بعد توقّع الاستخبارات الإسرائيلية سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، خلال أسابيع معدودة، منذ حوالى سنة ونصف سنة، بدت الآن أكثر تواضعاً، وأقرّت بأنه لا امكانية للحسم أو التسوية بل التفكك الكامل للدولة السورية، وسيكون الأسد على رأس إحداها. ورأت تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنّ الدولة السورية الجديدة، ما بعد «الحرب الأهلية» لن تكون مستقرة، بل من المشكوك فيه أن يكون هناك دولة في الواقع، وربما ستكون مقسمة إلى دويلات عدة، من ضمنها سيطرة النظام في شمال الدولة، بالقرب من مدينة اللاذقية. ووفقاً للتقرير، الذي أورده معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف» عمير ربابورت، تنظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى التطورات التي تشهدها الساحة السورية على أنها «ساحة صدام بين معسكرين، تماماً، مثلما استُخدمت فيتنام كساحة صراع بين الاتحاد السوفياتي (السابق) والولايات المتحدة في سنوات الستين من القرن الماضي»
، وأنه «مثلما حدث في تلك الفترة، فإن جهات دولية عديدة ضالعة في الصراع السوري الداخلي، ويبدو أنّ الولايات المتحدة والغرب يؤيدون على نحو كبير قوات المتمردين، التي تشمل مزيجاً كبيراً يضمّ أكثر من 90 تنظيماً، وبينها تنظيمات كثيرة تتماهى مع أفكار الجهاد العالمي، بينما نظام الأسد يتلقى دعماً مكثفاً من روسيا وإيران وحزب الله، ودعماً سياسياً صينياً».
ولفتت هذه التقديرات إلى أنّ «الحرب الأهلية في سوريا تدلّ على انتهاء الهيمنة الأميركية العالمية المطلقة، التي استمرت أكثر من 20 عاماً»، في إشارة إلى مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها اضافت إنّ «المشكلة هي أن دعم الدول العظمى لطرفي الصراع يؤدي إلى تعادل في الحرب الأهلية، التي قد تستمر فترة أخرى».
وتؤكد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنّ «طرفي الصراع في سوريا يمسكان بعنقي بعضهما بعضاً، الأمر الذي يمنع حسم الحرب»، وأنّ قوات المعارضة السورية غير قادرة بما فيه الكفاية عسكرياً «كي تتمكن من هزم الرئيس (الأسد) والموالين له». كذلك تؤكد أن الرئيس السوري يسيطر عملياً على ربع مساحة الدولة فقط، التي تشمل معظم أنحاء العاصمة دمشق والسهل الساحلي في شمال غرب سوريا. وأضافت تقديرات الأجهزة الإسرائيلية إنّ المتمردين لا ينجحون في حشد قوة من أجل شنّ هجوم مركز يؤدي إلى السيطرة على دمشق.
وفي ما يتعلق بخطف جنود الأمم المتحدة ضمن قوات (أندوف) التي مهمتها مراقبة الحدود في هضبة الجولان، عبّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن تخوفها من أن يؤدي ذلك، حتى لو أُفرج عن الجنود المخطوفين، إلى تسريع سحب القوات الدولية من سوريا. وحذّرت هذه الأجهزة من أن تحقُّق هذا السيناريو سيؤدي إلى حشد الجيش الإسرائيلي قوات كبيرة نسبياً في هضبة الجولان، وخاصة عند الشريط الحدودي وسط تخوف من اقتراب مسلحين في سوريا. ونقلت «معاريف» عن مصدر عسكري إسرائيلي رفيع قوله إنّ هذه القوة تعود إلى زمن الدولة السورية التي لم تعد موجودة، وإن القوة «موجودة حالياً في مكانها، لكن كل شيء يمكن أن يحدث».
هذا ولم تستبعد «معاريف» صحة التقارير السورية التي تحدثت عن ضبط أجهزة تنصّت متطورة في منطقة اللاذقية لغرض التجسس، وأن إسرائيل هي التي زرعت هذه الأجهزة. ولفتت الصحيفة، أيضاً، إلى تقارير صحافية نُشرت خارج إسرائيل، وهو الأسلوب الذي تلجأ إليه وسائل الإعلام الإسرائيلية تجنباً لمنع الرقابة العسكرية، تؤكد على أنّ وحدة «سييرت متكال» (سرية هيئة الأركان العامة) نفذت عمليات في عمق الأراضي السورية لزرع أجهزة تجسس، وأنه قد يكون لإسرائيل والاستخبارات الأميركية، أيضاً، اهتمام بالغ بمراقبة ما يحدث في منطقة اللاذقية».