أثار ما نشرته مجلة «الأهرام العربي» المصرية عن اتهام 3 من قادة الجناح العسكري لحماس بقتل الجنود المصريين في رفح آب الماضي، صخباً في الشارع المصري، إلا أنه لم يجد صدى كبيراً لدى المؤسسات الحاكمة في السلطة المصرية، سواء مؤسسة الرئاسة أو مؤسسة القوات المسلحة، وخصوصاً بعد رفض الجيش المصري، وهو صاحب القضية، تبني رواية المجلة. فالجيش لم يُبدِ تحمّسه لهذه الرواية، على الرغم من ذكر «الأهرام العربي» أن روايتها منسوبة إلى مصادر في الاستخبارات العامة المصرية.
مصادر قريبة الصلة في مؤسسة الرئاسة المصرية، أكدت لـ«الأخبار» أن الرئاسة لم تقرر أن تخرج بأي موقف رسمي، إلا أنها تتواصل مع الجهات السيادية للوقوف على حقيقة ما نشر من عدمه. أما «حماس»، فقامت بمحاولة احتواء سريع لأي تدهور للعلاقات من مصر، بدأتها بزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إلى مرشد الإخوان في مصر محمد بديع، أول من أمس، أكد فيها «احترام حركة حماس والفلسطينيين لأمن مصر ومصالحها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية من أي زاوية من الزوايا»، وفق بيان الجماعة.
وفيما ترددت أنباء عن سعي «حماس» إلى مقابلة قادة الجيش المصري، كان القيادي «الحمساوي»، موسى أبو مرزوق، الموجود في القاهرة، يؤكد لـ«الأخبار» أن «حماس» تواصلت مع الاستخبارات العامة المصرية لمعرفة ما إذا كانت بالفعل قد اتهمتها بقتل الجنود، وجاء الجواب «أنه كلام لا أساس له من الصحة وأنها أقاويل مختلقة».

