القاهرة | تحبس مصر أنفاسها، اليوم، بانتظار صدور القرار النهائي بحق المتهمين في مجزرة بورسعيد، لمعرفة ما ستؤول إليه أوضاع البلاد في ظل مخاوف من أن يكون تثبيت حكم الإعدام على المتهمين، مثلما يرجح البعض، مقدمة لموجة عنف جديدة تتزامن هذه المرة مع تصدع جهاز الشرطة بعد إضرابات ينفذها أفراده تُعَدّ الأولى من نوعها في تاريخ مصر. لكن المخاوف من موجة العنف أضيف إليها سبب آخر أمس بعد إعلان الجماعة الإسلامية في أسيوط توليها الكامل لمسؤولية الأمن في المحافظة، إثر قيام عناصر الشرطة في المحافظة بالإضراب عن العمل وغلق المراكز والأقسام بالجنازير والسلاسل.
وأكدت الجماعة، إحدى أبرز الجماعات في الثمانينيات التي خاضت معارك ضد الدولة، أنها ستلجأ إلى «تدريب المتطوعين على تدريبات أولوية، لإدارة شؤون الأمن وتسيير دوريات أمنية، إن ظل الأمن مختلاً في البلاد». اختلال أمني يتضح مع مرور الوقت أن ما حدث في بورسعيد طوال الأسابيع الماضية مهد له.
ففيما فجّر إصدار أحكام بالإعدام على 21 من المتهمين من اهالي بورسعيد، في كانون الثاني الماضي، احتجاجات واسعة النطاق أعقبها سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، وانتهت الى اعلان العصيان المدني في المدينة، بدا أن هذا العصيان كان اللبنة الأولى في عصيان جهاز الشرطة. والأخير يعاني من انهيار قدرته على الصمود في مواجهة احتجاجات المدنيين المنتشرة بين المحافظات. وهي عدوى فاقمت، بدورها، عدوى انضمام قطاعات جديدة من قوات الامن المركزي إلى الاضراب، وشملت أمس كبرى المحافظات (القاهرة، الاسكندرية، جنوب بورسعيد)، وأدت إلى إطاحة قائد هذه القوات اللواء ماجد نوح، بقرار من وزير الداخلية محمد ابراهيم. لكن اقالة نوح ليست المطلب الأهم للمحتجين الذين يصرون على رحيل إبراهيم وابعاد الامن المركزي عن الصراعات والخلافات السياسية.
هذا الارتباط بين محاكمة المتهمين في «مجزرة بورسعيد» وبوادر انهيار جهاز الشرطة، بلغ أشده أمس تحديداً في بورسعيد بعدما انسحبت الشرطة من حماية مديرية أمن بورسعيد ومبنى مقر المحافظة، وهو ما أدى إلى تقدم قوات الجيش وتسلمها مهمات حماية المنشأتين اللتين كانتا مسرحاً لمواجهات متواصلة بين الأمن والمتظاهرين.
وأوضح المتحدث العسكري باسم الجيش، أحمد علي، لـ«الأخبار»، أن «الشرطة انسحبت دون ابلاغ الجيش الذي تقدم بدوره لشغل الفراغ الذي تركته تلقائياً دون أوامر من رئيس الجمهورية». وأضاف: «نعتمد الآن على التعاون مع اللجان الشعبية التي شكلها الاهالي لحفظ الأمن في المدينة». وأضاف رداً على سؤال عن موقف بعض اللجان التي رفضت العمل مع الجيش: «إن ما يعنيه هو حفظ الأمن في كل الأحوال»، فيما قال أحمد نور، وهو قيادي في حركة الاشتراكيين الثوريين في بورسعيد إن هذا «التعاون» بين الجيش واللجان الشعبية غالباً ينحصر في تسليم المشتبه فيهم للجيش من قبل الأهالي الذين يعكفون على حماية الأمن في المدينة.
