بموازاة التباين بين النظرتين الأميركية والاسرائيلية حول العلاقة بين تسوية القضية الفلسطينية والترتيبات التي يعدّها البيت الأبيض للمنطقة، أكّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أنّ تحقيق تقدّم على مسار مفاوضات السلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، يشكل مصلحة أمنية أميركية، من دون أن يتجاهل حقيقة وجود صعوبات تشكل عقبات أمام التوصل الى الصيغة المنشودة. في المقابل، يبدو أن رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو، يحاول تعبيد الطريق أمام «الوسيط» الأميركي لاستكشاف أين يمكنه أن يصل في انتزاع المزيد من التنازلات العربية والفلسطينية، أضف حرصه على أن يظهر كمن هو مستعد لتقديم تسهيلات لاستئناف المفاوضات، في محاولة لاعطاء انطباع بأن المشكلة ليست في تل أبيب وانما في رام الله.
ولهذه الغاية، امتنع نتنياهو عن تقديم شروط مسبقة كما كان يفعل في الماضي، ورفض مطالب أبو مازن حول تقديم خارطة لحدود الدولة الفلسطينية المرتقبة في الاتفاق النهائي. وللتغطية على التصلّب الاسرائيلي، جرى الحديث عن «رزمة حوافز لتشجيع الطرف الفلسطيني على العودة الى طاولة المفاوضات». وبعد سلسلة من اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين الاسرائيليين والفلسطينيين، حاول كيري إشاعة جو من التفاؤل الحذر حول إمكانية إحداث اختراق في الجدار تمهيداً لاستئناف المفاوضات بين تل أبيب ورام الله، مشيراً الى وجود «تقدّم» في المباحثات، ومعبراً عن «رضاه من مضمونها». وتولى مهمة التعبير عن «حسن نوايا» نتنياهو بالقول إنّه وافق على مبادرات اقتصادية على أن لا تكون بديلاً عن المسار السياسي، بل استكمالاً له.
من جهته، أعرب نتنياهو عن تصميمه «ليس فقط على استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وانما بذل جهد جدي لانهاء دائم للنزاع»، وطبعاً وفق الفهم والشروط الاسرائيلية.
في السياق نفسه، رفضت مصادر اسرائيلية مطلعة الالتزام بموعد محدد لاستئناف المحادثات، لكنها أكدت أن «الطرفين هما أكثر استعداداً لاستئنافها». وبدلاً من تقديم مبادرات من النوع الذي يطمئن الطرف الفلسطيني حول مآل المفاوضات والقضايا الأساسية العالقة، القدس واللاجئين والمستوطنات، اجترح الأميركي مبادرات تتعلق بتحسين الوضع الاقتصادي الذي تسبَّب فيه الاحتلال نفسه، اذ أعلن كيري، خلال مؤتمر صحافي في مطار بن غوريون قبل مغادرته اسرائيل، عن اتفاق مع نتنياهو وأبو مازن، حول دفع سلسلة من المشاريع الاقتصادية في الضفة بهدف مساعدة الاقتصاد الفلسطيني، لافتاً الى أن الطرفين اتفقا على المحافظة على سرّية التفاصيل في هذه المرحلة، على أن يعلن عنها في الأسبوع المقبل.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، يبدو أن المسألة تتعلق بمشاريع مرتبطة بالبناء وبالبنية التحتية والسياحية في مناطق «ج» في الضفة، التي تسيطر عليها اسرائيل ادارياً وأمنياً.
في الاطار نفسه، نقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر اسرائيلية وغربية أن اشتراط اسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية لاستئناف المحادثات هدف الى دفع الفلسطينيين للتنازل عن مطلبهم بتجميد البناء في المستوطنات وعرض خارطة حدود. كما عرضت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ما سمته خطة كيري لدفع العملية السياسية على المسار الفلسطيني، عبر حمل اسرائيل والسلطة الى لقاء رباعي في الأردن، تم اختياره بهدف «ايجاد احساس بالزخم لدى شعوب المنطقة والعالم، كما للأميركيين مصلحة كبيرة في تعزيز مكانة الملك عبدالله، فضلا عن كونه تعبيراً عن تعميق الدور الاردني في المفاوضات الذي سيشكل «عمود السند» في مجموعة الدعم من الدول العربية المعتدلة للعملية السياسية». لكن الردّ من قبل أبو مازن كان، بحسب «يديعوت»، سلبياً حالياً على الأقل. ونقلت عن الأخير قوله، «الى أن تتخذ اسرائيل خطوة هامة ما، فإنه لن يذهب الى أي محادثات. لا في الأردن ولا في أي مكان آخر. وأنه بهدف استفزاز اسرائيل تحدى كيري أكثر، وطالب قبل كل شيء بخارطة التسويات الاسرائيلية، وإن كان يعرف بأنها غير موجودة».
وأكدت الصحيفة أن اللقاء الرباعي في عمان هو مرحلة ضرورية في «كتاب الحرب»، الذي وضعه كيري لنفسه، وأن الخطة تفترض انتزاع موافقة من الطرفين على معظم الشروط السياسية التي تشكل أساساً للتسوية، برأي الاميركيين. الا أن الفصل الأخير في هذا الكتاب لم يكتب بعد. ويفترض بكيري أن يرفع الى الرئيس باراك أوباما مساعيه كي يحسم مسألة ما إن كان يوجد امكانية حقيقية للتسوية بين الطرفين ويعلن عن «مبادرة رئاسية» أم أن ترفع الولايات المتحدة يديها وتتخلى عن العملية. ونقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الخارجية الأميركية، أن مساعي كيري ستستمر نحو نصف سنة، يصل خلالها الى المنطقة مرة كل بضعة أسابيع.