تعدد الوثيقة، أولاً، أهم القوى والكتائب العسكرية ذات الانتماء الاسلامي المتحشدة اليوم حول دمشق وضمن مناطق الكثير منها معزول عن بعضه البعض، تأهباً «للغزوة المبينة»:
«جبهة النصرة لأهل الشام»: تابعة لأبو محمد الجولاني، ويتمركز منهم في دمشق وريفها نحو ٣٥٠ إلى ٥٠٠ مسلح بإمرة وائل محمد المجدلاوي. عناصر تابعة للجيش الحر وهم من أصحاب السوابق الجنائية بمعظمهم، تعدادهم في ريف دمشق نحو ٨٠٠ إلى ١٥٠٠ مسلح. القاعدة المركزية التي تتواصل معهم تقع في جنوب تركيا في مقاطعة هاتاي. أحرار الشام: من ٢٠٠ إلى ٥٠٠ عنصر. كتائب الصحابة: أصوليون عددهم ٢٠٠٠ إلى ٢٥٠٠ عنصر. كتيبة شهداء الرامي: تتمركز في بساتين الرازي وبينهم عرب وأجانب وعددهم من ٥٠٠ إلى ٨٠٠ عنصر. لواء الاسلام: من ٢٠٠ إلى ٦٠٠ عنصر. اتحاد كتائب الغوطة: من ٥٠٠ إلى ١٢٠٠ عنصر، وليس لها قيادة مركزية. كتائب الوحدة الوطنية: من ٣٠٠ حتى ٩٠٠ عنصر متمركزة في ريف دمشق. كتيبة شهداء الثورة السورية: من ١٥٠ حتى ٢٥٠ مسلحاً، وتتمركز في القدم. كتيبة شهداء المزة: تتمركز في منطقة مخالفات المزة. أجواء درع الغوطة: في منطقة الغوطة ومحيطها، مؤلفة من ٤٠٠ عنصر، وتصل أحياناً قوة وحداتها إلى ٩٠٠ عنصر. أحرار باب سريجة: من ١٠٠ إلى ٢٥٠ عنصراً في منطقة باب سريجة في دمشق. كتائب جيش الشام: من ٣٠٠ الى ١١٠٠، والرقم الأخير هو ذروة الحشد لديها. المجلس العسكري الثوري في دمشق وريفها (غير معروف العدد). قائده خالد الحبوس يتمركز في منطقة داريا والصبارة. كتائب الفرقان: قائدها محمد ماجد الخطيب الملقب بـكلينتون والنسر الأحمر، كان يعمل سائس خيل في منطقة داريا. كتائب أم المؤمنين: من ٤٠٠ إلى ١٢٠٠ مسلح في المعظمية وداريا، قائدهم أسامة مرعي من أصول تركمانية وله صلات وثيقة بالاستخبارات التركية. كتيبة شهداء ركن الدين: نحو ٦٠٠ مسلح، وقائدهم سعيد وائلي ملقب بـ«أبو رشيد»، قتل أثناء عملية فاشلة استهدفت مخفراً للشرطة في حيّ ركن الدين. كتائب الصحابة: قائدها سائق سيارة أجرة سابق على خط بيروت دمشق، لقبه أبو تيسير. كتيبة الفيحاء من ٢٠٠ إلى ٥٠٠ مسلح.
قصة أول هجوم على دمشق
تشير الوثيقة إلى أنّه «لفترة معينة ظلّ الحراك العسكري موزعاً في المحافظات، ومن دون توقف للحراك السلمي. كان الحراك الأول يحمي الحراك الثاني المتمثل بالتظاهرات. بعد ذلك تحوّل الأمر إلى مبادرات لكتائب الجيش الحر بشنّ هجومات على مواقع عسكرية تابعة للنظام، وتنفيذ عمليات اغتيال للعاملين معه».
وتضيف أنّه «ضمن هذا التوجه الجديد، تطورت مهام الحراك العسكري نحو اعلان بعض المناطق محررة من سيطرة النظام عليها. وروزنامة هذا التحول حدثت بالتتالي، أولاً في بابا عمرو في حمص، ثم في ريف دمشق والزبداني والقلمون وجبل الزاوية في ادلب والحولة في ريف دمشق. وعلى اثر هذا التحول قام النظام بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق كما حدث في بابا عمرو والزبداني وريف دمشق بخاصة. وسببت هذه المعارك هجرة المدنيين الكبرى باتجاه لبنان والأردن وتركيا. كما توجّه جزء من النازحين باتجاه دمشق وحلب والنبك والسويداء».
وتلفت الوثيقة إلى أنّه «في هذه المرحلة تصدّر الحراك العسكري الثورة، وأصبح هو كل معناها. وجرى في هذه الفترة توافق بين كل قوى الحراك العسكري في المحافظات على نقطتين اثنتين:

الأولى، تعزيز قوتهم العسكرية وعمليات التنسيق. الثانية، بدء الاستعداد لحراك عسكري واحد متفق عليه في ساعة واحدة هدفه اسقاط النظام بالضربة القاضية. وأطلقت قوى الحراك العسكري في اجتماعاتها على هذا المشروع اسم «ساعة الصفر». وكان الاتفاق على اطلاق هذه الساعة من دمشق، ثم تستجيب لها باقي المحافظات في نفس التوقيت، وتقوم اثر ذلك كل هذه المحافظات بعد تحررها، بالزحف على دمشق لمساندة الحراك العسكري فيها الذي يكون في حالة اشتباك مع النظام. وتم إعطاء الكثير من الثقة بأن هذه الخطة سوف تقضي على النظام في غضون أسبوع على الأكثر».
