لم تنته أصداء زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمصر، على الرغم من مغادرته للبلاد الأحد الماضي. فالزيارة طرحت أسئلة عديدة عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي بالادارة الأميركية.
الدكتور فواز جرجس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن، يلخص التقارب في العلاقة في دراسة أعدها، مشيراً إلى أن التقارب بني على أساس مواقف براغماتية تبناها الإسلاميون الذين وصلوا للسلطة في العالم العربي كجماعة الإخوان في مصر، احترمت الثوابت السياسية لأميركا في المنطقة ولم تشمل تنازلات من أميركا لهم.
بعض من هذا يوضحه الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية محمود كمال لـ«الأخبار»، بالقول إن اتفاقية «الكويز» التي كانت حاضرة في مباحثات كيري يوجد اتجاه لتعديل شروطها، لكن ليس جوهرها المتمثل بإدخال مكونات إسرائيلية في المنسوجات المصرية، بما يسمح بفتح الأسواق الأميركية أمام هذه البضائع دون جمارك. ووفقاً لكمال، فإن الاتجاه في تعديل هذه الاتفاقية ينحو صوب تقليل المكون الإسرائيلي إلى جانب السعي للتوسع في المناطق الصناعية المنضمة للاتفاقية. وعزا كمال التعديل الأخير لرغبة السلطة الحالية في مزاحمة رجال أعمال النظام القديم في الاستفادة من هذه الاتفاقية ولضمان خروجها من سيطرتهم، بما يضمن لها تحكماً كبيراً في سوق المنسوجات وضم عمالة كبيرة إلى صفوفهم.
أما عمرو عبد العاطي، الخبير في الشؤون الأميركية، فيذهب في حديثه لـ«الأخبار» إلى أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تنطلق من التعامل مع الواقع الموجود وليس فرض الواقع، مبيناً أن جون كيري، كان من بين المؤيدين أثناء رئاسته للجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأميركي للاتجاه القائل بالتعامل مع الإخوان طالما وصلوا للسلطة عبر مسار ديموقراطي، مع التأكد من حفاظهم على الضمانات الرئيسية للولايات المتحدة. وهي عدم المساس بمصالحها في المنطقة والحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع الجانب الإسرائيلي. ولفت عبد العاطي إلى أن زيارة كيري هي زيارة استكشافية لتكوين رؤية عن إستراتيجية السياسة الخارجية لأميركا في السنوات الأربع المقبلة للرئيس أوباما، وخصوصاً أن واشنطن تسعى للاستفادة من وجود جماعة الإخوان على رأس السلطة للضغط على المنظمات الفلسطينية، ولا سيما «حماس» لانتمائها التاريخي لجماعة الإخوان، فضلاً عن «الاستفادة من وجود رئيس إسلامي سني بما يضمن عدم السماح للتيارات الشيعية المساندة للنفوذ الإيراني في المنطقة بالتمدد أو منحها أي غطاء شرعي عربي عبر مصر». وأوضح أن واشنطن تملك عدداً من أوراق الضغط الهامة على الإدارة المصرية، تتبلور في سيطرتها على المؤسسات المالية التي تحتاج مصر إلى مساندتها للخروج من أزمتها المالية. ولفت إلى أن كيري أكد للإدارة المصرية في زيارته الأخيرة على المضي قدماً في الوقوف بجانب مصر في مسألة قرض صندوق النقد الدولي. وأشار عبد العاطي إلى أن الـ 250 مليون دولار التي أعلن كيري أن أميركا ستمنحها لمصر، من بينها 190 مليون دولار مقررة من عهد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والجديد هو 60 مليون دولار مخصصة لدعم الديموقراطية والمبادرات الشبابية، لكن تم ربطها بالمساعي المصرية لإتمام قرض البنك الدولي.
