دمشق | انفجار ضخم هزّ أرجاء العاصمة السورية، والدخان ملأ سماء المدينة. سيارة مفخخة ماضية في طريقها على عجل لتقطع ساحة الشهبندر وتصدم عربة أحد عمّال التنظيفات ثم تنفجر على منتصف الطريق قرب مبنى رئاسة مجلس الوزراء القديم، وبالقرب من مبنى المصرف المركزي حيث تتجاور عدة مبانٍ حكومية أخرى. لحظة خاطفة، تقدر بأجزاء بسيطة من الثانية الواحدة، ربما تكون كافية في دمشق لتنقلك من الحياة إلى الموت. يتسابق الصوت وقوة الضغط الهوائي في اللحظة الخاطفة نفسها، على دفع جسدك الطري والهش، كي تصل إلى الأرض بسرعة. ربما لم تكن تدرك يوماً مدى ضعف جسدك، ومقدار هشاشته وليونته، ما لم تشهد انفجاراً كبيراً في حياتك القصيرة. يعلو صراخ المارة. يتراكض الناس في جميع الاتجاهات. إنه السباق نفسه مع الموت، يشهد جولة جديدة في وسط العاصمة دمشق. يطلق رجال الأمن والجيش النار في الهواء لتفريق الحشود المغلوبة على أمرها، لفتح الطريق أمام سيارات الإسعاف والإطفاء على حد سواء. ساحة السبع بحرات الشهيرة هذه المرة. عقر دار مؤيدي النظام، والمكان الأكثر تهديداً منذ بداية الأزمة خلال فترة احتضانها للمسيرات والنشاطات المؤيدة. ولسوء حظ السوريين من المدنيين، فقد وقع الانفجار قبالة مدرسة إعدادية للبنات، ما أدى إلى وقوع إصابات بين الطالبات وتفحّم عدد من المارة. سيارة تفحّم أيضاً من في داخلها. مبانٍ قد تطاير بعض سكانها من النوافذ مع الزجاج المتناثر، بحسب شهود في المكان. جثث مجهولة الهوية. أشلاء لسوريين لم يسألهم أحد عن موقفهم السياسي، وربما بعضهم لم يفكّر يوماً في أن يعطي رأيه، بقدر ما رغب في تأمين لقمة عيش أبنائه.
غابت رائحة أزهار الربيع، التي تفتحت قبل أوانها، وحلت مكانها رائحة احتراق السيارات المشبعة برائحة الجثث المحترقة. تعلم السوريون سريعاً التعامل مع المصائب والحوادث والتفجيرات التي تحولت إلى وجبة يومية لا مهرب منها. العشرات من أصحاب الإصابات الخفيفة، والجروح السطحية، وجدوا من يساعدهم ويقدم لهم الإسعافات الأولية من أبناء المحال التجارية والمنازل المجاورة.
«مانها محرزة إصابتك يا أخي لا تخاف. فوت عالمحل لأسعفك خلّي سيارات الإسعاف تتفضّى لأصحاب الإصابات الكبيرة»، يقول صاحب متجر لمصاب بجرح في يده. في الزقاق المؤدي إلى موقف عين كرش القريب من مكان الانفجار، التفت سريعاً إلى طفلين آخرين لم يتجاوزا العاشرة من عمريهما، يركضان بسرعة ويصرخان «أيمن مات... مراد صار شقف». نستفسر عن الأمر فيجيبنا أحدهما وهو يرتجف: «نحن أربعة نعمل في تلميع الأحذية على الرصيف... مراد وأيمن طاروا وأنا شفت كيف صاروا شقف». لا تجد تفسيراً للمشهد، ولا حتى حجة لإقناع نفسك بفكرة موت أطفال دمشق، بمثل هذه الطريقة البشعة.
بعض الحراس المرابطين قرب المصرف كانوا الهدف الأسهل للموت المباغت، ليتبيّن أن حصيلة ضحايا الانفجار 15 شهيداً وحوالى 146 جريحاً بعض إصاباتهم خطرة.
نساء وضعن حجاباتهن على عجل وهرعن إلى ساحة السبع بحرات في محاولة لمعرفة أي خبر عن بناتهن في المدرسة، أو عن أقارب لهن في المكان. تجاوب معهن عناصر الأمن مرات ومنعونهن من المرور مرات أُخرى. وبكل تأكيد فإن كل كاميرا هي محط مساءلة وهجوم من أحد الموجودين في المكان. أن تكون صحافياً أو مجرد مواطن فضولي، لا فرق. كذلك ساد الخوف من السلاح في أيدي «حُكّام» المكان الذين يملكون الأمر والنهي، فضربوا طوقاً أمنياً حول المنطقة كلها ومنعوا الناس من المرور إلا ما ندر، خشية وجود سيارة مفخخة أُخرى وفق شائعات أطلقوها، لا يعرف أحد حقيقة وجودها أو أنها مجرد محاولة ضبط لتحركات المواطنين في المكان خشية استمرار انفجار خزانات الوقود في السيارات الموجودة. زجاج الواجهات المحطمة هو القاسم المشترك بين جميع الشوارع المتفرعة من الساحة وشارع الشهبندر. مواطنون يكنسون زجاج محالّهم التجارية بأسى، وبين لحظة وأُخرى تتعلق الأنظار بسيارات الإسعاف الذاهبة إلى موقع الانفجار أو الخارجة منه.
في حين اشتغلت صفحات «الثورة» وبعض المعارضين على تسويق ما ورد على لسان أحد العناصر الأمنيين عبر إحدى المحطات التلفزيونية الموالية للسلطة، إذ علا صوته صائحاً ببضع كلمات حول سيارات الرئاسة، ما فتح الباب على المزيد من التفسيرات عن استهداف كبار مسؤولي الدولة الذين تزامن وجودهم في المنطقة مع الانفجار. ومن المفارقات الغريبة كثرة الأحاديث لدى الدمشقيين عن تغيّب عدد كبير عن موظفي مبنى رئاسة مجلس الوزراء القديم ممن لديهم ميول تعاطف مع المعارضة. طَرح مثل هذا الأمر على بعض الصفحات أثار جدلاً حول صحة المعلومات الواردة، ولا سيما أنّ الكثير من الموظفين باتوا يخشون التحرك وسط دمشق خشية القذائف وبسبب ازدياد الوضع الأمني سوءاً. وعند الانفجارات تبدأ المهاترات بين الناس وتحميل المسؤولية من قبل كل طرف للآخر، ويأخذ كلٌّ فرصته في «المزايدات» الوطنية.
رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي تفقد مكان الانفجار، قائلاً إنّ الاستهداف هو «لمدرسة في أوج النشاطات اليومية للمجتمع السوري في منطقة السبع بحرات» التي تزدحم بالناس والسيارات. وأكد تصميم بلاده على «سحق الإرهابيين»، مضيفاً «نحن نقول لكل من يقف وراء تلك التفجيرات إنّ الشعب السوري متماسك والحكومة السورية تؤدي واجباتها تجاه أبناء شعبها، والشعب السوري حزم أمره لأنه سيمضي إلى الأمام ليسحق كل تلك المجموعات الإرهابية المسلحة». معارك ريف دمشق التي يمضي الجيش السوري في حسمها لصالحه تأتي على سكان دمشق بالمزيد من القذائف والانفجارات، ليقول أحد المدنيين الموجودين في موقع الانفجار أمام الإعلاميين: «أكلوا قتلة من النظام بالريف. ردّوا إنو قتلونا نحنا».