القاهرة | خمسة أعوام مرت على انطلاق حركة «6 أبريل» منذ أن نشأت في 2008، لم تكن خلالها الحركة بمنأى عن انقسامات حادة بين أطرافها الثلاثة، وهو ما يلقي بظلاله على إحياء ذكراها الخامسة، التي تنطلق فاعلياتها اليوم. جبهة أحمد ماهر أعلنت تنظيم تظاهرات في عدد من المناطق الشعبية احتجاجاً على الغلاء والبطالة والانفلات الأمني، في الوقت الذي تبحث فيه الجبهة الديموقراطية للحركة تنظيم تظاهرات مفاجئة في القاهرة، ثم السفر للمحلة لإحياء ذكرى مرور 5 سنوات على انتفاضة 2008، مفضلة سرية التظاهرات خوفاً من اختراقها من قبل الأمن أو مثيري الشغب أو تدخل الإخوان لإجهاض التظاهرات. أما طارق الخولي، مؤسس «حزب 6 أبريل» تحت التأسيس، والمنشق عن الجبهة الديموقراطية، فأعلن عقد مؤتمر لتكريم عدد من السياسيين والإعلاميين، لدورهم في دعم الثورة، وكدعم معنوي لهم ضد الهجمة الإخوانية الشرسة عليهم. وقد تكون الانقسامات التي أصابت الحركة جزءاً من مشهد عام تعانيه الحركات الاحتجاجية بعد سنوات من مقارعتها النظام في مصر، كانت في صدارتها حركة «كفاية»، التي نشأت في أواخر 2004. وكانت في حينه أول حركة تعارض مبارك بنحو صريح ودعت إلى إسقاطه.
محمد عبد العزيز، أحد شباب الحركة، يسترجع تلك الفترة ودور «كفاية» بقوله إنها كانت بمثابة شرارة الانتقال من معارضة رئيس الوزراء فقط إلى معارضة رأس النظام المتمثل في الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وتنظيم تظاهرات ضده. الحركة استمر زخم نشاطها إلى 2006، ونتيجةً لظروف معينة فرضها النظام السابق وقبضته التي ازدادت وحشية واعتقال العشرات من أعضاء كفاية، قلّت التظاهرات السياسية، واستُبدلت بها المشاركة في فاعليات الاحتجاجات الاجتماعية بنحو تضامني مع العمال.
ويؤكد عبد العزيز أن «كفاية» هي الإصبع الذي ظل يشير منذ 2004 إلى الطريق الثوري، فشعارها «لا للتنديد لا للتوريث»، الذي رفعته منذ انطلاقها، ساعد في كسر حاجز الخوف لدى المصريين والخروج في ثورة «25 يناير» للمطالبة برحيل النظام.
ما بدأته حركة كفاية لاقتها فيه حركة «6 أبريل» التي تأسست كحركة شبابية تحتج سياسياً على النظام، وكان إضراب عمال مصانع الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى، إحدى المدن المصرية الصناعية، مفصلياً في حراكها.
محمد عادل، أحد مؤسسي الحركة، يشير إلى أن النجاح الذي حققه هذا الإضراب يرجع لدعوات النشطاء الشباب لجميع المواطنين للمشاركة في هذا اليوم عبر مدونات عديدة على عكس فشل الإضراب في العام التالي 2009، مرجعاً السبب إلى محاولات الأمن المصري بالتدخل لتخريب الحركة، التي اضطر الشباب إلى إعادة بنائها.
عادل يؤكد أن الحركة أُعيد بناؤها، واستعادت نشاطها مع شريحة الشباب أواخر 2009 ونشطت عموماً مع قيام الثورة، التي رفض خلالها شباب الحركة الاعتماد على الأحزاب المصرية، التي يرون أنها معارضة مستأنسة للنظام السابق. وهو ما تفعله الآن «الاحزاب السلفية تجاه نظام الحكم الحالي الإخواني».
وعن تطور وسائل الاحتجاج لدى حركة 6 أبريل، يقول حجازي إن الحركات الاحتجاجية، تعد أداة تمهد الطريق لممارسات ومساومات سياسية لتوصيل الصوت للسلطة، وتطور أسلوب الاحتجاج أمر طبيعي. فعندما تفقد الأدوات تأثيرها أو تبدأ السلطة بالتكيف معها، تفكر الحركة في تطوير أدواتها. والإبداع في هذه الأمور قد يبدو للبعض مستهجناً مثلما استهجن المصريون تظاهر «6 أبريل» أمام منزل وزير الداخلية وهم يحملون الملابس الداخلية، للتعبير عن أنهم ينامون في سرير أي نظام مهما كان.
ويشدد حجازي على أن تطور الاحتجاج يأتي في مصلحة سلمية هذه الحركات؛ «فالبديل الطبيعي لعدم فاعلية الصوت الاحتجاجي السلمي هو التحول إلى اللاسلمية، وهذا ما نعانيه في بعض الاحوال».
