لا يشبه تعاطي لبنان مع الحرب السورية تصرف الاردن تجاهها بشيء، رغم أن هذه الحرب أصابت البلدين إصابات قاتلة الى حد كبير، وأن الوضع اللبناني يماثل الوضع الاردني سوءاً. في الاردن، ثمة قرار ملكي واحد، تمثله قيادة مركزية، حاولت تفادي التورط في الرمال السورية المتحركة كي لا تغرق فيها، وأقامت مخيمات للنازحين السوريين، وظلت على تواصل مع القيادة السورية عبر قنوات مدنية وعسكرية.
في المقابل، هناك أحزاب تسعى الى مد المعارضة السورية بالسلاح والمسلحين، في مقابل اتهام دمشق السلطات الاردنية بتسهيل دخول المسلحين. وفي الاردن، هناك دولة اسمها الولايات المتحدة، تعلن رسمياً إرسال مئتي جندي للانتشار على الحدود المشتركة مع سوريا رغم اعتبار بعض المراقبين أن هذا الرقم لا يحمل في طياته دلائل على قوة الحضور الاميركي. وهناك دولة اسمها إسرائيل لها قنواتها وحضورها التنسيقي مع الاردن، الى حد الاستعداد، بحسب معلومات مصدر لبناني اطّلع من الفرنسيين على أجواء زيارة العاهل الاردني الملك عبدالله لدمشق في آذار الفائت، للتدخل إذا تعرض الاردن لأي عمل عسكري من جانب النظام السوري رداً على استمرار تدفق المسلحين والمساعدات العسكرية الى المعارضة. ورغم أن هذا التدخل يعدّ الأول من نوعه بالنسبة الى إسرائيل التي ابتعدت حتى الآن عن التورط المباشر في حرب سوريا، بات اقتراب النيران من حدودها ينذرها بخطر وشيك، وخصوصاً مع انضمام عنصر جبهة النصرة إلى العوامل المتفجرة الاخرى، كاستخدام السلاح الكيميائي.
لا تمثل الحالة اللبنانية نموذجاً في أسلوب الحكومات في كيفية التعاطي مع الوضع السوري؛ لا مخميات نازحين تحت حجج مختلفة، استمرار التدفق السوري من دون ضوابط الى لبنان، ولا حكومة ولا قيادة مركزية تسعى الى متابعة جديدة لما يقبل عليه لبنان. وفي مقابل سياسة النأي بالنفس التي حاولت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تطبيقها على مدى أشهر، تورط لبنان حتى العظم في الوحول السورية، على خطين: دعم حزب الله للنظام السوري، ودعم المستقبل والتيارات الجهادية للمعارضة السورية. ورغم ذلك، بقي الوضع اللبناني الى حد ما مستقراً، مضبوط الإيقاع بفعل قرار إقليمي ودولي بضرورة الحفاظ على الاستقرار.
لكن الساعات الأخيرة حملت تطورات مختلفة. فمع الإعلان عن زيارة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لإيران، بدأت القوى المناوئة للحزب بإعادة قراءة المستجدات من زاوية مختلفة، رغم أن الزيارة حصلت قبل أسابيع. لكن تزامن الكشف عنها مع كيفية تطور موقف الحزب من الاعلان عن تشييع عناصره الذين سقطوا في سوريا، طرح أمام هذه القوى أسئلة عن الخطوات التي يمكن أن تتصاعد تدريجاً على خط إدخال لبنان فعلياً في الأتون السوري، وداخلياً على صعيد تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب، وخصوصاً مع زيارة وفد موسع لقوى 8 آذار لدمشق ولقاء الرئيس السوري، وتعمّد نقل حديثه عن الوضع اللبناني بعد انكفائه الطويل عن التدخل في الشؤون اللبنانية.
وفيما تزامن الحدث السياسي مع القصف السوري المعارض على الهرمل، بدا أن ثمة نوافذ كثيرة تفتح لإدخال العاصفة الى لبنان. وتتخوف مصادر مطلعة من تطور الوضع الحدودي في البقاع الشمالي بما ينذر بتحول الحدود المشتركة بؤرة صراع حقيقية تستدعي تدخلاً دولياً.
وبحسب هذه المصادر، فإن التطور السوري الميداني الاخير، بما حققه من تقدم للقوى النظامية السورية الذي تقول 14 آذار إنه تم بمساندة من حزب الله، في المناطق السورية المقابلة للبنان في ريف القصير، جعلت الرد السوري المعارض على لبنان لأول مرة بهذه القوة. لكن جديد المعطيات أن رئيس الجمهورية استفسر من قيادة الجيش عن إمكان الرد على مصادر النيران، لكن الجيش لا يزال متكتّماً على كشف ما ينوي فعله.
في المقابل، سألت مراجع سياسية كيف يمكن الجيش أن يرد على مصادر النيران. فقصف المعارضة السورية انطلق من خارج الحدود اللبنانية، من بقع عمليات متنازع عليها، وباتت الآن في يد الجيش النظامي، وأي قصف للأراضي السورية يعني قفزاً فوق كل الاعتبارات الحدودية والعسكرية والأمنية، ويعتبر تدخلاً في الشؤون السورية الداخلية، وانحيازاً لفريق دون آخر، مع العلم بأن احتمالات تجدد القصف باتت ضئيلة، بعدما سيطر النظام السوري على هذه البقع، وأي قصف من جانب المعارضة من بقع بعيدة جغرافياً، لن يتم إلا اذا كانت الأخيرة تملك صواريخ بعيدة المدى.
ولفتت هذه المراجع الى ضرورة التيقظ في هذا الظرف من أي خطوة بهذا الحجم، ولا سيما من دون غطاء حكومي يفتقده لبنان حالياً. فقصف الجيش اللبناني للمعارضة السورية قد يؤلّب المجتمع الدولي والعربي على الجيش ولبنان معاً. فهل يمكن الدول الغربية التي تسعى الى مدّ المعارضة بالسلاح المميت وغير المميت أن تسكت عن استهداف هذه المعارضة بأسلحة تقدمها هي كمساعدات للجيش اللبناني؟ إضافة الى ما يمكن أن يرتد عليه الوضع داخلياً بين مؤيدين للثورة السورية داخل لبنان، في أوساط النازحين السوريين واللبنانيين على السواء، واحتمال تحول ذلك الى توترات عسكرية داخلية.
لكن الأمر الأكثر خطورة يكمن، بحسب هذه المراجع، في أن الرد على المعارضة السورية بالنيران، سيفتح الباب من دون شك أمام المطالبة بالرد على مصادر النيران إذا ما صدرت عن الجيش السوري النظامي، في اتجاه البقع التي يتمركز فيها مؤيّدو الثورة السورية داخل لبنان، ما قد يشكل منعطفاً جوهرياً في مسار الحدث اللبناني وانزلاقه الى حرب حدودية مع سوريا. كذلك الامر فإن أي تطور حدودي على هذا المستوى قد يؤدي الى استدعاء التدخل الدولي، لفض الاشتباك الحدودي على هذا المستوى. ومن البديهي في ذلك الحين الاستناد الى القرار 1701، لطلب المساعدة الدولية، وهذا ما حفلت به أدبيات قوى 14 آذار مراراً، وتوّجه أمس رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في حديثه إلى «الأخبار» أمس بالدعوة الى انتشار الجيش على الحدود وطلب المساعدة الدولية.
وحذرت أخيراً من أي خطوات ناقصة في هذا الظرف الدقيق قد ترتد على لبنان إقليمياً ودولياً في شكل لا يمكن معه الرجوع إلى الوراء.