رام الله | أثارت حادثة إعدام الشبيبة الفتحاوية مجسّماً لأمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، في جامعة الخضوري بطولكرم ردود فعل مندّدة في الأوساط السياسية الفلسطينية. وبينما سارع الرئيس محمود عباس إلى إدانة هذا الفعل، واصفاً إياه بأنه «لا يعبر عن موقف دولة فلسطين وشعب فلسطين تجاه قطر»، مقدّماً اعتذاره للأمير القطري، رأت حركة «حماس» على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري، أن الاعتذار لا يكفي. وطالب السلطة الفلسطينية باعتقال من وصفتهم «بالمسيئين لقطر». الحادثة تأتي بعد نحو أسبوع من تبرع قطر بمبلغ ربع مليار دولار لصندوق دعم القدس في القمة العربية الأخيرة، ودعوة أميرها إلى عقد قمة أخرى مصغرة للمصالحة الفلسطينية في القاهرة، بحضور ممثلين عن «فتح» و«حماس»، والدول العربية. الأمر الذي أثار حفيظة حركة «فتح»، ورأت فيه تجاوزاً للشرعية الفلسطينية، وتقويضاً لوحدانية التمثيل للشعب الفلسطيني، في مقابل ترحيب حركة «حماس» بالفكرة.
ورغم تنديد عباس بحادثة شنق مجسم الأمير، فان الاستياء الفتحاوي من الدور القطري في فلسطين لم يقتصر على جماهير الحركة وقواعدها الطلابية والشعبية فحسب؛ اذ إن تصريحات القادة الفتحاويين جاءت أيضاً لتصب في الاتجاه نفسه. واعتبر المستشار السياسي لرئيس السلطة، نمر حماد، أنّ «الدعوة إلى أيّ قمّة عربية مصغرة، يفترض بها تكريس وحدة التمثيل الفلسطيني، وأن هناك مرجعية واحدة لشعبنا، وبالتالي هناك ممثل واحد للشعب الفلسطيني في أي مؤتمر رسمي، سواء كان قمة عربية أو إقليمية أو دولية».
كلام مماثل كان قد صدر أيضاً عن عباس نفسه، بينما رأى المتحدث الرسمي باسم الحركة أحمد عساف، أن تلك الدعوة «فتحت شهية حركة «حماس» من أجل فرض نفسها كممثل للشعب الفلسطيني بالاستقواء بأطراف خارجية». أما عضو اللجنة المركزية للحركة محمود العالول، فقد عبر صراحة عن توجس حركته من مواقف دولة قطر، قائلاً إنها «لا تريد الوحدة، إنما تسعى إلى تكريس الانقسام».
هذا التوجّس الفتحاوي إزاء قطر تعزّز بصعود قوى الإسلام السياسي في المنطقة، وسقوط قوى أخرى كانت أكثر قرباً من السلطة، ولا سيما في مصر. وإن حاول الطرفان كبت الخلافات بينهما، والتعاطي بنوع من الدبلوماسية كلٌّ تجاه الآخر، لكن تلك الخلافات كانت تطفو على السطح عند أي مناسبة.
على مدار السنوات الماضية، سُجلت مجموعة من الأحداث والتصريحات التي تعكس هذه البرودة الفاضحة بين الطرفين. منذ التصريح الشهير لوزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني عن عباس بأنهم «سيذبحونه من الوريد إلى الوريد»، عندما امتنع الأخير عن حضور قمّة غزة إبان العدوان عليها في 2008 - 2009، وليس انتهاءً بالمواقف الفتحاوية الأخيرة تجاه المبادرة القطرية للمصالحة.
ويمكن القول، إن القلق الفتحاوي لا يتوقف على الدّور السياسي لقطر في المنطقة، وإنما يمتدّ إلى الأدوار الإعلامية والدينية التي باتت تضطلع بها.
