أحمد معاذ الخطيب في دائرة الضوء مجدّداًَ. الشيخ أصبح مزعجاً لحلفائه أكثر من الخصوم. تتنازع «الائتلاف» وجهات مختلفة منذ انتخاب الخطيب «توافقياً». الجسم المعارض الذي سحبته واشنطن نحوها من تحت عباءة أنقرة لتحاول فرض «صيغتها» عليه، يعاني تعارضاً في أسلوب العمل. عند تشكيل «الائتلاف» كان همّ واشنطن الرئيسي خلق أكبر جسم موحّد للمعارضة السورية، لتستطيع عبره إيصال رسائلها وتنفيذ أجندتها في ما يخصّ الأزمة السورية. «الائتلاف» بقيَ حاملاً بذور «أمراض» المجلس الوطني السوري، بما يعني ذلك من تيارات داخل المعارضة والسقوف المختلفة لتوقعات كل طرف.
أعضاء في «الائتلاف» لم «يهضموا» بعد أي تطوّر مركزي في الموقف الأميركي. الموقف المتقدم، برأيهم، هو ذاك الذي يشبه ما يحاك في أروقة أنقرة والدوحة. التأجيل المستمرّ لتشكيل حكومة موقتة هو انعكاس لاختلاف «أصدقاء» المعارضة السورية. الولايات المتحدة أساس حوارها مع موسكو هو مؤتمر جنيف، مع اختلاف الرأي حول بقاء الرئيس بشار الأسد من عدمه. هذا الاتفاق يشمل تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة والحكومة السورية الحالية، وتشكيل حكومة للائتلاف يعني ردم الفجوة التي فتحها الحوار الروسي _ الأميركي. واشنطن تعلّمت «درس العراق». يهمها تغيير شكل الهيكل الحاكم في سوريا اليوم. ليست على عجلة كما الدول الإقليمية التي وضعت حدودها وأمنها على المحكّ. دول تستقبل اللاجئين وتفتح حدودها لعبور المقاتلين ودول الخليج تموّل. الوقت لصالحنا تشير ساعة واشنطن. يهمّها إضعاف النظام إلى أقصى حدّ، وتحاول أن تعتمد أيضاً سياسة النفس الطويل المعتمدة من دمشق.
خطوط دائمة مفتوحة مع موسكو، ودعم مشروط و«هادف» للمعارضة المسلحة، واعتبار المتطرفين «خطاً أحمر».
لا نعلم بوضوح ماذا تريد الولايات المتحدة وما مدى علاقتها بموسكو، يقول قيادي سوري معارض لـ«الأخبار». لمعاذ الخطيب خصوصية في الائتلاف، إنه عاطفي لكونه شيخاً، لكنه في النهاية عضو في هذه المؤسسة، يضيف. الحكومة ستتشكّل في الاجتماع المقبل، وكلّ شيء مرهون بالتصويت، يردف مؤكداً.
تشكيل حكومة موقتة وضع على جدول أعمال «الائتلاف» مرات عديدة. لكن الحكومة بقيت على الورق. هناك «تضارب مشاريع» في المنطقة، يقول أحد أعضاء الائتلاف لـ«الأخبار». وعند السؤال عن الاختلاف العربي _ التركي مع الغرب وواشنطن، يؤكد أنّ هناك مشروعاً سعودياً _ قطرياً _ تركياً مع هوامش لكل دولة، وليس مشروعاً عربياً.
وبعد تسريب رسالة الخطيب، أول من أمس، عن رأيه في معارضة تشكيل حكومة في الوقت الراهن، أكد أعضاء في «الائتلاف»، في حديثهم مع «الأخبار»، أنّ موجة الانتقادات سوف تكبر ضد رئيس الائتلاف، «لكن في النهاية الأصوات الداعمة للخطيب قليلة ولا تغيّر موازين القوى».