حماس والأمن المصري

يبقى أن هذه الاتهامات أعادت النقاش في مسألة قديمة – جديدة، هي فرضية تهديد «حماس» للأمن القومي المصري والعربي. هذه القضية، التي أطلت برأسها عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة في منتصف عام 2007 وتجددت الآن، سبق أن ناقشها الباحث الراحل حسام تمام، مشيراً إلى أنها تنبع من «التقاء سوء الفهم لطبيعة الحركة وسوء النية تجاهها». ويرى تمام أن لـ«حماس» خصوصية داخل الحركة الإسلامية، فبين التنظيمات القطرية لحركة الإخوان المسلمين يُظهر التتبع التاريخي للعلاقة بين «حماس» والجماعة الأم استقلاليتها في اتخاذ القرارات الخاصة بها، ولا سيما بعد تأسيس الجناح العسكري لها (كتائب الشهيد عز الدين القسام) لمقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين؛ إذ من المعروف أن الجماعة الأم ملتزمة بصفة عامة العمل السلمي. كذلك يرى تمام أن «علاقة حماس بالجماعة لم تتجاوز الدعم المادي والمعنوي، الذي هو أمر بديهي بالنسبة إليها، كجماعة تعدّ قضية فلسطين والقدس مركزية بالنسبة إليها».
ويشير الباحث إلى أن جميع خطوات «حماس» تبين مدى إدراكها لأهمية أن يستقل النضال الفلسطيني عن مشروعات المقاومة الإسلامية الأخرى، دالّاً على ذلك بسعي «حماس» لفتح علاقات مع دول كثيرة، كروسيا، لكسر الحصار المفروض من قبل إسرائيل والعزلة المفروضة من الولايات المتحدة الأميركية، رغم معارضة المقاومة الإسلامية في واشنطن آنذاك.
أما الخصوصية الأخرى فهي تتعلق بطبيعة الحركة، مقارنة بالحركات الإسلامية الأخرى في العالم. فحماس ليست أممية، بل نشأت وتطورت كحركة تحرر وطني داخل أرض فلسطين التاريخية، وعدوها هو المحتل الصهيوني، وميزت أيضاً بين بعض يهود العالم والصهاينة، كذلك فإنها لم تفتح أي جبهات للصراع خارجياً، ولا تورطت في قضايا قتل واختطاف وأسر خارج حدود فلسطين، حتى مع الولايات المتحدة نفسها.
كذلك لم تورط نفسها في الصراعات العربية ــ العربية وحتى اقترابها من المحور السوري الإيراني كان ناتجاً من انسداد وتعنت المحور المصري ــ الأردني بما يعني أنه انجذاب لاضطرار وليس انجذاباً بمحض الاختيار. ويختتم الباحث الراحل حديثه عن هذه الفكرة بالدعوة إلى استيعاب حماس في منظومة الأمن القومي المصري والعربي، بوصفها حركة تحرر وطني تمثل رقماً له وزنه على الأرض ينبغي أن يكون التعاطي معه عبر البوابات السياسية لا الأمنية، فهي قيمة مضافة وليست تهديداً، بحسب وصف الباحث.
من جهته، يرى الباحث المتخصص في شؤون «حماس» والحركة الوطنية الفلسطينية في جامعة برلين الحرة، عماد الصوص، أنه بعد وصول مرسي إلى رأس السلطة حدث تقارب بين حماس ومصر عبرت عن قلقها منه الصحافة الإسرائيلية، وذلك لتحول القيود التي فرضها نظام حسني مبارك إلى فرص سياسية، ومن ثم فالتحرك الدبلوماسي والسياسي يحقق أهداف حماس، وهي لا تحتاج إلى عمل عسكري يزيد من القيود على الحركة الفلسطيني.
وأشار إلى أن وضع القيود زاد على غزة بعد عملية رفح، مشدداً على أنها لم يكن لها علاقة بعملية غلق الأنفاق التي لم تكن موجودة وقتها، ومن ثم فهذه الجريمة أكثر المتضررين منها حماس.
وتطرق الصوص إلى علاقة الإخوان بحماس قائلاً: «لولا الإخوان في مصر لوقعت حماس خلال عام من حصار مبارك»، ومن ثم لا مصلحة لإحراج «حماس» لمصر، فكلا الطرفين يريد إنجاح تجربة كل منهما». ونبّه إلى أن ذلك لا يعني أن فكرة تورط أي عنصر فلسطيني غير واردة، «فالناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني، كان مسانداً لحماس وقتل في غزة منذ عامين إبان زيارة قافلة شريان الحياة ولم يجرِ التعرف إلى مرتكبي الجريمة، رغم أنها واقعة في نطاق سلطة حماس».
ضمن هذا السياق، فسّر الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، صفوت الزيات، موقف الجيش والجهات السيادية الرافض لتبني رواية «الأهرام العربي» المنشورة، بأنه ينبع من حقيقة أن ليس لدى الجهات السيادية ما يرجّح هذه الشائعات. ورأى أن ما نشر هو «تصفية حسابات في الداخل المصري على حساب أمنه القومي»، مستبعداً أن يكون ما قيل عن تحركات أوروبية لرفع اسم «حماس» من قوائم الإرهاب الأوروبية والأميركية له علاقة بالرواية التي وصفها بالمختلقة. ورجح أن تكون عملية رفح قد جرت بواسطة جماعات جهادية بهدف اختراق الجانب المصري لاختراق الجانب الإسرائيلي، منبهاً إلى أن الجانب الإسرائيلي والأميركي بما يملكان من أجهزة استخبارية لو كانا يملكان معلومات تفيد بتورط «حماس» لما أخّراها دقيقة، مبيناً أن مثل هذه القضايا تأخذ أحياناً شهوراً وسنوات للكشف عنها.