ولكن الحركة لم تتماسك، بل أصابها أيضاً الانشقاق لتصبح 3 فروع، جميعها فضلت الاحتفاظ بالمسمى نفسه. حجازي يصف الانشقاقات بـ«الأمر الطبيعي والصحي». فمن الطبيعي في أي عمل جماعي أن تختلف التوقعات والآراء بين أعضاء الحركة بسبب اختلاف طبيعية الحركة وأهدافها من آن لآخر. فمثلاً، أهداف كفاية و 6 أبريل أثناء النظام السابق لم تكن هي الأهداف نفسها عقب رحليه. وأضاف: «كذلك، يرى البعض أن التظاهرات وسيلة وليست غاية، والبعض الآخر يرى أنها غاية في حد ذاتها، وهذا لا يعني تراجع المجموعة عن هدفها، ولكن هذا يسبب الانقسامات والانشقاقات».
في ظل تراجع دور «كفاية» وانقسام «6 أبريل»، برز «ائتلاف شباب الثورة»، كإحدى أهم الحركات التي تأسست عقب ثورة «25 يناير». اتخذ الائتلاف من ميدان التحرير موقعاً لتشكيله ومن يوم 4 شباط 2011 موعداً لانطلاقه. اشترك في تأسيسه نشطاء من أحزاب مختلفة، ممن كانوا ينسقون معاً في مختلف الفاعليات التي سبقت الثورة.
خالد تليمة، الشاب اليساري، وأحد أعضاء الائتلاف المنحل، يقول إنه كان هناك ضرورة ملحة لوجود كيان يكون معبّراً عن جميع القطاعات وموجوداً بنحو دائم، وله رؤية تظهر للمواطنين، لتنظيم الحركة الشعبية التي لم يكن لها قائد. وأضاف: «عندما فوجئنا بقبول بعض الشباب للتحاور مع رئيس المخابرات العامة المصرية السابق عمر سليمان، باسم شباب التحرير، كان يجب تشكيل كيان يؤكد أن شباب التحرير ليس هم من جالسوا سليمان وتفاوضوا معه».
أما بعد تنحي مبارك، فعقد الائتلاف العديد من الاجتماعات لتوحيد الجهود واتخاذ مواقف صريحة من السلطة الموجودة في ذلك الوقت، وهي المجلس العسكري. وأجندته هي نفس أهداف الثورة. وأضاف: «إلا أن الائتلاف تعرض لمحاولات اختراق امنية او شق صفه، ونجحت السلطة بالتعاون مع اطراف اخرى لا نعلمها لخلق ضبابية حول مواقف الائتلاف بخلقهم العديد من الائتلافات التي وصلت إلى أكثر من 160، وذلك عندما دعا له المجلس العسكري، بمسرح الجلاء».
ويعترف الشاب اليساري بأنه آن أوان حل الائتلاف، وأنه أحد المؤيدين لقرار الحل، ولا سيما بعدما بدأت تطفو الخلافات الفكرية بين أعضائه، ولم يعد يؤدي دوره المنوط به. وأكد أن حل الائتلاف لا يعد تفتيتاً لحركة شبابية نشأت بالميدان. ولكنه يرى أن الاحزاب الوليدة بعد الثورة ومنها الدستور والتحالف الشعبي الاشتراكي، ومصر القوية، استطاعت ان تستوعب الشباب كل حسب فكره الخاص، وهذا أفضل كثيراً. وهو ما فسره حجازي أيضاً بأن اختلاف الأيديولوجيات كان من الطبيعي أن يؤدي إلى هذه النتيجة. لكن هذه الاختلافات اقترنت بانخفاض الأعداد المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات الشعبية. حجازي يؤكد أن تظاهرات اليوم لم تكن بنفس قوة نظيرتها السابقة، بسبب ما أصاب الشارع السياسي والمصري عموماً بحالة من الكلل الثوري من جهة وتراجع ثقة جزء من الشارع بصدقية بعض الحركات.
على النقيض، يرى محمد عادل، أحد المشاركين في فاعليات احياء ذكرى «6 ابريل»، اليوم أن الحركة لم يتراجع تأثيرها بالشارع المصري. وعن عدم التنسيق بين الحركات الشبابية في ما بينها، قال: «بالفعل كان هناك اختلاف في الرؤى بيننا في الفترة السابقة، إلا أننا أنهينا العديد من هذه الخلافات»، مشيراً إلى أن التأثير سيكون كبيراً في الايام المقبلة وأولها فاعليات اليوم.
أما القيادي في حزب الوفد، عبد الله المغازي، فيؤكد أن انعدام التنسيق بين الحركات الاحتجاجية المختلفة وجبهة الانقاذ الوطني يؤثر سلباً على صورة وحجم المعارضة أمام السلطة الحاكمة.
المغازي يتمني أن تعود المعارضة موحدة كما كانت قبلاً، مشيراً إلى أن شباب جبهة الإنقاذ تسعى قدر الإمكان لتنسيق مواقفها مع مختلف الحركات الاحتجاجية، «ولكن حال المعارضة المصرية كحال المعارضة عموماً، فلا يوجد في العالم معارضة موحدة المواقف».