تونس| تعقد صباح اليوم مجموعة من الأحزاب الدستورية المنبثقة عن التجمع الدستوري الديموقراطي، الذي تم حلّه بقرار قضائي قبل عامين، مؤتمراً صحافياً تعلن فيه تشكيل «الجبهة الدستورية» وتوقيع بروتوكول التحالف، في عودة لافتة إلى أجواء الحزب الحر الدستوري الذي حكم تونس منذ الاستقلال إلى ١٤ كانون الثاني عام 2011. الأحزاب التي التقت في الجبهة الدستورية هي «المبادرة» بزعامة كمال مرجان (آخر وزير خارجية في عهد زين العابدين بن علي) و«الوطن الحر» بزعامة محمد جغام (وزير دفاع وداخلية وسياحة، مدير الديوان الرئاسي في عهد بن علي إلى حدود سنة ٢٠٠٠)، وحزب المستقبل بزعامة الصحبي البصلي (محافظ مدنين وصفاقس، مدير الشؤون السياسية وآخر سفير لدى الصين في عهد النظام المخلوع)، وأحزاب «اللقاء الدستوري» بزعامة سامي الشبراك، و«الوحدة والإصلاح» بزعامة عز الدين بوعافية، و«الحرية من أجل العدالة والتنمية» بزعامة حاتم اليحياوي.
محاولات عديدة سبقت هذه المحاولة لتوحيد الأحزاب الدستورية في جبهة واحدة، منها التقارب الذي حصل بين حزبي المبادرة والدستوري الجديد. ومن المبادرات التي فشلت، مبادرة مرجان ورئيس الحزب الدستوري الجديد أحمد منصور، في ذكرى الاستقلال ٢٠١٢ للاندماج بين الحزبين، ومبادرة الحزب الإصلاحي الدستوري بزعامة فوزي اللومي، تحت اسم «الحزب الوطني»، ومبادرة جغام بتأسيس «التحالف الوطني».
وكان ظهور حزب «نداء تونس»، بزعامة الوجه الدستوري البارز الباجي قائد السبسي، معطى مهماً أثر كثيراً في التجانس داخل العائلة الدستورية، إذ التحق عدد كبير من القواعد ومن القيادات الوسطى بالحزب الجديد، فيما رفض آخرون باعتبار أن «نداء تونس» ليس حزباً دستورياً خالصاً.
وولادة الجبهة الدستورية اليوم تأتي في سياق سياسي جديد، فاستطلاعات الرأي تؤكد ان أكثر من ٨٠ في المئة من التونسيين غير راضين على أداء الحكومة وعلى طريقة تسيير الدولة. وهناك عدد مماثل لا يخفي حنينه إلى زمن بن علي رغم ما فيه من فساد. الا أن الدستوريين يواجهون الآن قانون «تحصين الثورة» الذي سيكون في حال تمريره سيفاً مسلطاً عليهم وسيقصي الآلاف من الناشطين الدستوريين. وبالتالي فهذه الجبهة ستكون بلا مستقبل، إذ حُرِم الآلاف منهم من المشاركة في الحياة السياسية من دون حكم قضائي. وهو ما أدانته أغلب الأحزاب وكذلك المنظمات، واعتبر بمثابة قانون للفتنة وتمزيق الوحدة الوطنية، بينما تطالب المعارضة بتفعيل العدالة الانتقالية عوض الإقصاء السياسي. وتطرح الأحزاب الدستورية الآن مبادرة للمصالحة الوطنية مع محاسبة المتورطين في الفساد عوضاً عن العقاب الجماعي والاجتثاث الذي لم ينجح في العراق فدمره.
وتقر غالبية قيادات الحركة الدستورية بارتكابهم أخطاء، وخاصة لجهة حقوق الإنسان والعدالة، بين الجهات وحرية التعبير، لكنهم في المقابل يدافعون على المكاسب التي تحققت في البلاد طيلة حكمهم. ويبدو أن ولادة الجبهة الدستورية ستلقي بظلالها على المشهد السياسي، فقد تراجعت موجة العداء لهم في الشارع. لكن ولادة الجبهة تطرح الكثير من الأسئلة حول تحالفاتها؛ ففي الوقت الذي استبعد فيه مرجان، المرشح لزعامة الجبهة، إمكانية التحالف مع حركة النهضة للتناقض في المشروع الاجتماعي والثقافي مع إمكانية التقارب مع «نداء تونس»، لا يستبعد عدد من المتابعين لتطورات المشهد السياسي إمكانية التحالف بين حكام الأمس وحكام اليوم لقطع الطريق أمام «نداء تونس» وحلفائه في جبهة «الاتحاد من اجل تونس» التي تتزايد شعبيتها بين يوم وآخر.
وسيكون «الدساترة» أو «التجمعيون» كما يسمونهم في تونس، في كل الحالات محددين لمسار الانتخابات، فحزبهم الذي تم حله كان يضم أكثر من مليوني منخرط والأكيد ان هذا العدد لم يتبخر كله.
يُضاف إلى ذلك ان إخفاقات الترويكا تُشكّل أكبر دعم لهم، إذ يقارن التونسيون اليوم بين العهد السابق وما يعيشونه بعد الثورة، خاصة البسطاء الذين كانوا ينتظرون ان تتغير حياتهم إلى الأفضل، لكنهم لم يلاحظوا أي مؤشر جدير بالاهتمام، إذ استشرى الفساد والمحسوبية وغاب الأمن وارتفعت الأسعار وتضاعف عدد العاطلين من العمل ولم يتخلص القضاء من الهيمنة السياسية.
أما حرية الإعلام والنشاط السياسي التي تحققت فلا تعني البسطاء الذين ضاقوا ذرعاً بجحيم الأسعار . كل هذه المعطيات تصب في صالح حكام الأمس.