برلين | ناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في لقائهم الذي بدأ أمس في دبلن، موضوع رفع الحظر المفروض على إمداد المعارضة السورية بالأسلحة. وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي أقرّ في نهاية شهر شباط المنصرم تمديد هذا الحظر لثلاثة أشهر تنتهي في نهاية شهر أيار، إلا أنّ فرنسا تطالبه بمدّ المعارضة السورية بالأسلحة التي تمكّنها اسقاط النظام السوري. وكان القرار الأوروبي الأخير قد سمح بتزويد المعارضة السورية بالسيارات، وأجهزة الاتصالات والملاحة، والمناظير الليلية، والسترات الواقية من الرصاص. وتستدعي الاستجابة للطلب الفرنسي عقد قمة أوروبية طارئة لاتخاذ قرار بهذا الشأن. ويثير الموقف الفرنسي انقساماً داخل الاتحاد الأوروبي؛ فبينما تدعم حكومة لندن توجه باريس، أعلنت السويد والنمسا معارضتهما الشديدة لذلك، لدرجة أنّ المستشار النمساوي فيرنر فايمان هدّد بسحب قوات بلاده المشاركة في قوات مراقبة الهدنة في الجولان المحتل إذا رفع الاتحاد الأوروبي الحظر المفروض على تصدير السلاح إلى سوريا. أما ألمانيا، فقد أبدت بعض المرونة مع التمسك بوحدة الموقف الأوروبي. فما سر الاندفاع الفرنسي قبل شهرين من موعد انتهاء الحظر، وما هي حقيقة الموقف الألماني، وهل ألمانيا ضد تسليح المعارضة السورية فعلاً.


أسباب الاندفاع الفرنسي

يرى الخبير في شؤون العالم العربي، الصحافي الفرنسي كريستيان شينو، أنّ أسباباً متعدّدة تقف خلف اندفاع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، نحو تسليح المعارضة السورية، مشيراً في حديث لـ «الأخبار» إلى أنّ الأمر يشبه محاولة هروب إلى الأمام، «فالرئيس هولاند يدرك أنّ هناك اعتراضاً لدى القيادات العسكرية الفرنسية على تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للدروع والطيران، وحتى لو نجح في تجاوز هذه الاعتراض فإن عملية من هذا النوع تتطلب استعدادات لوجستية معقدة وطويلة الأمد. فالأمر ليس بهذه السهولة، وخاصةً إذا أخذنا في الحسبان أن جبهة النصرة باتت الفصيل الأقوى في المعارضة السورية المسلحة». ويضيف شينو إنّ من الأسباب التي تحرّك الرئيس الفرنسي الصعوبات الداخلية التي يواجهها، حيث تظهر استطلاعات الرأي تراجعاً كبيراً في شعبيته نظراً للأوضاع الاقتصادية المزرية التي تمر بها فرنسا، فلذلك يسعى هولاند إلى تسجيل النقاط على صعيد السياسة الخارجية.
ويتابع شينو، الذي شارك أخيراً في تأليف كتاب بعنوان «قطر أسرار الخزينة»، أنّ هناك أيضاً خشية لدى باريس ولندن من انطلاق قطار الصفقة الأميركية الروسية حول سوريا من دون إشراكهما، وبالتالي تحاول باريس حجز مقعد لها عبر رفع الصوت. ويرى أنّ فرنسا تقدم مساعدات استخبارية إلى المعارضة السورية وتزودها بأجهزة اتصال وتشارك مع بريطانيا وأميركا في تدريب مقاتلين سوريين في الأردن. وحول ما إذا كان هولاند سيتمسك بموقفه رغم معارضة شركائه الأوروبيين، أجاب شينو أنّ المخرج قد يكون بالتوافق أوروبياً على تزويد المعارضة المسلحة في سوريا بأسلحة دفاعية لا هجومية، تحت عنوان خلق واقع جديد لإجبار نظام الرئيس بشار الأسد على تقديم تنازلات.
تردّد برلين
تشعر حكومة برلين بالقلق إزاء تصريحات الرئيس الفرنسي، وخصوصاً إعلانه أنّ فرنسا قد تقدم على هذه الخطوة على نحو منفرد في حال عدم حدوث توافق أوروبي. هذا ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإعلان استعداد حكومتها للبحث في هذا الموضوع إن كان لدى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نظرة مستجدة للأمور، وأن موقفها الرافض لتسليح المعارضة قابل للنقاش. وأعلن الناطق باسم وزير الخارجية الألمانية، أندرياس بيشكة، أنّ مساعدة المعارضة السورية يجب أن تكون تصرفاً مسؤولاً، ويجب أن تكون هناك إجابات واضحة حول ما الذي سيقدم للمعارضة ومن هي الجهة التي ستتلقاه، والتفكير ملياً بمخاطر أن تقع الأسلحة في الأيدي الخاطئة.

انتقادات للتردد الألماني

انتقد المدير السابق لمعهد الشرق في ألمانيا، البروفسور أودو شتاينباخ، في حديث مع «الأخبار»، الموقف الألماني الذي يسهم في حالة انعدام وزن برلين على صعيد السياسة الخارجية. ورأى شتايناخ أنّ ألمانيا لن تغيّر موقفها لأنها تعيش حالة من العجز وعدم الرغبة في القرار والاقتناع بوهم أنّ الأزمة السورية ستنتهي وحدها. ورداً على سؤال لـ«الأخبار»، أجاب شتايباخ أنّ ما تعلنه ألمانيا من مخاوف وقوع الأسلحة بالأيدي الخاطئة، تبريرات غير مقنعة «فالأسلحة تصل من قطر والسعودية حالياً إلى الأيدي الخطأ».
في المقابل، يرى أرنو نويبر، أحد مؤسسي حركة السلام الألمانية، أنّ الموقف الألماني مجرد محاولة لذر الرماد في العيون، فألمانيا، برأيه، منخرطة فعلياً في دعم المعارضة السورية. ويعيد نويبر التذكير بما نشرته الصحافة الألمانية في شهر آب الماضي نقلاً عن جهاز الاستخبارات الألمانية حول وجود سفينة التجسس الألمانية «أوكر» قبالة السواحل السورية، حيث تقدم الدعم للمقاتلين السوريين. وتتمتع هذه السفينة بأجهزة تنصت وتشويش متطورة جداً وقادرة على مراقبة تحركات الوحدات العسكرية على عمق 600 كيلومتر داخل الأراضي السورية. ويتلو نويبر ما نقلته الصحف الألمانية، حينها عن المصدر الاستخباري الألماني، بأن برلين تستطيع أن تفخر بالدور الهام الذي تضطلع به لإسقاط نظام الأسد. ويتساءل نويبر هل هناك علاقة بين صفقات الأسلحة التي تصدرها ألمانيا إلى السعودية وقطر في هذه الفترة بالذات، وتسليح هاتين الدولتين للمعارضة السورية. وإلى جانب المساعدات الاستخبارية والعسكرية غير المباشرة، يقول إنّ الحكومة الألمانية نظمت بالتعاون مع وزارة الخارجية الأميركية دورة تأهيلية في برلين استمرت أشهرا لكوادر من المعارضة السورية تحت عنوان «ذا داي أفتر» (اليوم التالي لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد).
وبغضّ النظر عن الدوافع وراء الرغبة الفرنسية، وثبات ألمانيا على معارضتها المعلنة، فإن الحظر سيرفع إذا استمرت فرنسا وبريطانيا على مواقفهما، لأنّ تمديد حظر تزويد المعارضة السورية بالأسلحة يحتاج إلى موافقة كلّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي سيكون متعذّراً في هذه الظروف.