الشارع المصري وصورة «حماس»

رغم النفي المستمر على مستوى الجهات السيادية لتورط «حماس»، إلا أن المدقق في المشهد وفي الشارع المصري يلحظ أن ثمة تغيراً طرأ على الصورة الذهنية عن «حماس» لدى رجل الشارع المصري. الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، فسر لـ«الأخبار» تغير الصورة الذهنية لدى المصريين عن «حماس» خلال الفترات الماضية، لافتاً إلى «أن طريقة أداء الإخوان في مصر أصابتهم بخسائر استراتيجية لم تقع فقط على التنظيم المحلي، لكنها امتدت لتطاول مشروع الإسلام السياسي من منظور إقليمي وعالمي، ومن ثم بالضرورة طاولت أيضاً حلفاء الإخوان والتنظيمات التابعة لها والقريبة منها».
وأوضح عبد العزيز أنه «على مدى العقود الثلاثة الماضية، استطاعت «حماس» أن تبني صورة إيجابية لدى المجموع العام المصري، رغم العداء الكبير من قبل نظام مبارك، وقد نجحت «حماس» في صيانة تلك الصورة، وخصوصاً في أعقاب صمودها أمام العدوان الإسرائيلي عام 2008/ 2009، فضلاً عن نجاحها في إدارة مسألة أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط».
إلا أنه وفقاً لعبد العزيز، فإن «ما نسب إلى حماس من شكوك لم يثبت بعضها، خلال أحداث ثورة يناير من اختراق للأمن القومي وتحرير سجنائها، فضلاً عن وجود تهريب لبعض السلع المدعومة عبر الأنفاق إلى الجانب الفلسطيني، وبعض الاتهامات التي توجه إليها بخصوص جريمة رفح، كل هذا بدأ يؤثر سلبياً في صورة حماس ووضعها موضع المدافع عن نفسه باستمرار». ونبه إلى أن «هذا الأمر يعني أنها ستحتاج إلى سنوات لمحو آثار الصورة السلبية التي تكونت عنها بسبب علاقتها العضوية بجماعة الإخوان المسلمين التي ارتكبت أخطاءً استراتيجية انسحبت عليها».
وعمّا يُنشَر في بعض وسائل الإعلام المصرية عن تورط «حماس» ببعض الحوادث، أكد عبد العزيز أن «مصر تشهد أكبر عملية نشر إفادات غير منسوبة إلى مصادر واضحة أو مصادر مجهولة، منذ نشأة الصحافة في مطلع القرن التاسع عشر». وأضاف: «كباحث في مجال الإعلام، لا أستطيع أن أتثبت من 90 في المئة من المنشور في أفضل المؤسسات المصرية، ومن ثم أقوم بتحليل الخطاب المنسوب إلى مصادر معلنة لم تقم بنفيه».
لكنه تحدث عن خطأ في بعض التصريحات الصادرة عن قيادات «حماس»، موضحاً أن «ما نسب إلى سامي أبو زهري القيادي في حركة حماس في لقائه مع جريدة «الوطن» المصرية الأسبوع الماضي من أن «الأنفاق تقع في يد حماس وأنها لن تتركها تهدم»، أمر «يستفز المصريين ويشجع على تصديق اتهامات لم تثبت بعد عن تورط حماس في عمليات ميدانية تنتهك السيادة المصرية».
أما عماد الصوص، فأشار إلى أن هناك 3 أسباب وراء تغير الصورة الذهنية عن حماس في الشارع المصري، الأول نابع من الجزء الموروث من فترة حكم حسني مبارك، الذي لا يزال قوياً، وخصوصاً في الإعلام، لافتاً إلى أنه «رغم قيام الثورة، هناك فجوة كبيرة بين ما يعبّر عنه الإعلام وما يعبّر عنه الشارع المصري». أما السبب الثاني، فلخصه بأن «وصول حماس والإخوان في مصر إلى السلطة، أفقدهم جزءاً كبيراً مما كانا يتمتعان به من تعاطف شعبي كان متوافراً أثناء وجودهما في المعارضة وسجون السلطة، فالخدمات التي تقدمها الحركات في المعارضة كانت مشكورة عليها. أما اليوم فهم مسؤولون عن تحقيق الأمن والغذاء وفي ظل شح الموارد انقلبت المعادلة»، وهو ما يقود إلى السبب الثالث، المرتبط أيضاً بالتغير الذي حصل عند جماعة الإخوان بعدما تحولت في نمطها العام نحو السياسي أكثر والحزبي أكثر وباتت في الحكم لا المعارضة، وبالتالي فهم الناس لها ونظرتهم لها حصل فيها تغير نتيجة طغيان الحركة السياسية فيها على الجوانب الأخرى.
لكن أبو مرزوق حاول في حديثه مع «الأخبار» التخفيف من وطأة تراجع شعبية حماس الجزئية في الشارع المصري واحتمال تغير الصورة الذهنية عنها، بتشديده على أن ما قيل عن تورط «حماس» في تلك الجريمة أمر يجب ألّا يصدقه عاقل، مشيراً إلى أن الغرض من ترويج هذا الاتهام، بناء حاجز بين الشعب الفلسطيني والشعب المصري. وأضاف: «لو دققنا أكثر فسنجد أن من يتبنى هذا الحديث صحف إسرائيلية أو غربية أو قصار النظر في الجانب الفلسطيني، فحماس تسعى إلى أن تكون على مسافة واحدة من الجميع لأنها في مرحلة التحرر الوطني الذي يحتاج إلى الشعب المصري بأكمله».

