مع استقالة الرئيس العراقي العسكري أحمد حسن البكر، في 16 تموز 1979، ووصول المتفرغ الحزبي المدني الذي لا علاقة له بالجيش صدام حسين إلى السلطة، حدث ما يشبه الانقلاب الجذري في الجيش، تواكب مع تداعيات حرب الخليج الأولى ضدّ إيران، فخرجت منه أغلب قياداته وكوادره المرموقة وذات الخبرة العريضة ورُقيَت عناصر حزبية أخرى، بعضها لم يكن يحوز أيّة خبرة أو ثقافة عسكرية، وربما كانوا برتب متواضعة كضابط صف أو جندي سائق، كحسين كامل، صهر الرئيس وزوج ابنته الكبرى، الذي تحوّل إلى ضابط كبير برتبة فريق.
قبل غزو العراق عام 2003، كان الجيش العراقي التقليدي متواضع القوة والتركيب والسلاح، أنهكته حربا الخليج الأولى والثاني والحصار المديد الذي أعقبهما. وإلى جانبه، كان ثمة جيش آخر مستقل عنه هو «الحرس الجمهوري»، بتشكيلاته الضاربة والمسلّحة والمدرّبة جيداً. وكانت قيادات العمليات والحلقة الضيقة صانعة القرارات في الجيشين تتألف من أشخاص معدودين هم الرئيس نفسه، وابنه قصي، قائد قوات الحرس الجمهوري، يعاونه زوج ابنته جمال مصطفى وشقيقه كمال، وابن عم الرئيس، اللواء ماهر سفيان التكريتي، الذي أثار دوره في الحرب جدلاً واسعاً واتهامات كثيرة، إضافة إلى أشخاص قليلين آخرين لا أهمية لهم؛ ويُستبدلون أو يُستغنى عنهم باستمرار. كان الولاء في القيادات العسكرية والحزبية والحكومية يقوم على أساس الولاء لشخص الزعيم أولاً، والخيانة كانت تعني عدم الولاء له أو مجرد التشكيك به.
ورُوي الكثير، بعد حرب احتلال وتدمير العراق عام 2003، عن عمليات خيانة وغدر قام بها بعض القادة العسكريين العراقيين لقيادتهم العامة ولنظام الحكم. غير أنّ هذا الكثير لم يكن متجانساً أو متشابهاً. أحد القادة العسكريين العراقيين قال لوكالة «قدس برس» إنّ «الخيانة التي كانت موجودة في الجيش العراقي، ليست بالطريقة التقليدية التي يعرفها البعض. كان هناك عدد من الضباط المنتفعين والنفعيين يحيطون بالرئيس السابق. كانوا يحجبون عنه بعض الحقائق، من أجل أن يحصلوا على تكريمه المادي». البعض الآخر أكد بعد نهاية الحرب وقوع «بعض الخيانات، لكن ليس في القوات المسلحة فحسب، بل على مستوى القيادات السياسية والحزبية، جاء اكتشافها متأخراً».
ضابط كبير في سلاح الدفاع الجوي قدّم شهادة اتهم فيها قيادة سلاحه بالخيانة؛ لأنّها لم تطلق صاروخاً واحداً على طائرات العدو، موسعاً اتهامه إلى قائد الدفاع الجوي المهندس جمال مصطفى، ابن عم صدام حسين وزوج ابنته الصغرى، بأنه كان على علاقة سرية بالغزاة.
وكانت قد أُشيعت أنباء خلال الحرب عن خلافات حادة بين صدام ووزير دفاعه سلطان هاشم. وفي هذا الصدد، قال المقدّم عصام عبد الرحمن، وهو من سلاح الدروع التابع للحرس الجمهوري، وفق ما نقلت عنه صحيفة «الرياض» السعودية، إن «صدام أعدم وزير دفاعه يوم التاسع من نيسان، وقد يكون بسبب تصريحه (أي وزير الدفاع)، الذي قال فيه إن الأميركيين سيكونون على حدود بغداد في غضون أربعة إلى عشرة أيام. ويُذكر أن هذا التصريح أفرغ نصف سكان بغداد، الأمر الذي ازعج صدام حسين». وقد اتضح في ما بعد أنّ الخبر كان عارياً من الصحة؛ فالوزير المذكور سلّم نفسه للقوات الغازية بعد هزيمة النظام ثم حوكم مع صدام وآخرين بتهمة المشاركة في عمليات الإبادة الجماعية ضدّ الأكراد «الأنفال» وحُكم عليه بالإعدام، وهو لا يزال ينتظر تنفيذ الحكم حتى اليوم.
