تونس | منذ ظهر الاثنين الماضي دخلت تونس في أزمة جديدة مزجت المنافسة الرياضية بالتوتر السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد، حيث رأى أنصار النادي الرياضي البنزرتي أن فريقهم يتعرض للإقصاء بإعلان الجامعة التونسية لكرة القدم ترشيح فريقي الترجي الرياضي والنادي الأفريقي لخوض المباراة النهائية التي تحسم بطولة تونس لسنة ٢٠١٣. فقد عمد النادي البنزرتي، صاحب المرتبة الثالثة، الذي تأسس سنة ١٩٢٨، إلى منع حركة المرور عبر الجسر المتحرك الذي يربط بين المدينة والعاصمة. كذلك تعرض العديد المنشآت العمومية للحرق والتخريب مثل بلدية بنزرت، وتم نهب بعض المصارف الخاصة، حيث بلغ الغضب بأنصار النادي حدّ حرق الراية الوطنية وإعلان «بنزرت مستقلة».
من جهته، سارع رئيس النادي معز بن غربية، عضو المجلس الوطني التأسيسي القيادي في حزب «التحالف الديموقراطي»، إلى تهدئة أنصاره والدعوة إلى الاحتجاج السلمي، بينما أعلنت الهيئة المديرة للفريق تجميد كل الأنشطة ما لم يتم إنصاف «البنزرتي»، فيما أعلن محافظ بنزرت إمكان التراجع عن القرار.
المواجهات بين الأمن والغاضبين تواصلت في الشوارع أمس، حيث تم تسجيل بعض الإصابات في صفوف الأمن وكذلك في صفوف الشبان الغاضبين. وعزز الجيش حضوره لحماية المؤسسات والمنشآت الحيوية، في حين تم القبض على الشابين المشتبه في حرقهما للراية الوطنية.
في هذا الوقت، رأى قياديون في حركة النهضة أن أطرافاً سياسية استغلت غضب الأنصار التلقائي لتحوله إلى موضوع للاحتقان السياسي الذي أصبح يهدد وحدة البلاد، وخصوصاً أن مدينة بنزرت الساحلية التي كانت تُشبّه بباريس وأقرب المدن التونسية جغرافياً إلى فرنسا، لم تعرف توتراً كبيراً حتى في الفترات الصعبة التي عاشتها مدن أخرى.
في المقابل، رأت أطراف أخرى من المعارضة أنه لا بد من تطبيق القانون الذي صاغته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والذي ينص على الفصل بين النشاط السياسي والنشاط الرياضي، بما يعني منع النشطاء السياسيين من تحمل مسؤوليات أولى في الفرق الرياضية حتى لا يقع توظيف الرياضة بما تملكه من شعبية في العمل السياسي.
فرئيس النادي الأفريقي سليم الرياحي هو في الوقت ذاته رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، ورئيس النادي البنزرتي مهدي بن غربية هو أمين مال حزب التحالف الديموقراطي. أما رئيس الترجي الرياضي حمادي المؤدب، فمحسوب على حزب حركة نداء تونس.
ولم يقتصر النشاط السياسي على رؤساء الفرق الرياضية فقط، بل امتد الى المدربين واللاعبين أيضاً، إذ إن مدرب الفريق الوطني نبيل معلول هو عضو في حركة نداء تونس، ومعروف بعدائه الكبير لوزير الرياضة نجم كرة القدم السابق طارق ذياب، المنحاز إلى حركة النهضة.
هكذا تدفع مدينة بنزرت منذ الاثنين الماضي ثمن الاحتقان السياسي في البلاد، الذي زادته قرارات «الجامعة التونسية» توتراً، في وقت يخشى فيه من تراجع الجامعة عن قرارها.
وفي هذه الأثناء، تطالب جماهير البنزرتي الغاضبة أن ترد جماهير النادي الأفريقي بفعل. فالجامعة الآن بين اختيارين أحلاهما مر. وقد سارع المصرف العربي الدولي الذي تعرض لعملية سرقة تقدر بالمليارات الى طمأنة زبائنه، وهي المرة الأولى التي يتعرض فيها فرع مصرفي لسرقة من هذا الحجم.
وتفيد التقارير الأمنية وشهود عيان بأن تظاهرات أنصار النادي البنزرتي كانت سلمية في البداية قبل أن يتسلل إليها ملثمون قاموا بإشعال العجلات المطاطية وإلقاء الزجاجات الحارقة على قوات الأمن والتخريب والسرقة، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول هوية المعتدين وعن حقيقة ما حدث.
واختطفت أحداث بنزرت الاهتمام حيث غطت على جلسات الحوار الوطني التي قاطعتها بعض الأحزاب، منها المسار الديموقراطي الاجتماعي والجبهة الشعبية وحركة الشعب، فظهرت كأنها جلسات بلا معنى في الوقت الضائع.
وكان يوم أمس فصلاً جديداً من فصول المواجهة بين المعارضة والحكومة، إذ أضرب نحو ٨٠ ألف معلم عن العمل. كذلك أضرب القضاة، في حين ستتواصل إضرابات قطاع التعليم الأسبوع المقبل بالتحاق كل قطاعات التعليم من الدرجة الأولى الى العالي الى القيمين (الإطار التربوي)، وذلك استعداداً للاحتفال بالعيد العالمي للعمال الذي سيكون مناسبة لتجديد رفض المعارضة، مدعومة من الاتحاد العام التونسي للشغل أقوى المنظمات النقابية، لسياسة الحكومة، وخاصة ملف الأسعار ورابطات حماية الثورة.