ليس اسم عابراً في تاريخ سوريا المعاصر، بل هو رمز ديني وشخصية يقتدي بها مئات الآلاف ويضعونها في مكانة خاصة ويستمعون الموعظة منها. أن تقول محمد سعيد رمضان البوطي (1929/2013) فأنت لا تذكر اسم رجل عادي. لاسم الرجل وقع مختلف وهو استاذ العقيدة الاسلامية الذي بنى لنفسه مكانة ورمزية كبيرتين لدرجة صار يعتبر فيها واحداً من كبار علماء الشريعة والفقه الإسلاميين في الوطن العربي، وتعدى ذلك ليصبح إحدى أهم المرجعيات الدينية في التشريع والفتوى في الدين الإسلامي. وليس ذلك بغريب طالما أن المنشأ كان على يد علامة وشيخ كبير هو ملا رمضان البوطي، الذي ترك أثره بشكل بالغ في حياة ابنه.
العائلة كردية سورية تنحدر من أصول تركية وتحديداً في قرية تقع على ضفاف نهر دجلة عند نقطة التلاقي بين حدود سوريا والعراق وتركيا، وتدعى جيلَكَا، تابعة لجزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة بوطان. لكن الاب قرر الهجرة إلى الشام هرباً من سياسة أتاتورك التي جابه بها بعض رجال الدين. هكذا، بدأ العلامة الراحل بتلقي تعليمه في مدارس عاصمة الأمويين حيث كانت الخطوات الأولى باتجاه المدرسة الابتدائية في حي ساروجة ثم حاز على شهادة الثانوية الشرعية من معهد التوجيه الإسلامي، إلى جانب حضوره دروس ومجالس والده الذي كان معلمه الأول.
صعد إلى المنبر ليخطب بالناس في السابعة عشرة من عمره وتزوج في الثامنة عشرة، وله ستة أولاد وبنت. بعد الثانوية اختار له والده السفر سنة 1953 إلى مصر ليتلقى تعليمه الديني في الجامع الأزهر، حيث حصل على الشهادة العالمية سنة 1955 ليلتحق بعدها بعام بكلية اللغة العربية في الجامعة نفسها وينال دبلوم التربية في نهاية عام 1956 ليعود إلى دمشق حيث كانت تنتظره رحلة طويلة وحياة كانت في سنواتها الأخيرة إشكالية، لدرجة جعلته هدفاً للمعارضة السورية التي تمكنت منه ليلة أمس.
وبالعودة لحياة العلامة الشهير، الذي يجيد اللغات العربية والكردية والتركية والانكليزية، فقد فتحت جامعة دمشق كلية الشريعة أبوابها سنة 1960 حيث عين معيداً فيها، ثم أوفد إلى الأزهر مرة ثانية ليحصل على الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية ليعود أستاذاً في جامعة دمشق سنة 1965 ليتدرج في مناصبه التعليمية في الجامعة، حيث أصبح وكيلاً لكلية الشريعة سنة 1975 ثم عميداً لها سنة 1977.
طلابه المتخرجون من جامعة دمشق لا يزالون يذكرون حتى الآن، حسبما يقول بعضهم لـ«الأخبار»، حضوره اللافت، ورنة صوته، ولغته العالية وجديته المطلقة. يذكرون كيف كانوا يفترشون الأرض في الممرات أثناء محاضراته بسبب الإقبال الكبير، بينما يلوذ الباقون بالنوافذ، ويذكرون كيف كانوا يفتحون له طريقاً لدى وصوله ويذكرون هيبته التي تطبق الصمت على المكان. كما يذكرون كيف توقفت الحركة في البرامكة، اكثر المناطق السورية ازدحاماً، عندما نعت المساجد وفاة والده الشيخ ملا البوطي.
ألف البوطي عشرات الكتب الدينية، لكن ظلت رواية «ميمو زين»، أسطورة الحب الكردية التي ترجمها البوطي منذ خمسينيات القرن الماضي ولا يزال تداولها قائماً حتى الآن، هي الأكثر شهرة وصيتاً بين مؤلفاته، رغم تردد أخبار عن اعتذاره لترجمتها لاحقاً. جمعته علاقة طيبة بالرئيس الراحل حافظ الأسد الذي عرف كيف يمد جسور التواصل مع أمثال هذا الرجل، ويحكى أنه طلب من نجل الرئيس الراحل باسل الأسد، الافراج عن موقوفين فكان له ما طلب، لتثير في ما بعد صلاته على جنازة حافظ الأسد تساؤلات عدة.
هبت معركة طاحنة بينه وبين المخرج نجدت أنزور عند عرض مسلسل ما ملكت أيمانكم لأنه أفتى بحرمة عرض المسلسل وحاول إيقاف عرضه عن الفضائية، لكن سطوة أنزور كانت أقوى لدى النظام السوري، فخرج البوطي من المعركة خاسراً دون أن يتوقف عن دعوته لحرمة المسلسل وحديثه عن رؤيته لغضبة ربانية تتنزل على الشام بسبب هذا المسلسل الفاجر الذي استخدم آية قرانية في عنوانه، حسبما قال (الأخبار 18/8/2010).
كان البوطي من أوائل رجال الدين الذين طوعوا التكنولوجيا في أبحاثه، وكان له موقع خاص ينشر خطبه ويتواصل من خلاله مع الناس ويجيب على تساؤلاتهم. مع اندلاع الاحتجاجات فاجأ العلامة السوري الجميع بموقفه الرافض لهذه «الفتنة»، كما سماها ودعمه للنظام. حتى أن خطبه الأخيرة في مسجد الأمويين كانت تمجد الجيش الذي يقف بوجه حرب عالمية ومرتزقة تكفيريين يزحفون من جميع أصقاع الأرض.