» الذي مارستها حكومة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا لأكثر من نصف قرن. تريد أن تفصل سكان وأهل الأرض التي اغتصبتها قبل عقود لمجموعات يكون لكلّ منها قواعد وضوابط تمييزية. فهناك اليهود الذين نقلتهم من أفريقيا، واليهود الأوروبيون والروس والأميركيون، وطبعاً هناك أهل الأرض الأصليون، كما كانوا الهنود الحمر قبل إعدامهم في القارة الأميركية لمصلحة المستوطنين الجدد، حتى باتوا ذكرى بعيدة.ولأهل الأرض الأصليين المعاملة الأشدّ عنصرية، وآخرها تخصيص حافلات للعمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
ورغم أن سلطات الاحتلال تراجعت عن القرار عقب إحراق حافلتين في حادث غامض لم تعرف ملابساته بعد، فإن القرار لم يكن صادماً؛ فهذا الكيان اعتاد ابتكار أساليب للتنكيل بالفلسطينيين. تراجع الاحتلال عن قراره جاء على لسان المدير العام لوزارة المواصلات الإسرائيلية، عوزي يتسحاك، الذي أعلن أن المواصلات العامة مفتوحة للجميع.
ولم يتضح إن كان قرار يتسحاك على علاقة بحرق الحافلتين اللتين أقدم مجهولون على إحراقهما وهما مخصصتان لنقل العمال الفلسطينيين في قرية كفر قاسم الواقعة في منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة، وتعملان لشركة اسرائيلية. وقال موقع الاذاعة العبرية «ريشت بيت» إن الحريق جاء على خلفية فصل العمال الفلسطينيين عن المستوطنين، وتخصيص حافلات خاصة للعمال الفلسطينيين المتوجهين للعمل في اسرائيل.
لكن مصادر «الأخبار» أكدت أن شركة الحافلات مملوكة لفلسطيني من سكان فلسطين المحتلة عام 1948، لكنها إسرائيلية لأنها مسجلة داخل مناطق الـ48، وقد يكون سبب حرق الحافلات «جنائياً» أو حتى «انتقاماً» من قبل المستوطنين بحق الشركة الفلسطينية، وبالتالي فالأمر لا يزال قيد التحقيق.
وبحسب مصادر في شركة الحافلات، فإن العمال الفلسطينيون الذين يركبون في حافلات غير المخصصة لهم، «سيطلب منهم النزول، بحجة أن من يركب في الحافلات المخصصة للإسرائيليين لا يُفتَّش بدقة، وفي هذه الحالة قد يدخل العمال إلى الأراضي المحتلة دون الحصول على تصريح خاص بالدخول». هذا كان قبل إلغاء القرار.
من جهته، قال الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد إن قرار الوزارة بإعادة إتاحة المواصلات للعمال الفلسطينيين جاء نتيجة الضغط الإعلامي الذي مورس في الساعات الماضية. واتخذت وزارة المواصلات قرارها الأول بمنع الفلسطينيين من الحافلات العامة، بناءً على شكاوى مسبقة لمستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية يطالبون فيها بألا يستعمل العمال الفلسطينيون الحافلات التي يستقلونها. وما كان من دولة الاحتلال الا أن تلبي طلب مواطنيها المدللين.
وقد تعطل أعداد كبيرة من العمال الفلسطينيين عن أعمالهم بسبب عدم وجود أعداد كافية من الحافلات التي تقلهم إلى أماكن عملهم داخل المدن الإسرائيلية. وأدى ذلك إلى وقوع ازدحام مروري منعت على إثره الشرطة نقل العمال الفلسطينيين بمركبات خاصة عمومية غير التي خصصتها لهم، ومنعت العمال من السير على أقدامهم للوصول إلى أماكن عملهم وقامت بإعادتهم باتجاه معبر «ايال» قرب قلقيلية.
ووصف المحلل الفلسطيني برهوم جرايسي القرار الإسرائيلي بأنه يعبّر عن أن «المؤسسة الإسرائيلية برمتها خاضعة لإملاءات عصابات المستوطنين»، وخصوصاً أن هذا القرار جاء بطلب من المستوطنين، وليس كما تدعي سلطات الاحتلال أن السبب هو «الازدحام» في الحافلات الإسرائيلية، ولا بسبب الذرائع الأمنية وأن وجود الفلسطينيين بكثرة في الحافلات قد يشكل خطراً أمنياً. وأضاف جرايسي: «لو كان الأبارتهايد لا يزال قائماً، لتعلم الكثير من كتاب القوانين الإسرائيلية المليئة بالعنصرية»، مشيراً الى أنه القرار «يظهر الوجه القبيح» للاحتلال الإسرائيلي وعنصريته.
محمد داود من قلقيلية، هو أحد العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 48، والذي استخدم هذه الحافلات الخاصة. يقول إن أمر ركوب الحافلات التي خصصت للعمال الفلسطينيين كان إجبارياً في اليوم الأول، لكن أمس، كان اختيارياً وإن شهد مرابطة لدوريات الشرطة الإسرائيلية أمام معبر «إيال» حيث نقطة مغادرة العمال الفلسطينيين من قلقيلية والشمال الفلسطينية عامة إلى داخل الأراضي المحتلة لمراقبة العمال ومنعهم من الركوب في الحافلات الإسرائيلية.
وبحسب داوود، فإن معظم سائقي هذه الحافلات هم من الفلسطينيين، وإن تلك الحافلات تسير في خطين اثنين، أولهما إلى مدينة تل الربيع (تل أبيب)، والثاني إلى بيت حتكفا.