تحت عنوان «من دون إنذار»، تقول الوثيقة: «ودون تنسيق مسبق مع المجلس العسكري في المحافظات أو كتائب الجيش الحر، قام رئيس إحدى المجموعات المسلحة من ريف دمشق في دوما (يدعى أبو علي) مع مجموعة مسلحة قوامها نحو ثلاثة آلاف مسلح، بالدخول إلى حيّ الميدان الدمشقي صباح يوم ٢٦ شعبان والسيطرة عليه، وأيضاً على حي الزاهرة القديمة. ووزع أبو علي مجموعاته المسلحة على مداخل الميدان ووضع حواجز للجيش الحر، ونشر مقطع فيديو يتحدى فيه بشار الأسد، ويهدده بدخول قصره وبيته، ويخبره أنه أصبح الآن في وسط دمشق.
على الفور قام النظام بإرسال تعزيزاته العسكرية لتطويق حيي الميدان والزاهرة، وذلك صباح يوم الأربعاء ٢٨ شعبان، ووضع الدبابات على مداخل حي الميدان، وقام بقصفه بالدبابات والدوشكا والمدفعية حتى يوم الجمعة ١ رمضان».
وجه المسلحون في حيّ الميدان نداء استغاثة إلى جميع الكتائب العسكرية الموجودة في دمشق (وكانت خلايا نائمة) وحولها لأن يهبّوا جميعاً حسب الاتفاق، لمحاربة النظام وفق خطة ساعة الصفر. وبالفعل هبت الكتائب للاشتباك مع النظام في جميع مناطق دمشق وريفها التي كان يتمركز فيها الجيش الحر، وهي القدم ــ العسالي ــ سبينة ــ الحجر الأسود ــ التضامن ــ دف الشوك ــ كفرسوسة ــ بساتين المزة ــ داريا ــ المعظمية ــ الديابية ــ السيدة زينب ــ يلدا ــ ببيلا ومنطقة مخيم اليرموك. وسميت هذه الأحداث بمعركة دمشق.
وتفيد الوثيقة أنّه «يوم الخامس من رمضان، قامت قوات النظام وبعد قصف عنيف واشتباكات مسلحة في حي الميدان بإخراج كتيبة أبو علي منه. وسيطرت قوات النظام على الحي، ودهمته واعتقلت المئات منه، ووضعت الحواجز على جميع مداخله. ثم تابعت قوات النظام طيلة شهري رمضان وشوال حملة عسكرية شاملة على جميع المناطق الساخنة في دمشق وريفها».
استنتاجات
تورد الوثيقة ملاحظات على معركة دمشق هذه، أبرزها: أولاً: أدت هذه المعركة إلى تهجير جميع السكان المدنيين من منازلهم في جميع المناطق المشار إليها أعلاه. ثانياً: خلال الحملة العسكرية التي أعقبت هجوم مسلحي أبو علي على دمشق، بلغ عدد القتلى يومياً من الطرفين نحو ١٠٠ قتيل كحد أدنى. وفي بعض الأيام، تجاوز عدد القتلى هذا الرقم (بين ١٢٠ و١٤٥ قتيلاً). ثالثاً: مهدت معركة دمشق الطريق للنظام للقيام بحملات عسكرية ضخمة كان يحاذرها خلال بداية الحراك، وذلك تحت تبرير قدمه للرأي العام الخارجي والداخلي مفاده أنه يقاتل ضد مجموعات مسلحة واضحة للعيان تتواجد في قلب دمشق وتهدد أمن مواطنيها. رابعاً: عدم نجاح خطة «ساعة الصفر» نشرت اليأس بين المعارضين وقواعدهم الشعبية، خاصة وأنه كان هناك تفاؤل مبالغ فيه بنجاحها. واكتشف هؤلاء أن المعركة العسكرية لن تحسم بسرعة كما كانوا يتوقعون، بل أنها ستطول كثيراً. وأدى انتشار هذه القناعة إلى انحسار الدعم الشعبي للحراك المسلح، كما بدأت تخف مصادر التمويل الداخلية للمعارضة المسلحة. خامساً: بعد معركة دمشق الأولى، بات النظام يسيطر أو يطوّق معظم المناطق التي كانت محررة في دمشق، وجميعها تعرضت للتدمير: كالميدان، وجزء من الحجر الأسود، وجزء من يلدا، والقدم، وببيلا وكفرسوسة والمزة، بينما ما زالت كتائب «الحر» تسيطر على جزء كبير من الحجر الأسود، ويلدا، والتضامن، وجزء من العسالي وسبينة. سادساً: من تداعيات معركة دمشق أنه بتأثيرها توقف الحراك السلمي والتظاهرات في جميع المحافظات السورية.