ليس خافياً أن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، منذ نحو 15عاماً حتى قبل بدء الاحتجاجات الشعبية، ظلت تتفاوض والنظام السوري، سواء في عهد الأسد الأب أو الابن. فحين انتخب علي صدر الدين البيانوني مراقباً عاماً للجماعة عام 1996، بدأت مفاوضات سرية مع النظام. لكن، بعد تسع سنوات، تحول «الإخوان» إلى تأييد «إعلان دمشق»، ثم ساهموا عام 2006 في تشكيل «جبهة الخلاص» المعارضة مع النائب السابق للرئيس، عبد الحليم خدام. هذا التحالف أدى إلى التشكيك في صدقية «الإخوان»، وذلك بسبب دور خدام البارز في النظام. وقد انسحبت الجماعة من الجبهة في نيسان عام 2009، بعد خلافات مع خدام، إثر قرارها تعليق نشاطاتها المعادية للنظام، خلال محاولة أنقرة (صديقة دمشق آنذاك) الوساطة بين الجانبين. غير أن الرئيس بشار الأسد رفض العرض.
في تموز عام 2010، ومن إسطنبول، انُتخب محمد رياض الشقفة لخلافة البيانوني. الزعيم الجديد صرّح بعد شهر من انتخابه بأنّ تنظيمه مستمر في تعليق الأنشطة المعارضة للنظام. وفي شهر تشرين الأول، أوضح الشقفة أن الجماعة مستعدة لتغيير اسمها «إذا سُمح لها بالرجوع إلى سوريا، وإذا وافق النظام على مطالبها»، إلا أن ذلك لم يحصل. واللافت أن الجماعة المنفية، التي أحجمت لشهر ونصف الشهر عن المشاركة في الاحتجاجات، ولم تصدر بيانها الرسمي الأول «دعماً للثورة» إلا في أواخر شهر نيسان، حظيت بموقع يقول معارضون إنّه يتجاوز حجمها الفعلي على الأرض، وهو ما يعزوه محللون إلى دعم تركي_قطري، وكذلك تعدد المؤسسات التي أقامتها الجماعة في المنافي، إضافة إلى خبرتها في العمل السياسي.
ارتبط «الإخوان» بجماعات معارضة من جميع الخلفيات الإيديولوجية والدينية، لتقليل «مخاطر ردّ الفعل في حال فشل الحركة المناهضة للنظام في إطاحة الأسد». واختاروا منحى براغماتياً، ودفعوا بشخصيات «علمانية ومسيحية» للترشّح لقيادة المعارضة. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أنّ الجماعة تمكنت من التأثير إلى حدّ كبير في مؤسسات المعارضة الرئيسية، مثل «المجلس الوطني السوري» ومن بعده «الائتلاف الوطني»، بحيث وجهت هاتين المؤسستين بوسائل تتّفق ومصالحها. والمفيد ذكره هنا أن «الائتلاف» يعتمد عملياً وتنظيمياً على المجلس، الذي كان، ولا يزال، يعتمد على الإخوان المسلمين كمكوّن ومحرك أساسي.
وبالرغم من أن ادعاء خطة «الإخوان» المعلنة أن «سوريا لكل السوريين»، يخشى معارضون من أن تتحول البلاد من «سوريا الأسد» إلى «سوريا الشقفة»، أو إلى نموذجي مصر وتونس ما بعد ثوراتهما. لكن الواقع مختلف في سوريا، إذ ليس لدى «إخوانها» قاعدة شعبية حقيقية يستندون اليها. يضاف إلى ذلك اختلاف طبيعة المجتمع السوري والحجم الكبير والانتشار الملحوظ للأقليات، ما يجعل من تحقيق الجماعة لنوع من الهيمنة أمراً صعباً. ولإدخال قوى جديدة إلى «الائتلاف» لخلق التوازن فيه، أصدرت قوى ورموز في المعارضة أخيراً بياناً تضمن طلباً بتوسيع الائتلاف، ليضم ممثلين من تيارات أخرى، بحيث يمثل غالبية أطياف المعارضة.
