الإسكندرية | عدّد كثيرون أسباب اندلاع الأحداث الطائفية في مصر، لكن ثمّة دائماً «متهم خفي» يقبع في الخلفية الذهنية لدى المصريين، لا يجري استدعاؤه إلا عند الحاجة للتمترس خلف قناعة ما تبرّر لكل طرف فعله. هذا المتهم هو «الصورة الذهنية» المرسومة عند كل طرف عن الآخر، التي لا تظهر عند التعاملات اليومية التي يغلب عليها الجري خلف «لقمة العيش». وهو أمر يشمل المسيحيين والمسلمين على السواء، وربما كان مردّها عدم وجود أنشطة كثيرة بين مسلمين ومسيحيين تجري على قاعدة مدنية، غير لقمة العيش والاشتراك في الهموم اليومية.
وعلى الرغم من ضعف الضوء المسلّط على الممارسات اليومية للقساوسة ورجال الدين المسيحيين، وابتعاد الكنائس أو إبعادها عن دائرة الضوء، فإن المتتبع للهتافات التي خرجت من بعض المسيحيين أثناء التظاهرات أمام الكاتدرائية الأسبوع الماضي وزلّات بعض الرموز الكبرى للكنيسة كالأنبا بيشوي، سيجد أن ثمة نظرة مترسخة عند المسيحيين تدور حول جملة من الأمور، أوّلها أنهم أصحاب الأرض وأن المسلمين ضيوف عليها، وأن عمرو بن العاص ما هو إلّا محتلّ. وهذا ما تجلى في هتاف «قالوا علينا بلطجية وإحنا أصحاب الأرض دية». والثانية هي أنّ المسلم غير المتديّن هو الأكثر تسامحاً، بحجة أنّ الدين الإسلامي لم ينتشر طواعية أو بسلمية،
والثالثة هي أنّ المسلمين لا همّ لهم سوى أسلمة الفتيات المسيحيات أو الزواج بهن.
لا يختلف الحال كثيراً عند المسلمين، الذين ينظر بعضهم إلى الأقباط على أنهم «بيتمسكنوا لحد ما حيتمكنوا». لذا كان الهتاف الثاني أمام الكاتدرائية «انسى القبطي بتاع زمان بكرة حنضرب في المليان»، يشير إلى فكرة لدى العديد من المسلمين مفادها أنّ الأقباط يمتلكون أسلحة في كنائسهم، أما الصورة الثانية، فهي تتعلق بأنّ المسيحيين محبون للغرب وتابعون له.
ورغم أن الصور الذهنية لدى كلا الطرفين متعددة، وتمتد إلى الرائحة وطريقة الاحتفال والتعامل مع المرأة، وغيرها، إلا أنّ المرصود منها على نحو أكبر منسوب إلى المسلمين بحكم أغلبيتهم العددية التي تتيح حرية وجرأة الجهر بها، فضلاً عن أن الكنائس والمسيحيين ليسوا تحت دائرة الضوء الإعلامي على نحو مكثف، لكنّ كثيراً منها ظهر في السنوات الأخيرة، حينما قوبلت الحلقات التلفزيونية للقمّص زكريا بطرس، الموجود خارج مصر، التي كان يتهكم فيها على الإسلام باحتفاء من قبل دوائر غير رسمية قبطية، رغم تبرؤ الكنيسة منه.
الشيء المشترك بين كلا الطرفين هو اتهام الدولة بالانحياز إلى الطرف الآخر، مع الدفع بشواهد متعددة، تبدأ من الاحصاءات مروراً بالوضع الاقتصادي وعدد دور العبادة مقارنة بتعداد كل طرف في المجتمع.
ومن ثم فإنّ أي حادث بسيط ما زال قابلاً للتطور إلى فتنة طالما ظلت هذه الصورة الذهنية قابعة لدى كل طرف، حتى لو لم تظهر علانية، وظلّت حبيسة الأحاديث الجانبية، تطبيقاً للقاعدة المصرية الشهيرة «اللي في القلب في القلب».