كذلك رُوي كلام عن الخيانة عن قائد آخر هو سيف الدين الراوي. وفي التفاصيل، تقول صحيفة «الوسط» البحرينية إنّ هذا الضابط كان قد أعطى أوامر بانسحاب القوات التي كانت تحت إمرته بعد الخسائر الكبيرة التي حلّت بها نتيجة استخدام العدو للأسلحة المحرمة. وحين سأله قصي عمن خوله إعطاء تلك الأوامر قال له، بحسب الراوي: «بأمري أنا». فما كان من قصي إلا أن أطلق عليه النار من مسدسه الشخصي وأرداه قتيلاً.
أما القائد العسكري الذي كثر الكلام عن خيانته أكثر من غيره، أي اللواء سفيان ماهر التكريتي، فقد ذكرت مصادر صحافية فرنسية في حينه، كما يورد الإعلامي أحمد منصور في كتابة «قصة سقوط بغداد»، أنه «عقد اتفاقاً مع الأميركيين، قبل عام من ذلك، يقضي بعدم اشتراك 100 ألف عسكري من الحرس الجمهوري في القتال»، وأنه «اقتيد مع عائلته سرّاً في الثامن من نيسان على متن طائرة «سي 130» إلى قاعدة عسكرية أميركية، وبالتالي فإنّ نبأ موته ليس صحيحاً»، مشيراً إلى أنّ «ماهر سفيان أمر قواته بعدم الدفاع عن بغداد». وسيتضح لاحقاً أن هذه الأنباء ليست دقيقة. فقد أوردت مصادر أخرى أنّ اللواء سفيان التكريتي اتفق مع الفريق رعد الحمداني بعد خروجهما من أحد اجتماعات القيادة «على ضرورة تجنيب المقاتلين مزيداً من الموت والتفاوض مع الأميركيين على دخول بغداد من دون قتال. وفعلاً أعطى اللواء ماهر أوامره لقواته التي كانت متمركزة بين بغداد وتكريت بالانسحاب وعدم القتال».
وقد أكّدت صحف عربية، منها «القدس العربي»، أنّ «المخابرات المركزية تمكنت من تأسيس اتصال آمن بالفريق ماهر، الذي طُلِبَ منه تجنب نسف الجسور وسحب قواته من مواقعها على ضفاف دجلة وحول مواقع حكومية في بغداد»، وأن «التكريتي طلب في المقابل تعهداً أميركياً بضمان أمنه الشخصي وأمن نحو 20 شخصاً آخرين من ضباطه وعائلاتهم، وبتعهد عدم تعقبهم قانونياً إذا انتهت الحرب».
التكريتي، من جانبه، نفى كل الاتهامات الموجه له بالخيانة. كذلك سعت صحيفة بعثية على النت هي «البصرة نت» إلى تأكيد براءته. وقالت إنه كان «زاهداً في التحدث إلى الصحافة وحريصاً على أن يترك القصة برمتها للتاريخ، فالوقت لم يحن للكلام بعد، على حد تعبيره». وتنقل الصحيفة عن ضابط آخر هو مصطفى كامل من بغداد تصريحاً لصحيفة «النهار» اللبنانية أكّد فيه أن التكريتي ظل يقاتل ضدّ الغزاة حتى آخر يوم من المعركة، وأنه اضطر بعد توقف العمليات الحربية إلى الاختباء وعاد إلى الظهور بعدما هدأت الأوضاع، لكن قوات الاحتلال اعتقلته في 19 تموز 2004، بتهمة دعم المقاومة العراقية المسلحة.مدير الاستخبارات العسكرية العراقية السابق، وفيق السامرائي، الذي التحق بفريق الحكام الجدد بعد الغزو وأصبح مستشاراً لجلال الطالباني لعدة سنوات، أكّد أنّه لا يرجح أبداً حدوث اختراقات في صفوف قيادات الحرس الجمهوري، مؤكداً أنّ سقوط بغداد «لم يكن بسبب صفقة بين التكريتي والأميركيين، بل بسبب ضعف التخطيط الاستراتيجي، بالإضافة إلى ضعف القيادات العسكرية وتدخل المدنيين في الشؤون العسكرية علاوة على التفوق التقني للولايات المتحدة».



