«الاعتكاف»، سلاح الراحل البابا شنودة في وجه الرئيس السابق أنور السادات والرئيس المخلوع حسني مبارك، كان أمس الخيار الوحيد لبطريرك الاقباط الارثوذكس، البابا تواضروس الثاني، بعد الاعتداء الأول من نوعه في تاريخ مصر على المقر البطريركي.
فعلى خطى البابا شنودة سار أمس البابا تواضروس الثاني باعلانه الاعتكاف في دير وادي النطرون، بعدما وجه انتقاداً شديداً للرئيس محمد مرسي، محملاً إياه المسؤولية السياسية عن أحداث «الخصوص» والاعتداء على الكاتدرائية المرقصية.
قرار البابا كشف عنه بيان الكنيسة التي قالت إنه «نظراً للأحداث المؤسفة وحداداً على أرواح شهداء الخصوص والكاتدرائية، قرر قداسة البابا تواضروس الثاني إلغاء اجتماع الأربعاء 10 نيسان/ أبريل، وتأجيل استقبال المعزين المقرر يوم الخميس، وسوف يتم تحديد موعد في ما بعد، ويدعو قداسته جميع الشعب إلى الصلاة من أجل سلامة وطننا والمؤسسات الدينية فيه».
ويبدو أن البابا وجد نفسه مضطراً لاتخاذ هذا القرار بعدما تعرض المقر البطريركي لاعتداء هو الأول من نوعه في تاريخ الحياة السياسية في مصر، كان السكوت عنه سيمثل سابقة لن يكون بالامكان تلافي تكرارها في المستقبل. كما برزت محاولة من الرئيس وجماعته لتحميل المشاركين في تشييع الأقباط أمام الكاتدرائية المرقصية المسؤولية عن الاعتداء، بعد صدور بيان عن مكتب مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي، عصام الحداد، حمّل مشيعي جنازة ضحايا الخصوص مسؤولية أحداث العنف في العباسية، متهماً اياهم بأنهم «بدأوا برشق أهالي المنطقة بالحجارة وتكسير سياراتهم».
أمور بدا أن البابا وجد نفسه مضطراً لاعادة تصويبها قبل اتخاذه قرار الاعتكاف، وهو ما دفعه للقيام بمداخلات هاتفية مع محطات تلفزيونية وجه خلالها انتقادات حادة لمرسي لم تخل من رسائل صريحة. الرسالة الأولى من البابا، مفادها بأن مرسي يتحمل المسؤولية لا أحد سواه بعدما اتهمه تواضروس الثاني صراحةً بالتقصير في حماية مقر الكنيسة. وكشف الاتصال الهاتفي للبابا بقناة «اون تي في» عن مدى الغضب في الكنسية من عدم ايفاء مرسي بتعهده بحماية الكاتدرائية، باعتبار البابا تواضروس الثاني ان «الامور التي حدثت تجاوزت كل الخطوط الحمراء»، مضيفاً ان «الاهمال والتقصير واضحان جدا في التعامل مع الازمة». كما اكد ان التعبير عن المشاعر الطيبة «لا يكفي ابداً ويفترض ان تكون هناك وقفة حاسمة، نحن نريد عملاً لا مجرد اقوال لمواجهة الاعتداء الصارخ على الكنيسة التي هي رمز وطني».
الرسالة الثانية تضمنت تركيزاً على حجم الخطيئة السياسية التي ارتكبت بحق الكنسية بقول البابا إنه «عبر الفي سنة لم تتعرض الكنيسة لـ(مثل) هذا» الاعتداء. وتابع البابا تواضورس توجيه الرسائل لمرسي بالقول «ننتظر خطوات من الدولة على ارض الواقع، فالكنيسة المصرية جزء من المجتمع المصري والدولة هي المسؤولة عنها وعن كل مواطنيها». كما لم يوفر البابا من انتقاداته قرار الرئيس تشكيل مجلس وطني للعدالة والمساواة، بقوله «شبعنا مل التشكيلات واللجان والمجموعات والتسميات، نحن نريد عملاً لا مجرد أقوال، التسميات كتيرة وحاجات كتير بتطلع، لكن لا يوجد عمل على أرض الواقع».