على المستوى السياسي، لم يكن رفض أبو مازن لمرافقة أمير قطر في زيارته الأخيرة إلى غزة إلا تعبيراً عن تشدّد القيادة الفلسطينية إزاء ما تسمّيه «وحدانية التمثيل الفلسطيني»، إضافة الى رفض التقرب القطري من حركة «حماس»؛ الزيارة التي أفضت إلى تبرع قطر بمبلغ 450 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع، فتحت الباب أمام زيارات أخرى متوالية لسياسيين ودبلوماسيين ونشطاء وفنانين من مختلف دول العالم، على وقع تنديد القيادات الفتحاوية.
وبالتوازي مع ذلك، أسهمت قطر في توطيد علاقات حركة «حماس» مع دول المنطقة، ولا سيما تركيا، ودول الخليج. وكان لها دور كبير في إنجاح الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة المقالة في غزة، إسماعيل هنية، إلى دول المنطقة. كل ذلك أثار خشية «فتح» من تنامي شرعية «حماس» في المنطقة، وتقويض شرعية منظمة التحرير، التي لا تضم «حماس»، بصفتها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
وقبل أن تعلن قطر عن مبلغ ربع مليار لدعم القدس، كانت هناك تصريحات متكررة للرئيس أبو مازن عن وجود دول عربية لم تلتزم بالدفع للسلطة الفلسطينية إبان قطع أموال الضرائب عنها، وذلك بعد توجهها إلى الأمم المتحدة لرفع درجة تمثيلها.
ولئن تكتم عباس عن ذكر تلك الدول، فإن بعض القيادات من «فتح» والحكومة الفلسطينية أعلنت صراحة أن قطر كانت واحدة من تلك الدول المعنية والممتنعة عن الدفع. لكن في الوقت نفسه، جرى الحديث عن رفض الحكومة الفلسطينية عرضاً قطرياً سخياً بدفع رواتب قطاعي الصحة والتعليم بشكل مباشر، وليس عن طريق مؤسسات السلطة؛ وكأن في ذلك نية الغرض منها عدم تقديم أي دعم لسلطة أبو مازن.
على الصعيد الإعلامي، مثلت حلقات «كشف المستور»، التي عرضتها الجزيرة قبل نحو عامين، الانفجار الذي دفع «فتح» بقياداتها وشبابها إلى اتخاذ موقف حاد تجاه قطر. وفيما كانت تتوقع القناة خروج الشباب الفلسطيني إلى مقر المقاطعة في رام الله، لا سيما أن عرض الحلقات جاء مباشرة بعد نجاح الثورة التونسية، هاجم العشرات من الفتحاويين، في ردّ فعل عكسي، مكتب «الجزيرة» في رام الله. وعلقوا صوراً مندّدة بالقناة.
وفي وقت لاحق، بثت «الجزيرة» تحقيقاً عن ملابسات وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات حمل عنوان «ماذا قتل عرفات»، بعد يوم واحد من حادثة اعتداء الشرطة الفلسطينية على نساء منددات بزيارة نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك شاؤول موفاز.
وبين تلك الحوادث، لا بد من ذكر الفتوى الشهيرة التي أصدرها الداعية الاسلامي يوسف القرضاوي، الشخصية الدينية الأبرز في قطر، بتحريم زيارة القدس. اعتبر القرضاوي أن زيارتها تطبيع وشرعنة للاحتلال، وذلك بعد دعوة عباس العرب لـ«شد الرحال» إليها في مؤتمر القدس الذي انعقد في الدوحة. ولم تكن تلك المشادة الوحيدة بين القرضاوي والسلطة؛ إبان العدوان على غزة عام 2009، قال القرضاوي من على منبر الجمعة إن «عباس يستحق الرجم إذا حرض على ضرب غزة». عقب ذلك، أقدم بعض الشباب الفتحاوي على تعليق صور ضخمة للقرضاوي وهو يصافح بعض حاخامات اليهود على أبنية رام الله، وعُممت على مساجد الضفة خطب تهاجم القرضاوي.