■ جورج والكر بوش (رئيس الولايات المتحدة الأميركية)
2003: لا، لن يكون هناك ضحايا أميركيون في الحرب على العراق.
1 أيار 2003 على متن حاملة طائرات أمام لافتة كتب عليه Mission Accomplished: إن العمليات العسكرية الأساسية قد انتهت. الولايات المتحدة وحلفاؤها انتصروا في الحرب.
تموز 2012: السنوات الثماني التي أمضيتها في الحكم كانت رائعة. كنت مشهوراً وأتمتع بسلطة كبيرة، لكن لم أعد أرغب في الشهرة وفي السلطة بعد الآن.
■ ديك تشيني (نائب الرئيس)
16 آذار 2003: نعتقد أن صدام حسين قام فعلياً بإعادة بناء ترسانة من الأسلحة الكيميائية.
2011 (لمحطة NBC): الرئيس بوش هو الذي اتخذ قرار الحرب لأنه أدرك تماماً حجم ما كنا نقوم به. دعمته في قراره حينها واعتقدت أن سياسته كانت صائبة. وما زلت أؤمن بذلك حتى اليوم.
■ كولن باول (وزير الخارجية)
5 شباط 2003، في الأمم المتحدة: صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل. ابنه قصي أمر بنقلها من مستودعات القصور. الأسلحة البيولوجية مخبّأة في حقول شجر النخيل، والجيش العراقي يمتلك طائرات من دون طيار يمكن أن تستخدم في هجمات بالأسلحة البيولوجية. ومختصون في أسلحة الدمار الشامل يجتمعون في أحد منازل الضيافة التي يمتلكها صدام... كل المعلومات التي أدلي بها هي مستقاة من مصادر موثوقة. نقدم لكم اليوم حقائق وخلاصات مبنية على معلومات استخبارية متينة.
3 آذار 2013 (لمجلة لو نوفيل أوبسيرفاتور): اكتشفت أن كمية كبيرة من المعلومات التي زُوّدت بها كانت غير دقيقة. لم يكن لدي سوى 3 أيام لإعداد عرض المعلومات الذي قدمته في الأمم المتحدة!
مدير الاستخبارات المركزية جورج تينيت قال إن صدام حسين يملك مئات الأطنان من الأسلحة الكيميائية، في حين لم يكن الأخير يملك غراماً واحداً منها.
■ دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع)
7 شباط 2003: قد تدوم الحرب 6 أيام، أو 6 أسابيع. أشكّ في أن تتواصل لـ6 أشهر.
30 آذار 2003 (لمحطة ABC): نعرف أين يخبّئون أسلحة الدمار الشامل. هي في محيط مدينة تكريت وبغداد وفي مكان ما في شمال العراق وجنوبه وشرقه وغربه.
2011 (لمحطة ABC): لقد أخطأت بقولي إننا كنا نعرف أين هي أسلحة الدمار الشامل. كنت أقصد أن وكالات الاستخبارات الاميركية كانت تشتبه في بعض المواقع التي تحوي تلك الأسلحة. يا إلهي، الاستخبارات كانت بالتأكيد على خطأ.
■ بول وولفوفيتز (نائب وزير الدفاع)
27 شباط 2003: أنا متأكد من أن العراقيين سيهلّلون لقدومنا كمحررين.
2012 (في محاضرة جامعية): لا يمكن أن نتحمّل كلفة ترك العالم يدير شؤونه بنفسه. يجب على الأميركيين أن يقدّروا قيمة ما قمنا به في العراق كي نواجه المستقبل بثقة في النفس.
■ بول بريمير (رئيس الإدارة المدنية لإعادة إعمار العراق)
تشرين الأول 2004: إن الفوز بحرب العراق هو جزء أساسي من المعركة الكبرى على الإرهاب، وأؤيّد بشدة إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش.
آذار 2013: لم أتوقع أن تنفجر أعمال العنف بهذا الشكل بعد وصولنا. اعتقدت أنه كان لدينا القوات المناسبة على أرض المعركة.