سلّطت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية الضوء على ما تقوم به السعودية من تدمير «ممنهج» للمواقع التراثية المرتبطة بحقبة ظهور الإسلام والنبي محمد، مشيرة في مقالٍ نُشر في 15 آذار الحالي الى طمس المعالم التاريخية للإسلام.
وتذكر الصحيفة البريطانية الواسعة الانتشار في مقالها، أن «السلطات السعودية بدأت بتفكيك بعض أقسام المسجد الأكثر أهمية كجزء من توسعات مثيرة للجدل تكلف مليارات الدولارات». ومن خلال صور حصلت عليها «الاندبندنت»، يتبين أن عمليات الحفر الميكانيكية تقوم بتدمير بعض أجزاء من حقبتي العثمانيين والعباسيين في الطرف الشرقي من المسجد الحرام في مكة. وتشير الصحيفة الى أن الأعمدة هي آخر ما تبقى من أقسام من المسجد الحرام، والتي يعود تاريخها الى مئات السنين وتشكل المحيط الداخلي للأرض الرخامية المحيطة بالكعبة.
أما الصور الجديدة، التي تم أخذها منذ أسابيع قليلة، فقد سبّبت حالة طوارئ وسط علماء الآثار، فيما تعرض الأمير البريطاني تشارلز لانتقادات لأنه زار السعودية هذا الشهر، وهو المعروف بدفاعه عن التراث المعماري.
بالنسبة إلى كثير من الأعمدة العثمانية والعباسية في مكة، فهي منقوشة بكتابات معقّدة من الحرف العربي تحمل اسم النبي محمد وصحابته واللحظات الرئيسية من حياتهم. ولعل أخطر هذه الإجراءات إمكان تدمير أحد الأعمدة التي يعتقد المسلمون بأن محمداً بدأ رحلته منها الى السماء على «حصان مجنّح» (براق)، في رحلة مرّ خلالها إلى المسجد الأقصى في القدس في ليلة واحدة.
وتبرر السلطات السعودية أعمال التوسعة بأنها تهدف إلى استيعاب الأعداد المتزايدة من الحجيج الذين يقصدون مكة والمدينة في كل عام للحج، حيث تشير الصحيفة الى صرف مليارات من الدولارات من أجل توسيع المسجد الحرام والمسجد النبوي في المدينة، حيث قبر النبي. ويقول المقال إن الملك السعودي عبدالله عيّن رجل الدين الوهابي، إمام المسجد الحرام، عبدالرحمن السديس، مسؤولاً عن التوسعة، حيث قامت مجموعة بن لادن السعودية (من أكبر الشركات في البلد) بتعهد عمليات الإنشاء.وفي حين يتفهم البعض الحاجة الى التوسعة، تركّز الانتقادات على اتهام النظام السعودي بالتجاهل المتعمد للتراث العمراني والتاريخي والأثري للمدينتين المقدستين عند المسلمين.«في الحقبة الماضية تحولت مكة من بلدة محجة صحراوية ملوثة بالغبار الى مدينة لامعة من ناطحات سحاب وأبراج مطلة على المسجد الحرام، مليئة بأعداد ضخمة من المراكز التجارية والشقق الفخمة وفنادق ذوات خمسة نجوم»، حسب وصف «الاندبندنت».
وتنقل الصحيفة عن معهد الخليج في واشنطن تقديره أن 95 في المئة من مباني مكة التي يصل عمرها إلى أكثر من ألف سنة، تم تدميرها فقط في العقدين الماضيين. كذلك فإن عشرات المواقع التاريخية التي تؤرخ مرحلة ولادة الإسلام اختفت، وهناك حماسة وسط علماء الآثار والأكاديميين في محاولة لحث السلطات على حماية القليل الذي تبقى.
لكن معظم مشايخ الوهابية، كما تقول الصحيفة، «يعملون على عدم حماية المواقع التاريخية المرتبطة بالنبي، لأنهم يعتقدون بأن هذا يشجع الشرك بالله» (يقصدون بأنه يذكر بعبادة الأوثان).
من جهته، المدير التنفيذي لمؤسسة البحث في التراث الإسلامي، عرفان العلاوي، الذي حصل على صور جديدة من داخل المسجد الكبير، يرى أن إزالة أعمدة عثمانية وعباسيّة ستترك الجيل الاسلامي الجديد في حال تجاهل لأهمية تاريخه.
يضيف «إنها مشكلة، لأن معظم هذه الأعمدة تدل على مناطق محددة من المسجد، حيث جلس النبي وصلى». فالوثيقة التاريخية تمّ محوها. ويؤكد العلاوي أن «المسلمين الجدد ليس لديهم أدنى فكرة، لأنه لا يوجد شيء يدل على هذه الأماكن اليوم». وهذه ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها الصحيفة البريطانية إلى هذا الموضوع. ففي تشرين الأول الماضي، كشفت أن الخطط الجديدة لتوسعة المسجد النبوي في المدينة من شأنها أن تؤدي الى تدمير ثلاثة من أقدم المساجد في العالم تقع في الجانب الغربي من المجمع الرئيسي.
لكن الصحيفة تتحدث عن إشارات إلى أن الملك عبدالله قد استمع الى الهواجس حول التدمير التاريخي في مكة والمدينة. وتشير إلى أن الخطط الجديدة التي وافق عليها الملك أظهرت تغيراً جوهرياً في الجزء الأكبر من التوسعة التي تم إقرارها الآن، ويجري العمل فيها شمال المسجد النبوي. لكن المواقع الرئيسية لا تزال تحت الخطر، حسبما تقول «الاندبندنت». ففي إحدى الشرائح المصورة التي حصلت عليها الصحيفة، بدا واضحاً أن «بيت المولد»، حيث يعتقد أن محمداً قد وُلِد، سيُزال ما لم تتغير الخطط.«الاندبندنت» وجهت الى السفارة السعودية في لندن عدداً من الأسئلة حول خطط التوسعة والقيام بمزيد من الجهد لحماية المواقع التاريخية الرئيسية، فأجابت السفارة: «شكراً على الاتصال لكن لا تعليق».
في 28 تشرين الأول 2012 نشرت «الاندبندنت» مقالاً للكاتب جيروم تايلور بعنوان تساؤلي: «لماذا لا يتكلم المسلمون كثيراً عن التدمير الوحشي للمواقع المقدسة في مكة؟». وقال «لقد تعرض المسلمون للانتقاد كثيراً لأنهم لم يتحدثوا جهاراً عن قضايا رئيسية لها تأثير على مجتمعهم. لا يكاد أسبوع يمر من دون أن يسأل الإعلام (الغربي) لماذا قادة المجتمع لا يدينون جهاراً المواضيع مثل العنف ضد النساء أو الإرهاب؟». ويرى أنها «معادلة صعبة، وفي الغالب الانتقادات ليست عادلة».
لكنه يشير الى أن المسلمين العاديين لا يتوقعون الإجابة عن كل شيء تم القيام به باسمهم»، مشيراً إلى أن الشقق الفخمة والغرف المطلة على الكعبة في مكة التي تكلف 500 دولار أميركي لليلة واحدة، تطرح تساؤلاً حول ما يُفترض أن يكون عليه المكان الوحيد الذي ينبغي أن يتساوى فيه المسلمون في العالم.