وفيما يتحسب المصريون لما قد تؤول اليه الأوضاع اليوم في حال عدم ارجاء المحكمة لقرارها، نبّه المتحدث العسكري باسم الجيش إلى أن الجيش لم يتخذ اجراءات استثنائية تحسباً لتفجر أي احداث مفاجئة بعد جلسة المحاكمة في القاهرة، بالرغم من أن العاصمة قد تشهد أحداث عنف إن لم يصدر الحكم القضاء بما يرضي رابطة مشجعي النادي الأهلي «ألتراس اهلاوي»، الذين فقدوا 73 من زملائهم العام الماضي في استاد بورسعيد ونفذوا طوال الأسبوع مسيرات تحذر من أي تهاون في القصاص للضحايا. ويتوقع كذلك أن تشتعل بورسعيد في حال تأكيد حكم الإعدام على أبنائها.
وأوضح علي أن «الجيش لا يمكنه التدخل لحفظ الأمن في القاهرة دون تعليمات من رئيس الجمهورية، وهي تعليمات لم تصدر بعد الى الآن».
حرص الجيش على عدم تحميله مسؤولية ما قد يجري غداً انسحب أيضاً على دار الإفتاء التي أحيلت عليها أوراق القضية لتبيان رأيها من حكم الاعدام الصادر بحق المتهمين. وأوضحت دار الافتاء أنها طلبت من المحكمة إما أن تتسلم أوراق القضية دون تقرير المفتي شوقي علام، أو أن تمهله بعض الوقت لإبداء الرأي الشرعي فيها.
الوليد إسماعيل، وهو صحافي متخصص في الشؤون الأمنية، توقع ألا يمثل المتهمون في القضية في قفص الاتهام نتيجة عجز الشرطة عن تأمين نقلهم الى ساحة المحاكمة في ضاحية القاهرة الجديدة. وهو نفس ما ذهب إليه محمد رشوان، المدعي بالحق المدني عن أهالي ضحايا مجزرة استاد بورسعيد بعد ترحيل المتهمين من سجن وادي النطرون (في الصحراء الغربية) الذي مكثوا فيه منذ فترة إلى سجن الاسماعيلية بدلاً من ترحيلهم الى القاهرة. وهي خطوة «أتت نتيجة اتساع رقعة الإضرابات في جهاز الشرطة من جهة وعجز الجهاز عن مواجهة تصاعد الأحداث المحتملة في القاهرة بعد الجلسة».
وتوقع رشوان أن يؤيد القاضي اليوم قرار الإعدام الذي أعلنه الجلسة الماضية، وأن يصدر أحكاماً مشددة بحق بقية المتهمين (52 متهماً منهم ست من قيادات جهاز الشرطة في بورسعديد وثلاثة من العاملين في الاستاد).
هذا الرأي يستند فيه رشوان إلى أن رأي مفتي الديار المصرية لا يمكن أن يوقف صدور الحكم؛ لأن قانون الإجراءات الجنائية يمنح المفتي عشرة أيام لبتّ رأيه في أحكام الإعدام، وإلا عُدّ موافقاً، وثانياً لأن صدور حكم بالاعدام على 21 متهماً يوحي أن عقيدة القاضي اتجهت للاحكام المغلظة بصورة عامة.
الا ان تأييد حكام الإعدام، رغم اعتراض المفتي، يعني من وجهة نظر الناشط في بورسعيد أحمد نور، انفجار الاوضاع في المدينة على نحو قد يستحيل احتواؤه. وسيعني أيضاً أن اقسام الشرطة التي تعدّ آخر معاقل وزارة الداخلية في المدينة ستصبح هدفاً للحرق والتدمير، وأن ضباطها سيطاردهم الاهالي، مرجحاً أن يلجأ القاضي الى ارجاء الحكم، وخصوصاً أن بورسعيد شهدت ارتفاعاً في وتيرة الاشتباكات في أعقاب تشييع اثنين من سكان المدينة توفيا متأثرين بإصاباتهما.
وقبل ساعات من صدور حكم المحكمة، اندلعت اشتباكات جديدة على أطراف ميدان التحرير في القاهرة وفي المحلة.