«اللوبي الصهيوني في الإعلام»

اللافت أن الاتهامات لـ«حماس» باتت تنعكس في جزء منها على صورة فلسطين أيضاً في الإعلام المصري. ويرى الباحث في الشأن الإعلامي وقضايا الفكر وتحليل الخطاب، أنس حسن، أن هناك محاولة قوية لصرف وجهة نظر الشعب المصري وطبقته الريفية والوسطى، لكونهما الخزان الرئيسي للجيش، من أن العدو هو إسرائيل، لتبدأ عملية إعلامية من مجموعة سماها حسن «باللوبي الصهيوني في الإعلام المصري» لمحاولة صرف النظر عن فكرة «العداء مع إسرائيل» نحو ترسيخ فكرة أن فلسطين هي مكمن الخطر، وأن «تهديد الأمن القومي يأتي عبر حدود غزة، بينما حدودنا مع الكيان الصهيوني لا يجري التعرض لها إلا في سياق الحكمة وضبط النفس في حالة حدوث أزمة عليها».
هذا الترسيخ ازداد تدريجاًَ وبدأ ينتشر وفقاً لحسن مع أحداث سيناء الأخيرة التي برز فيها أيضاً «خطاب «الفلسطينيين» كأناس لهم مصلحة في تهديد الأمن المصري وإسالة دماء جنودنا وأنهم يرغبون في «احتلال» سيناء، وكأن سيناء أضحت مطمعاً للفلسطينيين بعدما احتلتها إسرائيل مرتين». ويواصل في الشرح قائلاً إنّ هذه العملية تهدف تدريجاً لتحويل عقيدة «شعب» بأكمله حول «العدو» من إسرائيل إلى الفلسطينيين.



ثياب عسكرية في الأنفاق

أعلن المتحدث العسكري الرسمي، العقيد أحمد محمد علي، أمس، أن عناصر تابعين للقوات المسلحة تمكنوا أمس من ضبط فتحة نفق في منطقة «الصرصورية»، على الحدود مع قطاع غزة، عثر في داخلها على ملابس رياضية وأقمشة معدة للتهريب إلى القطاع. وأوضح المتحدث أنه بفحص المضبوطات تبين وجود عدد 5 «توب قماش» وعدد 3 «توب قماش» من أنواع «مموه ــ كاكي ــ زيتي»، مطابقة للمستخدم في الزي الرسمي للقوات المسلحة المصرية، وعدد 2 «توب قماش» أبيض مطابق لزي بذلة الفسحة المستخدم في وزارة الداخلية المصرية.
وقال المتحدث العسكري، إن القوات المسلحة تناشد جموع المواطنين المصريين توخي الحيطة والحذر وزيادة الحس والوعي الأمني خلال الفترة المقبلة، تحسباً لإمكانية حدوث حالات انتحال للصفة العسكرية.
في السياق ذاته، أكد مصدر عسكري لـ«اليوم السابع»، أن القوات المسلحة تكثف وجودها على الحدود البرية والمنافذ الاستراتيجية المهمة لإحكام تأمين الحدود الشرقية، ومواجهة أي عمليات تهريب تجري عبر الأنفاق بين مصر وقطاع غزة.
(الأخبار)