فرضت التطورات الميدانية في المناطق السورية، المتاخمة للجولان المحتل، على القيادة العليا في جيش الاحتلال الإسرائيلي التفكير في مآلاتها في المديين المنظور والبعيد، وبالاستعدادات العملانية لكل منها. بالرغم من أن أحداً في المستويين السياسي والعسكري لا يوهم نفسه بشأن ما تنطوي عليه التطورات من أخطار تكتيكية في المرحلة الحالية، لكن جميع القادة الإسرائيليين يجمعون على أن إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة تشكل مكسباً استراتيجياً للدولة العبرية.
ولفت معلق الشؤون السياسية في صحيفة «هآرتس»، الوف بن، إلى أن «الأمور في القيادة العليا للجيش الإسرائيلي تبدو مختلفة شيئاً عمّا هي عليه في ديوان رئيس الوزراء، الذي يركز على الخطر النووي الإيراني، والذي تراه المؤسسة العسكرية مشكلة «للمجتمع الدولي»، أو بعبارة أخرى للولايات المتحدة. أما في الجيش، فتبدو الأخطار وراء الحدود أكثر محسوسية وتكاد تنفجر في وجوهنا».
ويقول بن إن مرحلة ما بعد الأسد قد بدأت، انطلاقاً من تدهور قدرات الجيش، الذي بات وضعه يشبه «قوة مسلحة لكنها متقدمة على بقية القوى التي تتحارب على مستقبل سوريا».
ويلفت إلى أنّ أحداً لا يعلم ما إن كانت ستبقى سوريا دولة واحدة أو أنها ستتمزق إلى جيوب متعددة، كذلك لا أحد يعلم كم ستستغرق المرحلة الانتقالية والصراع الداخلي.
ومن السيناريوات المقلقة لقيادة الجيش، أن يصبح وضع الجولان مشابهاً لقطاع غزة وجنوب لبنان، وقاعدة لإطلاق الصواريخ، وأن ما شهدته الأسابيع الأخيرة من حوادث إطلاق نار، يشير إلى هذا السيناريو الذي يشكل تهديداً للمستوطنات والقوات الموجودة في الجولان.
وحول ما يمكن إسرائيل أن تقوم به، يؤكد بن أنها تدرك أن خط الفصل بين القوات في الجولان لم يعد ذلك الخط الهادئ الذي عرفناه طوال العقود الأربعة الأخيرة، لكن يلفت في الوقت نفسه إلى أن هذه المعرفة لم تتغلغل في وعي الجمهور، وأنه في السنة الأخيرة عُزِّزت الاستعدادات العسكرية على طول الخط، وحلت القوة النظامية محل قوة الاحتياط، وطُوِّرت وسائل المراقبة والحواجز، انطلاقاً من استخلاص الدروس من بناء الجدران على حدود لبنان والضفة والنقب.
أما على المستوى السياسي، فيشير بن إلى أن إسرائيل عززت من تحالفها مع الأردن الذي يتمتع بحدود أطول بكثير مع سوريا التي يقلق تدفق اللاجئين منها، قادته. ويؤكد أيضاً أن اللقاءات بين الملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تُعقَد في هذه الاثناء سراً، ويعللها الأردنيون بالجمود السياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ويشير بن إلى أن الطرفين الإسرائيلي والتركي بررا الاعتذار في قضية مرمرة بالخوف المشترك من الوضع في سوريا، إلا أن ذلك لم يترجم حتى الآن إلى خطوات عملية للتعاون الأمني.
ويكشف معلق الشؤون السياسية في «هآرتس» أيضاً عن أن الإجراء الأكثر جرأةً هو إنشاء تواصل مع فريق من المتمردين بهدف ضمان وجود من يمكن الحديث معه في سوريا، بعد سقوط الأسد، لتجنب خيار التورط العسكري.
لكن إن لم تكن هذه الإجراءات كافية، يشدد بن على أن إسرائيل قد تجد نفسها أمام واقعين: تحقيق هدوء وردع من دون اجتياح واحتلال أراضٍ وراء الحدود، أو تدهور الوضع إلى مواجهة عسكرية واسعة. لكن الجيش، بحسب بن، ليس لديه توق كبير لإنشاء «شريط أمني» في الجولان السوري، بل يُفضل العثور على قوة محلية تُغلِّب الهدوء على الأرض وتحبط أي عملية إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل. ويختم بالتقدير الذي قد يكون مستنداً إلى معطيات من دون أن يشير إلى ذلك، أن هذه القضية هي محور المحادثات الثلاثية الإسرائيلية الأميركية والأردنية، التي من الواضح أنها ستكون محور المباحثات في المجلس الوزاري المصغر.