يُجمع المعنيون في بغداد على أن اضطرابات الحويجة وما تلاها مرتبط ارتباطا عضوياً بتطورات الأزمة السورية. لكنهم يختلفون في توصيفه واستشراف آفاقه. البعض يضعها في إطار محاولة توسيع نطاق الأزمة السورية إلى العراق ولبنان. والبعض الآخر يضعها في إطار أمني بحت متصل بالإجراءات العراقية على الحدود مع سوريا. ومع ذلك، يتفق الطرفان على أن ما يحصل، مهما تزايدت حدته، لن يؤثر على النظام الحاكم في بغداد، حيث تجتاح المخاوف النخبة السياسية بعد استخدام الجيش للطائرات في عملياته يوم أمس لمواجهة الاضطرابات التي تمتد رقعتها في أكثر من مكان في المحافظات الغربية.
الأوساط السياسية القريبة من رئاسة الحكومة العراقية تميل إلى الرأي الأول. تقول إنها «محاولة لتوسيع قاعدة الصراع، إلى العراق ولبنان». لكنها تتساءل: «ما مصلحة المجموعات المسلحة السورية والجهات الإقليمية والدولية الداعمة لها في إدخال أطراف جديدة في الصراع؟ هل أصبحوا أقوياء إلى درجة يستطيعون فيها تحمل دخول العراق مباشرة على خط الأزمة؟ أليس من الأفضل لهم تصغير المشكلة بدلاً من تكبيرها؟». تضيف: «مع ذلك، لا يمكن إنكار أن قضية الحويجة تشكل تحدياً كبيراً. تقف خلفها دول، وتصرف عليها الملايين. القوى السياسية التي تمارس مهنة التحريض في الغرب لا تستطيع أن تفعل شيئاً وحدها»، قبل أن تختم «عليهم أن يدركوا أن الخطر الأكبر الذي يمكن أن يسببوه هو إقامة الإقليم السني، وهو ليس بخسارة بالنسبة إلينا. هنيئاً لهم به، وإن كنا لا نرضى من وحدة العراق بديلاً».
أما الأوساط الأمنية المعنية في الحكومة العراقية، فترى في ما يحصل رد فعل موضعي على العمليات الأمنية والعسكرية التي نفذتها وحدات الجيش العراقي خلال الأيام العشرة الماضية على طول الحدود مع سوريا. تقول: «لا يجب تجاهل أن الحويجة تقع في الطرف العراقي المقابل لدير الزور حيث المقر الرئيسي لجبهة النصرة». وتضيف أن «العمليات الأمنية العراقية نجحت في التضييق كثيراً على حركة المجموعات التكفيرية التي تعمل على نقل السلاح والمقاتلين من العراق إلى سوريا. لقد أقفلت الكثير من المنافذ وطرق التهريب»، مشيرة إلى أن الجيش السوري يقوم بعمليات مشابهة في أكثر من مكان من الجهة السورية من الحدود.
وتتابع المصادر نفسها قائلة إن «السلطات الأميركية في أجواء الحركة التي يقوم بها الجيش»، مشيرة إلى أن افتعال مشكلة الحويجة عبر مهاجمة وحدات الجيش العراقي إنما تستهدف إبعاده عن المنطقة، أو على الأقل شل حركته، بما يساعد على عودة نشاط تهريب السلاح والمقاتلين إلى ما كان عليه. ولعل تصريحات زعيم مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة الأبلغ تعبيراً عن هذا الهدف. فقد طالب الجيش العراقي «بالانسحاب من المدن الثائرة فوراً وتسليم الملف الأمني للشرطة»، محذراً من «عواقب لا تحمد عقباها». كذلك خيّر أمير عشائر الدليم علي حاتم السليمان، ضباط الجيش والشرطة من غير أبناء الأنبار بين مغادرة المحافظة أو البقاء في ثكنهم.
وكان اقتحام وحدات من الجيش العراقي لساحة الاعتصام في الحويجة أول من أمس قد أدى إلى سقوط خمسين قتيلاً ونحو 110 جرحى، في خطوة جاءت في أعقاب رفض المعتصمين تسليم مطلوبين هاجموا الجمعة نقطة تفتيش تابعة للجيش، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة ضابطين والاستيلاء على أسلحتهم.