وشنّت القيادة المشتركة لـ«الجيش الحر» هجوماً عنيفاً على الجماعة، عبّرت فيه عن استيائها من «ركوب» الإخوان «الثورة». وقالت في بيانها: «طفح الكيل من تصرفات وسلوكيات الجماعة منذ بداية الثورة، وبشكل خاص الهيمنة والسيطرة على المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف، والهيمنة ومحاولات الهيمنة على الشؤون والقضايا الإغاثية والعسكرية». تزامن ذلك مع هجوم مماثل من قبل معارضين بارزين، لفتوا إلى أن «الخيار الإسلامي والإخوان خيار استبدادي»، وأنهم «سيختفون كما اختفوا في الثمانينيات إذا لم يعودوا إلى الديموقراطية». كذلك اتهم البعض الإخوان بتحويل القتال إلى «اقتتال طائفي مثلما يفعل النظام».
وكان المعارض البارز كمال اللبواني شدد أخيراً على أنه لا يمكن اعتبار الجماعة «بديلاًَ من الشمولية والاستبداد، بل هي تجديد لهما بصيغة أخرى، وهي ليست نقيضاً للحركات العنيفة الجهادية السلفية، بل منتج عقلها ومشرعنها ومصدر فكرها».
مسؤولون في الجماعة يرون أن كلّ ما يجري من محاولات للنيل من الإخوان هو «مخطط فاشل وسخيف لعرقلة مسار الثورة»، وأنّ كل من «يتواطأ مع هذا المخطّط سيكون عليه علامة استفهام حول مواقفه البعيدة عن التحالف الوطني». ويقول محمد رياض الشقفة إنّه لا يعرف السرّ وراء «موسم الهجوم» على جماعته، معرباً عن اعتقاده أنّ تجارب الإسلاميين المتقلّدين للسلطة في مصر وتونس «ربما كان لها تأثير في هذا الصدد». ويرى الشقفة أن من يهاجم إخوان سوريا «ليس من الشخصيات الثورية أو من قيادات المعارضة صاحبة الوزن الحقيقي على الأرض».
واللافت أن «الإخوان» ليسوا على وئام مع الكثير من الجماعات المعارضة، كهيئة التنسيق الوطنية، والحركة الكردية ممثلة بـ«الهيئة الكردية العليا».
في هيئات المعارضة العسكرية، يتزايد نفوذ جماعة الإخوان التي تشارك بنشاط في تنسيق الهجمات العسكرية ضد النظام «من خلال وجود شخص واحد على الأقلّ من الإخوان في غرفة عمليات الجيش الحر»، حيث تزوّد الجماعة بعض كتائبه بالأسلحة، بالتعاون مع السلطات التركية. وفيما يرفض الشقفة ربط «جبهة النصرة» بالإرهاب، يعتقد أن المجموعات التي تلقّت دعماً من الإخوان هي كتيبة الفاروق في حمص، ولواء التوحيد في حلب، وصقور الشام في جبل الزاوية، وأحرار الشام في إدلب. ويُنقل عن «إسلاميين» من محافظة إدلب قولهم إن «جماعة إسلامية محلية شعرت بالغضب» عندما عرض الإخوان مساعدتها بمبلغ (28 ألف دولار) مقابل «يمين الولاء للتنظيم». وتقول هذه المصادر إن قادة الجماعة «وافقوا بمرارة».
ويرى مراقبون أن حسابات الإخوان كانت «ناجحة» في الكثير من المواقف. فعندما أصدرت جماعات مسلحة في حلب بياناً في تشرين الثاني الفائت ترفض فيه «الائتلاف»، وتدعو إلى «الدولة الإسلامية»، اختار كل من «لواء التوحيد» و«أحرار الشام»، وهما يتلقيان التمويل من الإخوان، النأي بنفسيهما عن البيان. لكن، في الآن ذاته، يرى متابعون أنه في ظل توافر مصادر بديلة للتمويل «وتنافس الآخرين على القاعدة الإيديولوجية للإسلام السياسي»، لن تكون الجماعة قادرة على الاحتفاظ بالولاء السياسي الطويل المدى للجماعات المسلحة التي لم تنبثق من صفوفها مباشرة.