كما تبدو الأمور الآن، فإن إسرائيل أضافت ـــ أو أنها صارت في مرحلة متقدمة من السعي إلى إضافة ـــ ملفّ تحريضي آخر إلى الملف النووي الإيراني الذي تعتمده منذ فترة عنواناً لابتزاز الغرب وتحريضه على الحرب. والاسم المعلن للملف الجديد هو السلاح الكيميائي السوري، الذي بات واضحاً أن تل أبيب تجهد في تعويمه إعلامياً بهدف حشر العالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ووضعه أمام استحقاق الالتزام بتعهده عدم السماح باجتياز الخط الأحمر المتمثل في استخدام حكومة دمشق إياه.
فإسرائيل، التي روّجت بأن تصريحات قائد وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، إيتي بارون، بشأن استخدام النظام السوري للأسحلة الكيميائية، لم تكن بخلفية تآمرية وبهدف إحراج الإدارة الأميركية، لم تجد حراجة في استغلال الترددات التي أثارتها هذه التصريحات حتى النهاية، بما في ذلك إسقاط مفاعليها على المسألة الإيرانية، من خلال القول إن التعامل مع الخط الأحمر الكيميائي في سوريا، تهاوناً أو تشدداً، يمثل مرتكزاً لاستنتاج طبيعة التعامل المستقبلي مع الخط الأحمر النووي في إيران. وهكذا تبدو إسرائيل كمن يسعى إلى تطويق الإدارة الأميركية بالملفين الإقليميين الأكثر سخونة، فتحرضها على التدخل العسكري في سوريا بذريعة الأسلحة الكيميائية تحت طائلة محاصرتها بتهمة التخاذل المستقبلي حيال المشروع النووي الإيراني إن هي لم تفعل.
ويمكن القول إن إسرائيل تكرس بسياستها هذه عناصر معادلة مضمونة العوائد. فإن تدخلت واشنطن عسكرياً في سوريا، كانت هي الرابحة، وإن لم تتدخل، مثّل ذلك رافعة لها لتصعيد الضغط على إدارة أوباما في الموضوع الإيراني، مما يعني مزيداً من اندفاع الأخيرة نحو استرضاء تل أبيب بالمساعدات والسلاح وبمزيد من العقوبات على طهران، وبالاستجابة لشروطها في ملف التسوية مع الفلسطينيين. كل ذلك، من دون أن يؤدي الاسترضاء بالضرورة إلى التراجع عن الخيار العسكري كلياً، بل إلى تأجليه في أحسن الأحوال.
وقد كان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، زئيف ألكين، شديد الوضوح في إرساء المعادلة المشار إليها أعلاه حين صرح بأن «على العالم السيطرة على مخزونات الأسلحة الكيميائية في سوريا»، مشيراً إلى أن «السؤال المتعلق بهذا الشأن هو هل عندما يجري تحديد خط أحمر نعلم أيضاً كيف نصر عليه؟ وإذا رأى الإيرانيون أن الخطوط الحمراء التي حددها المجتمع الدولية مرنة فإنهم سيواصلون تقدمهم».
ومن دون مواربة، أوضح ألكين أن مسألة السلاح الكيميائي السوري مهمة جداً، لكن مواجهتها تتعدى الساحة السورية إلى ساحات أخرى، وخصوصاً الساحة الإيرانية، إذ «لسنا نحن وأوروبا وسوريا فقط ننظر إلى ما سيحصل، وإنما طهران تنظر أيضاً». أضاف المسؤول المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، «حين تفهم الأسرة الدولية أنه جرى تخطي خطوط حمر فعليا واستخدام أسلحة كيميائية، سوف تدرك أنه لا خيار آخر أمامها سوى التحرك بهذه الطريقة (من خلال عمل عسكري) بدل أن تبقى على الغموض».
وتحت عنوان «اختبار أوباما» كتب بوعز بيسموت في «إسرائيل اليوم» أن ضابط الاستخبارات إيتي بارون، ربما من دون أن يقصد، وضع أوباما أمام اختبار الجدية في التعامل مع الخطوط الحمر التي أعلنها، «وفي إيران وسوريا وكذلك كوريا الشمالية يتابعون رد فعل واشنطن (على اجتياز الخط الأحمر في سوريا) وعلى واشنطن أن تعلم أن تجاهل الخط الأحمر هو نوع من رفع الراية الحمراء».
وعبر المحلل الاستراتيجي في صحيفة هآرتس، رؤوفين بدهتسور، عن التوجه نفسه، إذ رأى أن تصريحات بارون «أشبه بتحد إسرائيلي سافر للرئيس الأميركي: لقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعمل إذا اجتاز الأسد الخط الأحمر الذي رسمته أنت نفسك، وها نحن نأتيك بدليل على أن هذا الخط قد اجتيز وسنرى الآن ماذا ستفعل».
ووفقاً للكاتب فإن إسرائيل اختارت أن ترسل ضابط استخبارات ليعلن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا أمام الملأ. والرسالة في رأي بدهتسور واضحة «إن إسرائيل تتابع السلوك الاميركي في سوريا، بعدما تبين أنه جرى اجتياز الخط الاحمر الكيميائي. واذا امتنعت الولايات المتحدة عن العمل فسيصعب علينا ان نؤمن بأنها تفي بالتزاماتها، بأن تمنع ايران من الحصول على السلاح النووي، لأن العمل في سوريا أسهل كثيراً وأقل خطورةً من وقف تطوير القنبلة النووية الايرانية».
وخلص الكاتب إلى أن تصريح بارون «لم يكشف فقط عن اختلاف الآراء بين اسرائيل والولايات المتحدة في قضية السلاح الكيميائي السوري، بل أيضاً عن القرار الاسرائيلي بمحاولة تعجيل موعد القرار الاميركي في الشأن الايراني. وكان غاز الاعصاب السارين هو المُشبه فقط، أما المُشبه به، فهو اليورانيوم المخصب في ايران».