أما ورقة الضغط الثانية فهي ورقة المعونة الأميركية وإسقاط الديون أو المساعدات المالية التي يمكن منحها لمصر من وقت لآخر. والثالثة هي المعونات العسكرية التي يخضع لها نظام التسليح في الجيش المصري، والرابعة هي ورقة حقوق الإنسان والحريات الدينية. ونبه عبد العاطي إلى أن هناك أوراق ضغط أميركية اضافية على جماعة الإخوان تتمثل في سحب الشرعية الدولية منها بعد أن شرعت واشنطن أبوابها لمسؤولي الإخوان. وعلى المستوى العسكري، لفت عبد العاطي إلى أن التنسيق الاستخباراتي هو أهم الأمور لأميركا. بدوره، أوضح المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون العربية، العزب الطيب، لـ«الأخبار» أن حصول مرسي على دعم أميركي للحصول على القرض جاء مقابل وعد باحترام السلطة الجديدة للتوجهات الليبرالية في إدارة الاقتصاد الوطني وعدم اللجوء إلى أي إجراءات يكون من شأنها تهديد مصالح الشركات والمصالح الغربية في مصر.
ورأى الطيب أن البراغماتية تتجسد في الحالة الأميركية بدعم استمرار الاخوان عبر مرسي في الحكم مقابل عدم تبني سياسات راديكالية تجاه إسرائيل، ولا سيما تجاه اتفاقية كامب ديفيد التي كانت الجماعة أكثر القوى السياسية المصرية رفضاً لها قبل وصولها إلى الحكم. وبناء على معطيات اللقاء الذي جرى بين مرسي وكيري، رصد الطيب تجديد مرسي التزامه الأهم والمتمثل في المحافظة على اتفاقية «كامب ديفيد». كما أكد مرسي لكيري أن النظام الجديد في مصر لن يكون ضمن دائرة الخصوم للولايات المتحدة أو المعادين لتوجهاتها.
وكشف الطيب لـ«الأخبار» أن الرئيس مرسي أبدى نوعاً من القلق من تصريحات الرئيس باراك أوباما قبل أشهر والتي أخرج فيها مصر من دائرة الحلفاء الاستراتيجيين لبلاده وإن لم يصنفها ضمن دائرة الأعداء. إلا أن كيري، وفقاً للطيب، قدم له تطمينات على أنه لن تكون ثمة تغييرات جوهرية في سياسة بلاده تجاه القاهرة. ورهن كيري ذلك باستمرار مصر «في اتجاهاتها المعتدلة والأهم أن تشكل «كابحاً» لحركة حماس في غزة وأن تفي بتعهداتها تجاه إسرائيل» باحترام اتفاقية كامب ديفيد وألا يكون الإخوان في خانة المهددين لأمن إسرائيل.
أما على صعيد السياسة الداخلية، فكشف الطيب أن كيري حرص على إبداء رؤية متوازنة تجاه الأحداث المصرية، دون أن يورط نفسه أو بلاده بالميل لهذا الفصيل السياسي أو ذاك. لكن أهم ما شدد عليه هو المحافظة على الاستقرار والمرونة تجاه مطالب المعارضة ولا سيما تشكيل حكومة جديدة. لكن مرسي حظي بدعم أميركي في ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية.
واختتم الطيب حديثه لـ«الأخبار» بالقول إنه بالرغم من نجاح زيارة كيري للقاهرة، لا يبدو أن الأمر سيصل إلى إعادة إنتاج ملامح العلاقات المصرية الأميركية على غرار عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وخصوصاً أنه يوجد توجه مصري «لفتح نوافذ في السياسة الخارجية مع أطراف إقليمية بعضها تتسم علاقاته بالتوتر مع أميركا مثل إيران، في حين ينشط البعض الآخر في دائرة المنافسة مع الولايات المتحدة مثل الصين، وربما الهند وباكستان اللتان سيزورهما الرئيس مرسي قريباً». من جهته، نبه الباحث السياسي في مركز الأهرام الإستراتيجي، يسري العزباوي، إلى نقطة هامة وهي تلويح مصر بالرغبة في الدخول على خط مفاوضات الملف النووي الإيراني ضمن مجموعة دول 5+1. كذلك لفت إلى أن الجانب المصري والأميركي «متفقان حتى الآن في الرؤية نحو التعامل مع الملف السوري في ضرورة التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، فضلاً عن تنفيذ مصر للعديد من المطالب الأميركية التي لم يقدم عليها النظام السابق مثل تدمير الأنفاق والنجاح في توسيع نطاق التهدئة بين حماس وإسرائيل». وهو ما يعني تقارب الرؤية الحالية بين السياسة الخارجية الأميركية ونظيرتها المصرية.