القاهرة | محاكمة القرن. هكذا أطلق الاسم عليها. فهي المرة الأولى التي يمثل فيها رئيس الدولة المصرية أمام المحكمة بصفته متهماً، منذ إعلان مصر جمهورية عام 1952. محمد حسني مبارك، الرئيس السابق للبلاد، يحاكم بتهمة الشروع في قتل المتظاهرين أو الثوار السلميين في أحداث ثورة 25 يناير، والتي أحدثت صدمة للثوار وأهالي الشهداء عقب استفزاز مبارك لهم بغطرسته التي ظهر عليها خلال مثوله للمحاكمة يوم السبت الماضي.
اعتذار المستشار مصطفى حسن عبد الله، رئيس محكمة الجنايات عن تنحيه عن هذه القضية، دون إعلانه سبباً واضحاً وراء التنحي، أثار جدلاً واسعاً بين خبراء القانون في تفسير تداعيات التنحي ومصير القضية. وأوضح المستشار رفعت السيد، رئيس نادي قضاة أسيوط الأسبق، في تصريحات صحافية، أنّ القضية قد تسير في اتجاهين: الأول يكمن في اختيار إحدى الدوائر الجنائية بمحكمة استئناف القاهرة لإسناد القضية إليها، وفي هذه الحالة يتعين على الدائرة الجديدة أن تتفرغ لنظر الدعوى، وإعفائها من نظر الدعاوى التي أحيلت عليها من قبل، وهذا السيناريو يمكن انجازه خلال الشهر الجاري أو في شهر أيار/ مايو المقبل على أقصى تقدير.
ويتمثل السيناريو الثاني في أن يتضمن تشكيل محكمة استئناف القاهرة لدائرة جنائية جديدة تضم مستشاري المحكمة لنظر القضية، على أن يجري حلها عقب انتهاء المحكمة، مشيراً إلى أنّ المستشار سمير أبو المعاطي، رئيس محكمة استئناف القاهرة، هو من سيتولى تشكيل تلك الدائرة. وعن موقف المتهمين من الحبس الاحتياطي، وانتهاء مدة الحبس بالنسبة إلى الرئيس السابق مبارك قال السيد: «دائرة المستشار مصطفى حسن المتنحية لم تتعرض للدعوتين، ومن ثم يظل موقف جميع المتهمين كما كان عليه قبل مثولهم أمام المحكمة، فمن كان مفرجاً عنه سيظل مفرجاً عنه، ومن كان محبوساً على ذمة القضية سيظل كما هو». وبالتالي إن نجلي مبارك علاء وجمال ومساعدي العادلي سيخلى سبيلهم لحين نظر القضية من قبل دائرة جديدة، وهي التي ستحدد الموقف الجديد». وأضاف: «القانون يتيح لمحامي مبارك التقدم بطلب للمستشار سمير أبو المعاطي لإخلاء سبيله، على أن يعرض رئيس المحكمة الطلب على إحدى الدوائر لتبدي رأيها فيه، سواء باستمرار حبسه أو إخلاء سبيله، ما لم يكن مطلوباً على ذمة قضايا أخرى.
جمال جبريل، أستاذ القانون، وعضو اللجنة التشريعية بمجلس الشورى، أوضح أنّه لا سبب معيناً خلف تنحي القاضي، مشيراً إلى أنّ الأسباب قد تكون خاصة وليس إجبارياً عليه أن يعلنه للرأي العام. وأوضح أن القضية ستوزَّع على دائرة جنائية أخرى تابعة لمحكمة استئناف القاهرة، وستعقد جلستها طبقاً للموعد الذي سيحدده القاضي الجديد بحسب جدول أعمال الدائرة التي نقلت إليها. ويؤكد جبريل أنه لا صحة لإمكانية أن يتقدم محامو مبارك بطلب لإخلاء سبيله، وخاصة أن النائب العام قد أمر بحبسه احتياطياً بتهمة إهدار المال العام.
معنويات مبارك وانفعالاته مع الحدث بدت، هذه المرة مختلفة عن سابقتها؛ إذ عاد إلى غطرسته أيام كان رئيساً، حيث دخل القاعة جالساً، ملوحاً بيديه لأنصاره، في رد فعل هو الأول من نوعه منذ سجنه، وهو ما فسّره جبريل بأنّه حالة من الثقة اكتسبها بسبب ارتباك الوضع الحالي في مصر. وأضاف: «مبارك يرى الآن أنّ الحروب بدأت تشتعل بين من خلعوه من مختلف الأطياف السياسية»، فضلاًَ عن أن العديد من المواطنين أصبحوا يرددون شعار «ولا يوم من أيامك يا مبارك»، مشيراً إلى أنّه سعيد بما يحدث الآن، وهو ما ظهر على تعابيره أثناء مثوله للمحاكمة.
من ناحيته، فسّر محمد المهدي، الاستشاري في الطب النفسي، ما حدث بأنّه يعكس شعور مبارك بالرضى، مشيراً إلى أن تحيته «الرئاسية للجمهور»، محاولة لاستعادة كيانه رئيساً. و«تعدد حركات يدي مبارك وأصابعه في الجلسة، حيث وضع إصبعيه مفتوحين تحت ذقنه تارة، وضم كفيه تارة أخرى ووضعهما تحت ذقنه، كلها إشارات تعكس ثقته العالية واعتزازه بذاته والإحساس بالفخر، وهذا ما أكده، ورأسه المرفوع طوال الوقت وحديثه مع جمال وابتسامة جمال وعلاء بعدها توضح أنه في حالة سعادة واضحة وطمأنينة وسكينة، وربما إحساس بردّ الاعتبار»، يقول المهدي.
ويضيف أنّ مبارك بدا أصغر بكثير، وارتدى هذه المرة نظارة أكثر شفافية من ذي قبل، أظهرت حالة الزهو بعينيه وربما التشفي أو الشماتة في ما يحدث في الشارع المصري، وكأن لسان حاله يقول: «هل رأيتم ما حدث بعدي؟»، أو «إنني لم أكن الأسوأ كما ظننتم».