ردّ الفعل الفوري لمواقع إلكترونية روسية على تفجير تموز الماضي في دمشق، الذي أودى بحياة أربع من القيادات السورية، يفشي عادة بما تفكر فيه دوائر القرار الروسية. الردّ جاء موحداً بشكل لافت، ويمكن تلخيصه بعبارة واحدة متكررة، جاءت كجرس إنذار عاجل: «لقد بدأت عملية اصطياد الأسد».
المواقع نفسها، التي تستقبل تسريبات مراكز أبحاث شبه رسمية، عادت منذ السابع من هذا الشهر إلى قرع الجرس ذاته، تحت عنوان تقديمي يستعيد سابقه: «اصطياد الأسد». ويحمل نفس قوة الهواجس، وتتحدث عمّا قالت إنّه مخطط لاغتيال الرئيس السوري؛ وفي ملخصه يجزم الخبر بأن الأميركيين بنوا في الصحراء الأردنية نموذجاً (ماكيت) لمقر الأسد، ويقودون فيه تدريبات لمسلحين سوريين.
النشر الروسي حول الموضوع استند في أصله إلى خبر نشرته الصحيفة الإيطالية «كارييري ديلا سيرا» على موقعها الإلكتروني في الخامس من الشهر الجاري، وأزالته في النهار نفسه. ويقدر موقع «غلوبال كونفليكت» الروسي أنّ «شخصاً ما، على ما يبدو، ولسبب ما، «همس» في أذن هيئة تحرير الصحيفة أنّ من غير المقبول أن تنشر، في كشف علني، ​​حيثيات عملياتية جارية تقوم بها واشنطن وحلفاؤها في سياق النزاع الداخلي السوري». ولكن «الهمس» على ما يبدو لم يقتصر على الصحيفة الايطالية، بل طال كذلك النشر الروسي نفسه، و«الهمس» متعدد الأطراف، ويسير في اتجاهات مختلفة، مرة ضد نشر الخبر، وأخرى لصالحه.
ويكتب سيرغي فيلاتوف، المهتم بقضايا المنطقة، في موقع «برافدينفورم» الروسي عن الموضوع ذاته قائلاً: إلى الشمال من العاصمة الأردنية عمان تم إنشاء نموذج يتألف من 67 مبنى ومطار بطائرة ركاب، سفارة خيالية وطرق ومهابط الطائرات. ومما له دلالته أنه كان قد تم بناء هذا المركز العملياتي التمثيلي منذ عام 2009. أي قبل الحرب في سوريا، ما يؤكد أن الأميركيين كانوا بالفعل على علم بأن أيام الأسد وشيكة، وأنه سوف يكون من الضروري التدرب على قتله». ويضيف: «تم تجهيز المركز بمواقع لإطلاق النار من أسلحة مختلفة. وفيه تحديداً يقوم أميركيون وفرنسيون وبريطانيون بتدريب عناصر من الجيش الحر، ممن يفترض أن يكونوا «الشباب الأخيار» في مواجهة «الشباب الأشرار» من القاعدة وحلفائها».
ونشرت صحيفة «زيركلا نيديلي» الأوكرانية مقتطفات من المقال الذي كتبه غيدو إليمبو في «كورييري ديلا سيرا»، حيث يقول: «تنقل صحيفة لو فيغارو الفرنسية بعض التفاصيل السرية الإضافية حول هذا النشاط، فتتحدث عن وجود أعداد من القوات الأميركية من القوة الخاصة «دلتا فورس» في موقع آمن في ضواحي بيروت. ووفقاً للصحيفة، فإن القوات الأميركية تنفذ عمليات توغّل دورية داخل الحدود تمريناً للوصول إلى معايشة الأرض السورية استعداداً لعملية سيطرة محتملة على أماكن تخزين الأسلحة الكيميائية، مع الإشارة إلى أن تنفيذ المهمة الأميركية الأوروبية سينطلق من قواعد في الأردن».