ما طرحه أقرب إلى التوجّه الروسي _ الإيراني، يقول عضو الهيئة السياسية للائتلاف سمير نشار. الرضا غائب عن الشيخ في اللحظات الحاسمة. وهناك قوى داخل الائتلاف تفضّل التروّي قبل التسرع في تشكيل هذه الحكومة التي قد تكون منزوعة الصلاحيات إذا لم تحصل على تأييد المجتمع الدولي، بينما يرى نشار أنّ «تشكيل الحكومة أمر ضروري لإسقاط شرعية الأسد، وإيجاد البديل الموقت الذي سيدير المرحلة المقبلة قبل السقوط في فراغ سياسي وعسكري».
والمؤيدون لفكرة التشكيل يريدون وضع «المجتمع الدولي على المحك من خلال الالتزام بتنفيذ تعهداته»، هكذا يسرّ العديد منهم يومياًَ لوسائل الاعلام المختلفة. «تسريب» آخر ظهر أمس، يفضي إلى تلويح أحمد معاذ الخطيب بالاستقالة من منصبه. وفي رسالة إلى الأمين العام للائتلاف مصطفى صباغ، طالب الخطيب بـ«العمل لإعداد قيادة جديدة للائتلاف». الخطيب سيقترح «أمراً على الهيئة العامة لتدرسه خلال الفترة المقبلة، كي لا يظن بعض إخواننا الأحباب الذي يرسلون رسائلهم الهادرة في وجهي أنني من المتمسكين بأيّ شيء من المناصب».
كلام الخطيب هذا يضعه أحد أعضاء «الائتلاف» ضمن إطار التجاذب «العادي» ضمن المعارضة. «الأمور ستبقى كما هي، لكن بالطبع أمور كثيرة ستطرح في الاجتماع المقبل، وعلى رأسها تقويم أداء أعضاء الائتلاف»، يقول لـ«الأخبار».
جدول الأعمال المعدّ لاجتماع 18 و19 الجاري سيبقى لانتخاب رئيس للحكومة الموعودة، إضافة إلى «طرح الثقة برئاسة الائتلاف على التصويت حسب مقترح الخطيب»، حسب ما سرّب.
في موازاة حراك المعارضة السورية، استقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المعارض هيثم مناع، وأعلن قبيل اجتماعه به أنّ «الكثير من المموّلين الخارجيين للمعارضة يعرقلون بدء الحوار ووقف العنف». بدوره، رأى مناع أنّه «يجب على المعارضة السورية تشكيل قاعدة عامة للمحادثات القادمة مع السلطات السورية»، لافتاً بعد لقائه لافروف إلى أنّ «طريق الحل السلمي والسياسي للأزمة في سوريا يمر عبر موسكو». من ناحية أخرى، استمر التباين بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشأن إمكان تزويد المعارضين السوريين السلاح، الأمر «الذي يطرح أكثر فأكثر» وفق الوزير الفرنسي لوران فابيوس. وكرّر الوزراء، الذين اجتمعوا في بروكسل، أنّ الأولوية تبقى لإيجاد حلّ سياسي، وهو أمر «لا غنى عنه»، وفق الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي الذي شارك في الاجتماع.
ميدانياً، قتل ثلاثة مواطنين وجرح آخرون إثر سقوط قذائف هاون في حيّ الدوليعة في دمشق، حسب ما أفادت «سانا». كذلك سقطت قذائف عدة في ملعب «تشرين» لكرة القدم، خلال مباراة بين فريقي «أمية» و«بانياس»، ما أدى إلى سقوط 10 جرحى. وفي الرقّة، نفّذت القوات الحكومية غارات جوية على تجمعات المسلحين في عدد من أحياء المدينة، في وقت تتابعت فيه الاشتباكات في حيّي بابا عمرو والخالدية بحمص.
في سياق آخر، أفاد وزير الداخلية التركي، معمر جولر، أنّ «السلطات احتجزت خمسة سوريين وثلاثة أتراك للاشتباه في ضلوعهم بتفجير عند معبر حدودي بين تركيا وسوريا الشهر الماضي، وأن المشتبه فيهم تربطهم صلات بقوات الأمن السورية». إلى ذلك، تمكّنت الصحافية الأوكرانية انهار كوتشنيفا، التي اختطفت في تشرين الأول الماضي، من الهرب من خاطفيها، وهي موجودة في مكان آمن في دمشق، حسبما أعلن ديميترو استافوروف، أحد أفراد أسرتها.