ثماني زيارات لرؤساء أميركيين إلى إسرائيل سبقت الزيارة التي يبدأها باراك أوباما اليوم. ريتشارد نيكسون زار تل أبيب عام 1974 بعيد توقيع اتفاقية وقف النار بين إسرائيل وسوريا لتسجيل إنجاز يخفف عنه وطأة «ووترغايت». جيمي كارتر زارها عام 1979 من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر. بيل كلينتون فعل ذلك أربع مرات: الأولى لرعاية اتفاقية السلام مع الأردن عام 1994، الثانية للمشاركة في جنازة إسحاق رابين عام 1995، الثالثة لتقديم الدعم لشمعون بيريز في انتخابات عام 1996 والرابعة تتويجا لاتفاقية «واي بلانتيشين» بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو عام 1998. أما جورج بوش الإبن فقد حطت «إير فورس 1» به مرتين في مطار بن غوريون بفارق أشهر قليلة: الأولى مطلع عام 2008 بعيد مؤتمر أنابوليس في إطار تعويمه سياسياً، والثانية للمشاركة في احتفالات الذكرى الـ 60 لقيام إسرائيل.
التدقيق في ظروف الزيارات الثماني يثير تساؤلات حول ما يأتي باراك أوباما ليفعله في إسرائيل. فزيارته لا تتصل ــ علناً على الأقل ــ بهدف محدد أو بمهمة واضحة سيسعى إلى إنجازها، كما أنها لا ترتبط باستحقاق سياسي يراد التسويق له، فضلاً عن أنها لا تأتي في سياق مناسبة بروتوكولية من أي نوع. تبدو زيارة أوباما، والحال هذه، من خارج جدول الأعمال، أو هي كما وصفها توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» بالزيارة السياحية. المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم رواد البيت الأبيض، عززوا هذا الانطباع من خلال الاهتمام الاستثنائي الذي أبدوه بخفض سقف التوقعات للزيارة. تصريحاتهم المتواترة منذ الإعلان عن الزيارة حرصت على تأكيد أن أوباما آت إلى إسرائيل من دون خطة، من دون جدول أعمال ومن دون نوايا مضمرة.
برغم ذلك، من المستبعد أن تكون دوافع أوباما لزيارة إسرائيل شبيهة بدوافع المتسلق البريطاني الشهير، جورج مالوري، الذي سئل عن سبب تسلقه لقمة إفيريست، فأجاب «لأنها موجودة». فأوباما لا يزور إسرائيل «لأنها موجودة»، وزيارته، من بين كل من سبقوه في البيت الأبيض، تكتسي طابعها الخاص في ظل أجواء التوتر والنفور التي اتسمت بها علاقته بنتنياهو. الأجواء التي كان من ذروة محطاتها وصفُ مقربين من نتنياهو لأوباما بـ«الكارثة الإستراتيجية» على إسرائيل (آذار 2010) ونعتُ أوباما لنتنياهو بـ«الجبان السياسي» الذي «ينتهج سياسة تدمير ذاتي»، بحسب ما نقله عنه الصحافي الأميركي جيفري غولدبرغ قبل شهرين.
من المؤكد أن أوباما يتوخى من وراء زيارته تدارك العثرة التي ارتكبها في ولايته الأولى حين زار المنطقة عام 2009 خطيباً في القاهرة واسطنبول متجاهلا إسرائيل. ومن المعلوم أن «جريمته» هذه شكلت منطلقاً للتصويب عليه من قبل خصومه الجمهوريين، حتى اتهمه منافسه في الانتخابات الأخيرة، ميت رومني، «برمي إسرائيل تحت عجلات الباص»، متعهداً بأن تكون الدولة العبرية أول بلد يزوره إذا هو تسيّد البيت الأبيض.
إلا أن المؤكد أيضاً أن لقاء القمة بين «الكارثة» و«الجبان» حدثٌ أبعدُ أثراً من تلاوة فعل ندامة يقوم به أوباما، وخصوصاً أن الزيارة تأتي في مطلع ولايته الثانية التي يفترض أن يكون متحرراً فيها من ضغوط اللوبي اليهودي. ويمكن المرء أن يرجح أنه، عبر مبادرته الواضحة إلى «تصفير» العلاقات الشخصية بينه وبين نتنياهو، إنما يرمي إلى ترميم إطار التنسيق الإستراتيجي بين إدارته وحكومة الأخير بما يتصل بالاستحقاقات الإقليمية الأكثر سخونةً، وعلى رأسها إيران.
صحيح أن إدارة أوباما كانت قد أعلنت في الماضي ــ على لسان مسؤولين عسكريين تحديداً ــ أنها ترى في استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تهديداً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، إلا أن ذلك كان قبل «الربيع العربي». أي قبل أن تُدفع القضية الفلسطينية إلى الزاوية المعتمة من المشهد الإقليمي المشتعل مشرقاً ومغرباً.. فضلاً عن التجربة الفاشلة التي خاضتها هذه الإدارة في تحريك العملية السياسية إبان ولايتها الأولى. وإذا صحت التقارير الصحافية التي سبقت زيارة أوباما، ونقلت عنه قوله في محافل مغلقة أنه يعتبر أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تكون جاهزة لتقديم تنازلات في الموضوع الفلسطيني، فإن ذلك يعني شيئاً واحداً هو التسليم المسبق باستعصاء الجبهة الفلسطينية.
تبقى الجبهتان السورية والإيرانية، ولكل من الزعيمين تصوراته بشأنهما. سورياً، تبدو هوامش الخلاف ضيقة، حيث هناك اتفاق واضح بين الجانبين على مقاربة تطورات هذه الساحة، علما أن نتنياهو كان قد تحدث غير مرة في الماضي القريب عن وجود تنسيق وثيق مع الإدارة الأميركية حول مندرجات الاستحقاق السوري، خصوصاً في ما يتعلق بمصير الأسلحة الكيميائية ومسألة تهريب السلاح الإستراتيجي إلى لبنان.
أما الموضوع الإيراني، فعلى الأرجح أن يكون بيت قصيد الزيارة كامناً فيه. إذ من المعروف أن الخلاف بين نتنياهو وأوباما بلغ في الماضي نقاط ذروة لم يعهدها تاريخ العلاقات بين تل أبيب وواشنطن. وبعدما طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي المجتمع الدولي ــ إقرأ إدارة أوباما ــ بترسيم خط أحمر يحظر على المشروع النووي الإيراني اجتيازه، قام هو نفسه بتحديد هذا الخط من على منبر الأمم المتحدة، معلناً الصيف القادم موعداً لبلوغه من قبل طهران. في زيارته تل أبيب، يمكن الرهان على أن مهمة أوباما غير المعلنة ستكون ــ على الأرجح ــ إنزال نتنياهو عن هذه الشجرة وضبط الإيقاع الإسرائيلي ــ إيرانياً ــ وفقا للأولوية الأميركية التي ترى أن اندلاع مواجهة إقليمية مع إيران أمر كارثي بكل معاني الكلمة.