ويضيف غيدو أليمبو في مقاله: «في المركز العملياتي الأردني يجري تدريب هؤلاء على التعامل مع الأسلحة المضادة للدبابات، ونظم القتال في المناطق المأهولة، وإعداد الكمائن، ومواجهة وحدات الجيش التقليدية، واستخدام التكتيكات التي تساعدهم على ردع هجمات حرس الأسد. ومن المرجح أن ترتبط أنشطة مركز التدريب بالإمدادات العسكرية من كرواتيا، التي تموّلها السعودية. مع ملاحظة أنه لا يمكن تنفيذ برنامج تدريبي من هذا النوع دون الحصول على موافقة الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق، إلى جانب الأردنيين والإسرائيليين، إزاء تعزيز مواقع وقوة «القاعديين» في سوريا. ومع ذلك، فإن المعطيات تؤكد أن بعض الأسلحة لا تزال توضع تحت تصرف كتائب جهادية».
ويقدّر الموقع الإلكتروني لصحيفة «كي. إم.» الروسية أن ما نشرته «كورييري ديلا سيرا» دفع وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى الاعتراف علناً بأن الغرب يدرب المتمردين السوريين، حيث أكد لقناة «فوكس نيوز» أن واشنطن تدرب مقاتلي الجيش السوري الحر، قائلاً إنه بهذه الطريقة يأمل دفع الرئيس الأسد إلى «تغيير حساباته».
لا تخلو هذه الأخبار المتداولة من مبالغات. فـ«منشأة _ مدينة» من 67 مبنى، مثل التي تتحدث عنها هذه الأخبار، لا يمكن بناؤها في الأردن بعيداً عن الملاحظة، لا سيما في المنطقة المشار إليها، علماً بأنّ الموقع المرجح لذلك، إن صدقت التسريبات، هو في مكان بعيد عن أنظار عدسات الإعلام الذي يتردد على مواقع مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود، وتحديداً في العمق باتجاه الحدود العراقية، في مكان سبق للأميركيين استخدامه في غزو العراق.
وعموماً، ليس من المهم أن بعض «الكلام الالكتروني الروسي» يمرّر مبالغات على نحو غير مفهوم؛ إذ هذه تنسب في العادة إلى مصادرها الأخرى، ليبقى المهم أن الكلام نفسه يأتي بصيغة جرس إنذار، وربما تحذير!
من جهة أخرى، فإنّ الاستعدادات المشار إليها ليست سوى مخطط لانقلاب يتم من خلال عملية اقتحام مفاجئة، تؤدي إلى اغتيال الأسد، أو تحييده بعيداً عن أنصاره والإعلام، لإمرار فكرة انقلاب (ولو على مستوى إعلامي على غرار عملية طرابلس في ليبيا)، بما يدفع أركان الدولة والجيش إلى التفكير والتصرف على أساس البحث عن فرص الخلاص الشخصي. ومما له معنى في هذا السياق أن الخبر لا يتحدث عن «السي آي إيه»، المصرّح لها بالقيام بعمليات اغتيال في الخارج، ويسمي بدلاً منها «البنتاغون» كمهندس ومنظم للعملية، بما يعني أن الموضوع قيد الترتيب يرقى إلى مستوى عملية عسكرية ذات أسلوب أمني.
وتجمع الأخبار المتداولة على أن العملية تقوم على قاعدة تدريب مسلحين سوريين لتنفيذها، ومن الواضح أن هؤلاء ليسوا القوة الضاربة المرشحة للقيام بالمهمة، ولكنهم حصراً «أبطال» السيناريو المفترض. كذلك من الواضح أيضاً أن مهمة هؤلاء تكمن في الظهور في واحد من المقار الرسمية السورية، بينما ملاحقة الأسد بغية السيطرة عليه أو اغتياله هي في عهدة قوة خاصة مختصة.
من اللافت أن اسم وزير الخارجية السوري وليد المعلم تكرر في أغلب الأخبار ثانياً بعد الرئيس السوري في قائمة الاستهداف، بدلاً من ماهر الأسد، وفي ما يبدو أن الطامحين إلى الاستهداف انتقلوا من البحث عن أهداف دعائية ضد «العائلة» إلى أخرى واقعية تضرب مفاصل قوية في النظام.