رسالة اضافية من البابا تمثلت في تأكيده في اتصال هاتفي لـ«قناة مارمرقس القبطية» عن دعمه الصريح لمواقف الشباب الذين شاركوا في التشييع، اذ شدد على تقديره لـ«انفعال الشباب الغاضب» داخل الكاتدرائية وخارجها، مشيرا إلى أن غضب الشباب في محله أغلب الوقت. أما محاولة تحميل الأقباط مسؤولية الأحداث أمام العالم بعد بيان الحداد، فلم يغفلها البابا بقوله إن «صورة مصر أمام الرأي العام العالمي أصبحت في التراب، وهذا يعد شيئاً مؤسفا للغاية ولا يوجد تحرك من الدولة».
يبقى أن التحرك الوحيد الذي قامت به الرئاسة المصرية كان بإيفاد عدد من مساعدي رئيس الجمهورية، إلى الكاتدرائية، حيث عقدوا اجتماعاً مع أعضاء المجمع المقدس، حاولوا التنصل خلاله من بيان الحداد منكرين صحته، بينما كان لافتاً حديث مصادر كنسية لـ «اليوم السابع» أن الأنبا باخوميوس رفض حضور الاجتماع، في اشارة واضحة إلى حجم الاستياء داخل الكنسية من أداء الرئاسة المصرية. وهو ما توقف عنده الناشط القبطي كمال زاخر، الذي أكد لـ«الأخبار» أن التصعيد ليس من طبيعة البابا تواضروس الثاني وشخصيته لا تميل لهذا، معتبراً أن «الرئاسة قد تكون توجه التحقيقات أو تنحاز لرأي على حساب رأي».
بدوره، شددد سكرتير المجلس الملي للكنيسة الارثوذكسية بالاسكندرية، كميل صديق، لـ«الأخبار»، على أن اعتكاف البابا أوضح احتجاج على ما جرى، واصفاً اهمال الأمن بأنه يصل إلى درجة من التواطؤ بلغ حد الاعتداء على المقر البطريركي مشبهاً ما جرى بالاعتداء على الفاتيكان أو الأزهر. وتساءل صديق «الأمن الذي يوفر كل الامكانيات لكرة قدم، وينشر عناصره لحماية مقر جماعة الاخوان المسلمين في المقطم، أما كان يجب عليه في جنازة لها كل هذه الحساسية، القيام باحتراز أمني عوضاً أن يقف وقف المتفرج إن لم يكن مشاركاً في الاعتداء؟».
تساؤلات صديق لم تقف عند هذا الحدث، بل ذهب إلى القول «هل هناك خطة لتفريغ منطقة الشرق الأوسط من المسيحيين وقد حان الدور على مصر بعد ما حدث في العراق وفلسطين؟». وأضاف «لو كنا في دولة ديموقراطية لكان يجب أن تستقيل الوزارة وتحاسب»، مشدداً على أن علامات الاستفهام على ما جرى معلقة في رقبة جميع المسؤولين. وبعدما أكد أن ما جرى لم يسبق له مثل، تحدث عن ان الأرضية في مصر مشبعة بالاحتقان الطائفي بعد ثورة 25 يناير التي وصفها بـ«نكسة 25 يناير»، نظراً لما اعتبره من تردي وضع الأقباط منذ سنتين حتى الآن بعد تزايد الاعتداءات عليهم.
هذا الجو المحتقن انعكس أيضاً في مجلس الشورى، الذي شهد انسحاب عدد من نواب حزب الوفد وأعضاء مجلس الشورى الأقباط اعتراضاً على مناقشة أحداث الخصوص وتحميل بعض الأعضاء الاقباط المسؤولية.
(الأخبار)