دمشق | أثار بيان دار الإفتاء السورية الكثير من اللبس لدى السوريين؛ إذ إن البيان وما يحمله في طياته من إعلان جهاد ضد مسلحي المعارضة، بحسب ما خلص إليه معظم المواطنين، لاقى شدّاً وجذباً في أوساط المؤيدين قبل المعارضين. تساؤلات عديدة طرحها الناس عشية صدور بيان عن دار الإفتاء السورية باعتبار الالتحاق بالجيش في البلاد «فريضة وواجباً شرعياً للدفاع عن سوريا الموحّدة وشعبها»؛ إذ بدا البيان استمراراً لسلسلة الفتاوى والفتاوى المضادة التي بدأت مع أوائل التظاهرات في سوريا. ما بين فتاوى رجال الدين السعوديين ورئيس هيئة علماء المسلمين يوسف القرضاوي بفرض الجهاد ضد «كتائب الأسد» من جهة، وبين خطباء دار الإفتاء السورية، وعلى رأسها المفتي محمد بدر الدين حسون والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذين دعوا إلى وجوب الحفاظ على السلم الأهلي، ووحدة السوريين في وجه الهجمة القائمة على البلاد. فتاوى رجال الدين المسلمين بشقهم المناوئ للنظام السوري توجهت إلى المسلمين في العالم أجمع وفي سوريا خصوصاً، ولطالما حملت دلالات طائفية عملت على تكفير النظام والتعبئة الدينية ضده، فيما حرص رجال الدين الموالون للنظام على توجيه فتاوى وخطب إلى المواطنين عموماً والمسلمين خصوصاً، تحمل شعارات عن وحدة الصف والحفاظ على الدولة بمؤسساتها وممتلكاتها مع الدعوة إلى الوحدة بين الشعب والسلطة والجيش.
بيان الإفتاء الأخير، لم يأتِ بجديد على موقف المفتي باستثناء الدعوة الواضحة إلى التعبئة ضمن صفوف الجيش السوري، بما يشبه إعلان النفير العام، ما جعل كثيرين يتساءلون عن وضع الجيش السوري ومدى حراجته ليحتاج إلى دار الإفتاء من أجل حثّ الناس على الالتحاق خدمةً للعلَم، مستفسرين عن سبب الوصول إلى منح الجيش السوري غطاءً دينياً بعد سنتين من الصراع الدائر في سوريا. واعترض البعض على بيان دار الإفتاء باعتباره يهمّش تضحيات شهداء سوريا، ويضع ما قاموا به من خلال إعلان جهادي، في حين أنهم لم ينتظر يوماً فتاوى للقيام بواجبهم.
سوريون آخرون رأوا في البيان موازنة في المواقف بين النظام والمعارضة المسلحة، التي أعلن مشايخها الجهاد منذ قرابة السنتين، مستنكرين مثل هذه الفتاوى التي لا تعني سوى تسطيح عقل المواطن وحشر رجال الدين في حياته وتدخلهم في الانتماء الوطني.
متابعون رأوا أنّ الشعب السوري أثبت بُعده عن العلمانية على مرّ أشهر من الحرب الداخلية التي جعلت كثيرين ينكفئون باتجاه طوائفهم وأديانهم، فهم لا يستنكرون بيان المفتي الذي يحاكي فهم الشعب ومستوى تفكيره دينياً. وبين الجهاد والجهاد المضادّ، يرى إسماعيل، الطالب الجامعي، أن من سينبري للقتال بناءً على فتوى للجهاد، هو يقاتل الآن مع «جبهة النصرة» والجيش الحر، وبالتالي من لم يتأثر بفتاوى ذلك الطرف فلن يتأثر بالفتوى الجهادية المتأخرة اليوم. يتجاهل الشاب خطب الشيخ البوطي الأسبوعية، التي يحضرها ويتمثّل بها عدد كبير من المؤمنين المسلمين والذين يقفون في صف النظام من منطلق ديني في مواجهة الحرب القائمة على البلاد، والتي تتبناها دول «معادية للإسلام» بعرفهم الخاص.
وهنالك من قرأ في الفتوى إيذاناً بتصعيد قادم يشابه حالة النفير العام وإعلان التعبئة، ما يفضي إلى أيام صعبة على البلاد، لعلها توحي بمعركة كبرى قادمة قد تكون شرارتها على حدود الجولان المحتل، وفق مخاوف البعض بعدما تعرضت قوات الأمم المتحدة في المنطقة العازلة من اختطاف لمراقبيها منذ أيام، عندما احتجز 30 عنصراً من لواء «شهداء اليرموك» التابع للجيش الحر 20 عنصراً من أفراد العاملين في قرية الجملة القريبة من هضبة الجولان، مشترطين على لسان الناطق الرسمي باسم قيادة اللواء انسحاب الجيش السوري من القرية مقابل إطلاق سراح المراقبين، ولا سيّما في ظل تعزيز إسرائيل قوات جيشها على طول المنطقة الحدودية بالتوازي مع تضاؤل عدد قوات الأمم المتحدة على الشريط الحدودي في الجولان.
وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد، في حديث لـ«الأخبار»، لم يستبعد هذا السيناريو الصادر عن بعض المتخوفين من إعلان النفير العام ودلالاته التي قد تكون الإعداد لمعركة كبرى مع إسرائيل، معلقاً على الأمر قائلاً: «كل الاحتمالات قائمة في ظل المؤامرة الدولية على سوريا». وأوضح أنّ بيان دار الإفتاء الأخير صدر فيما البلاد تتعرض لحملة شعواء منذ مدة، مجيباً عن سؤال عن هوية من صدرت فتوى الجهاد ضدهم، باستغرابه مثل هذه التساؤلات في ظل دخول مسلحين وأسلحة من خارج البلاد، وهو أمر معلوم من قبل الجميع. وأضاف قائلاً: «الموضوع ليس داخلياً، بل غزو خارجي تتعرض له البلاد يحتاج إلى هذه الفتوى».
ووفي ردّ على سؤال عن حاجة المؤسسة العسكرية لدعم المؤسسة الدينية اليوم، أكد السيد حاجة البلاد إلى كل جهد من قبل المواطنين كلّ وفق طاقته للمساعدة من أجل الدفاع عنها في وجه الهجمة القائمة عليها وتخريب منشآتها وممتلكاتها، إلا أنه طمأن الناس قائلاً: «البلد محميّ بإذن الله وسط استنفار كل الجهود للدفاع عن الوطن».
ورأى الوزير أن بيان دار الإفتاء يصدر حينما يحتاج الوضع إلى إصدار بيان، ولا اختلاف بين بيان الأمس وتصريحاته شخصياً وبين خطب الدكتور رمضان البوطي الأسبوعية، كذلك فإنها لا تختلف عن خطابات ومقابلات المفتي نفسه التي تخرج بذات الإطار دائماً، متابعاً القول: «سوريا اليوم تتعرض للغزو من قبل دول خارجية، وهذا لا يحتاج إلى إثبات؛ إذ إنه معلن. فكيف للسوريين أن يقفوا مكتوفي الأيدي فيما بلادهم تتعرض لأعتى غزو دولي؟».
ورغم كل الأجواء المشحونة على الأراضي السورية كما سائر المنطقة العربية، لا يبدو أن حرب الفتاوى ستنتهي وسط توقعات بصدور فتاوى مضادة كما جرت العادة. ويبقى الترقب هو السمة الأبرز لحياة السوريين الذين ينتظرون أي بوادر حل سريعة تنقذ ما بقي من البلاد.