رام الله | سامر العيساوي أصبح حراً للمرة الثانية، منتصراً على سجّانه، بعدما نال حريته المرة الأولى في صفقة «وفاء الأحرار»، تحقّقت له هذه المرة بعد إضراب عن الطعام هو الأطول في التاريخ، تخلّلته مفاوضات مضنية، اشتدّت وتيرتها في اللحظات الأخيرة، بعدما انتدبت مصلحة السّجون الإسرائيلية «خبراء تفاوض» لإقناعه بفكّ إضرابه عن الطّعام. فتارة عُرض عليه الإبعاد إلى غزة، وتارة الإبعاد المؤقت إلى رام الله، لكنّه تمكّن أخيراً من أن ينال حريته وبالشروط التي فرضها: «لن أخرج إلا إلى بيت أهلي في العيساوية»، وكان له ما أراد. وكان مدير الوحدة القانونية في نادي الأسير، المحامي جواد بولص، قد كشف أمس عن بنود الاتفاق الذي عرضه العيساوي ومحاموه، ووافقت عليه نيابة الاحتلال، حيث سيتمّ فرض عقوبة عليه تقضي باحتساب الفترة السابقة له، إضافة إلى ثمانية شهور سجن فعلي تبدأ من تاريخ اليوم، وعليه، فسيكون العيساوي على موعد مع الحرية في 23 كانون الأول 2013.
وأضاف بولص أن الإدانه سيوجهها القاضي العسكري مباشرة إلى العيساوي، من دون الحاجة للعودة إلى أي لجنة أخرى من أجل إصدار عفو إضافي، في إشارة إلى ما تسمى لجنة «شاليط»، التي تتولى مهمة محاكمة من يُعاد اعتقالهم من محرري صفقة وفاء الأحرار، حيث كانت قد اتخذت قراراً بأن يستأنف ما تبقى من حكمه السّابق، أي ما يقارب 20 عاماً في السجن.
وأوضح بولص أن أهم ما حققه هذا الاتفاق هو «إصرار العيساوي على عدم ادانته أمام هذه اللجنة بكامل فترة محكوميته السابقة، والبالغة 20 عاماً، لما لهذه الإدانة من رسائل سياسية مرفوضة»، مبيناً أن «قضية سامر سابقة تؤسس لما سيأتي من قضايا مشابهة، وتمنع من إضفاء شرعية لهذه للجنة بإعادة أحكام سابقة بحق قضايا مماثلة».
من جهتها، أكدت شيرين العيساوي، شقيقة الأسير، أنه تم أمس ترسيم الاتفاق في محكمة عوفر العسكرية قرب رام الله، عقب ذلك، أعلن العيساوي رسمياً تعليقه الإضراب عن الطعام، بعد أن حصل على اتفاق مكتوب، مكفول بكل الضمانات التي أراد. وسيخضع ابتداءً من اليوم (أمس) إلى عملية إعادة تأهيل صحي.
وأمس، أكد وزير شؤون الأسرى والمحررين، عيسى قراقع، «أن العيساوي طالب المفاوضين الاسرائيليين بتقديم نصوص الاتفاق مكتوبة، وبحضور المحامين الفلسطينيين، وبمصادقة المستشار القانوني الاسرائيلي وممثل رسمي عن الحكومة، مؤكداً أنه لن يسمح بالتلاعب به».
وكان العيساوي قد صعّد من إضرابه أول من أمس بعدما أمهل الاحتلال حتى الثامنة مساءً للرد على المُقترح الذي قدّمه لإنهائه، معلناً توقفه عن تناول المقويّات. وفي مستشفى كابلان حيث يرقد العيساوي، عُقدت جلسة محاكمة بحضور قاضية إسرائيلية، وخلع العيساوي خلال الجلسة قسماً من ملابسه، وقال للقاضية إن «جسده الضعيف جداً يشبه أجساد ضحايا المحرقة النازية»، وتابع مخاطباً الحاضرين في الجلسة: «إن هذا المنظر عرضتموه قبل عدة أيام عندما استعرضتم ضحايا المحرقة». وحتى الساعات الأخيرة، كانت الأخبار تأتي تباعاً عن وجود صفقة مشرفة للعيساوي، لكن لم تكن هناك تأكيدات رسمية.
وما إن وصل الخبر اليقين، حتى عمت الفرحة بيت سامر في العيساوية، الذي سكنه الحزن فترة طويلة، أم سامر التي لم تدخر دمعةً طوال الأشهر الماضية وهي تستصرخ العالم أن يعيد لها ابنها سالماً، قالت وقد علت البهجة محيّاها: «أشعر بالفخر، وأنتظر ذلك اليوم على نار»، ورغم أن الساعة كانت متأخرة، إلا أن البيت حفل بالمهنئين من الأقارب، ومن أبناء مسقط رأس سامر.
وفي بلدة أبو ديس المجاورة، خرجت مسيرة ليلية رافعة صور العيساوي والأعلام الفلسطينية، وأطلقت السيارات أبواقها وجابت شوارع البلدة.
وعلى الصعيد الرسمي، هنأت التنظيمات والفصائل الفلسطينية العيساوي بالحرية، فقال عضو المجلس الثوري لحركة فتح، أمين عام التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المحتلة، ديمتري دلياني، «إن الأسير سامر العيساوي انتصر للقدس والإنسانية جمعاء بانتزاعه لحقه بالحرية والعودة إلى القدس من براثن جلادي شعبنا في ملحمة وقف خلالها بجسمه الهزيل شامخاً متحدياً قوانين الظلم التي يفرضها الاحتلال عنوة».
من جانبه، قال النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس، صلاح البردويل، لوكالة الرأي الفلسطينية «إن اتفاق سامر العيساوي انتصار عظيم له وللأسرى المضربين وللحركة الأسيرة كلها، وللشعب الذي احتضن الأسرى والمقاومة، ولكل الأحرار. ووجه تحيته للعيساوي، متمنياً أن يلتزم الاحتلال بما تم الاتفاق عليه ولا يخل بالاتفاق كعادته».
في هذا الوقت، اعتبر الأسير المحرر، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر عدنان، انتصار العيساوي «بارقة أمل لكل الأسرى الذين تحرروا في صفقة وفاء الأحرار وأعيد اعتقالهم، مشيراً إلى أن الانتصار أعاد الهيبة للحركة الأسيرة داخل الزنازين الإسرائيلية».