وطبعاً استغلت القوى السياسية المناوئة للحكومة الأزمة الجديدة لشن هجوم جديد على نوري المالكي. كان في مقدمة هؤلاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فيما قدم وزيرا التربية محمد تميم والعلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي استقالتيهما من الحكومة احتجاجاً. كذلك فعل القيادي في القائمة العراقية العربية، حيدر الملا، من منصبه البرلماني. وأعلن ائتلاف العراقية العربية بزعامة صالح المطلك، الانسحاب من العملية السياسية احتجاجاً على زج الجيش بالصراعات السياسية.
وكان لافتاً أن مشكلة الحويجة تزامنت مع الانتخابات المحلية العراقية التي جرت يوم السبت الماضي ولا تزال نتائجها غير واضحة المعالم. غير أن حسابات الماكينات الانتخابية الخاصة بالأحزاب المشاركة، معطوفاً عليها بعض النتائج الأولية التي بدأت تظهر، تشير إلى أن نوري المالكي لا يزال الأول على مستوى العراق، لكنه في الوقت نفسه الخاسر الأكبر. وتشير المعلومات إلى أن تحالف المالكي، الذي يضم حزبه الدعوة مع منظمة بدر وحزب الفضيلة وتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري نجح في الفوز بنحو 110 مقاعد من أصل 378 مقعداً موزعة على مجالس 12 محافظة عراقية، وهو ما يجعله الفائز بأكبر عدد من المقاعد من بين المتنافسين. لكنه، قياساً بانتخابات 2009 المحلية، يعتبر الخاسر الأكبر، أخذاً بالاعتبار أنه في الانتخابات السابقة نجح في الفوز بعدد مشابه من المقاعد منفرداً. وتضيف المعلومات أن النتائج التي حققتها منظمة بدر تبدو مفاجئة. ففي الوقت الذي كانت التوقعات تشير فيه إلى أنها ستفوز بما بين 8 و12 مقعداً، نجحت المنظمة بقيادة هادي العامري في الحصول على نحو 30 مقعداً. وتتابع أن «بدر» و«الفضيلة» و«الإصلاح» تعتزم فك الارتباط مع المالكي الذي سيبقى له، في ما لو حصل ذلك، نحو 50 عضواً فقط في مجالس المحافظات. وتلفت إلى أن «الخسارة الكبرى للمالكي ليست هنا فقط، بل الأهم انخفاض عدد الأصوات القادر على تجييرها عما كانت عليه في 2009، ما ستكون له انعكاسات كبرى على الانتخابات البرلمانية العام المقبل».
ولعل الرابح الأكبر في هذه معركة المحافظات «المجلس الأعلى» بقيادة السيد عمار الحكيم، الذي نجح في مضاعفة عدد ممثليه في مجالس المحافظات إلى نحو 75 مقعداً. أما التيار الصدري، فقد تراجعت حصته إلى نحو 40 مقعداً، في ظل مخاوف من أنه سيفقد بين 7 و8 منها بسبب اتهامات بتزوير بعض الأقاليم في مدينة الصدر. أوساط قيادية في حزب الدعوة تحمّل «الحلفاء» مسؤولية تلك النتائج، مشيرة إلى أنهم «جميعاً غرفوا من صحن المالكي، من دون أن يعطوه شيئاً».




تحذير من حرب أهلية


أكدت تركيا أنّ هجوم الجيش العراقي على المحتجين في ساحة «الحويجة» يزيد من هواجسها حيال مستقبل العراق. ودعت الخارجية التركية، في بيان، الحكومة العراقية إلى التصرف بحكمة وروية في إطار من الفهم المتبادل والإسراع باتخاذ الخطوات التي من شأنها أن تعزز السلم الداخلي والاستقرار والديموقراطية بدلاً من الخطوات التي من شأنها أن تصعد من حدة التوتر في البلاد.
من جهتها، استنكرت جامعة الأزهر، الاعتداءات التي وقعت في ساحة اعتصام «الحويجة». ودعت مشيخة الأزهر، في بيان «السلطات العراقية إلى اتباع منهج الحوار بين مختلف الطوائف والفئات لتحقيق المطالب المشروعة للمتظاهرين والمعتصمين في الساحات والميادين». ودعت السلطات العراقية إلى العمل على تأكيد وحدة النسيج الوطني في العراق، و«إلى الابتعاد عن كل ما يثير الفتن الطائفية أو العرقية». بدوره، حذر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان له، الحكومة العراقية من مغبة الاعتداء على المتظاهرين المعتصمين وحذرها من تبني الطائفية، ومن التفكير في الحل الأمني والعسكري الذي سيترتب عليه لا محالة حرب أهلية خطرة، ودعا جامعة الدول العربية والأمم المتحدة لحماية الشعب العراقي.
(الأخبار)