خطوة إلى الوراء أرادتها واشنطن لتحصيل «المزيد من الصدقية» في مسألة احتمال استخدام دمشق السلاح الكيميائي. تل أبيب، التي حسمت فعل الاستخدام، تريد من المجتمع الدولي أن يتحرك عسكرياً، في وقت ترى فيه دمشق أنّه «مسلسل عراقي جديد» يعد لسوريا. وأكد الرئيس الأميركي باراك اوباما، قبل اجتماعه بملك الأردن عبد الله الثاني أمس، أنه «اذا استخدمت الحكومة السورية اسلحة كيميائية، فإن هذا الامر سيتجاوز خطاً من شأنه تغيير معادلتي وكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الملف». وقال إن الادارة الأميركية «تملك بعض المؤشرات التي تفيد أن سلاحاً كيميائياً استخدم ضد السكان في سوريا»، مشيراً إلى أنها «تقديرات اولية تستند إلى عملياتنا الاستخبارية». ووعد «بأن نقوم بأنفسنا بتحقيق قوي جداً، وبأن نجري مشاورات مع شركائنا في المنطقة وكذلك مع المجتمع الدولي والامم المتحدة للتحقيق في هذا الامر في اسرع وقت واكبر قدر من الفاعلية».
وكان البيت الأبيض قد أعلن أنّ أوباما يريد «تقويماً حاسماً» لموضوع استخدام النظام السوري أو عدم استخدامه للسلاح الكيميائي قبل اتخاذ قرار في هذا الصدد. وقال المتحدث باسمه جاي كارني، «نعمل على التحقق من وقائع ذات صدقية»، مضيفاً أنّ «الرئيس يريد الوقائع». ورفض كارني «تحديد جدول زمني» لهذه العملية لأن «الوقائع هي التي يجب أن يستند إليها التحقيق لا الموعد».
في السياق، ترى تل أبيب أن الوقت حان لعملية عسكرية، إذ أعلن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، زائيف الكين، أنّ على الولايات المتحدة التحرك عسكرياً من أجل «استعادة السيطرة على ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية». وقال الكين، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، «من الواضح أنّه إن كان هناك إرادة من جانب الولايات المتحدة والأسرة الدولية، ففي وسعهما السيطرة على ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، ما سيضع حداًَ لجميع المخاوف». ورأى أنّه «حين تفهم الأسرة الدولية أنّه جرى تخطي خطوط حمر فعلياً واستخدام أسلحة كيميائية، فسوف تدرك أنه لا خيار آخر أمامها سوى التحرك بهذه الطريقة (من خلال عمل عسكري) بدل أن تبقي الغموض».
بدوره، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أنّ «الأدلة المتزايدة» على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية تصعيد «خطير»، وينبغي أن تحثّ المجتمع الدولي على «فعل المزيد». وقال «اعتقد أن ما قاله أوباما صحيح تماماً، ومثل هذا الأمر يجب أن يمثل خطاً أحمر يحثنا على بذل المزيد إذا جرى تجاوزه»، إلا أنه أعرب، في الوقت نفسه، عن معارضته لارسال قوات بريطانية إلى سوريا.
تأكيدات المسؤولين الغربيين والإسرائيليين بشأن استخدام أسلحة كيميائية لا تلبي معايير الأدلة التي يحتاج إليها فريق خبراء من الأمم المتحدة ينتظر لجمع أدلة ميدانية. ولن يحدد مفتشو الأسلحة ما إذا كان قد جرى استخدام أسلحة محظورة، بحسب المتحدث باسم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (مقرها في لاهاي)، مايكل لوهان.
دمشق نفت مجدّداً التصريحات الغربية، ووضعتها في سياق «سيناريو عراق 2003 آخر»، وقال وزير الاعلام، عمران الزعبي، إنّ ما قالته واشنطن وبريطانيا يفتقد الصدقية، وهو أسلوب ضغط سياسي على البلاد. وأوضح الزعبي، في اتصال مع قناة «روسيا اليوم»، أنّ الفيلم الذي نشر على موقع «يوتيوب» حول تصوير تجربة كيميائية، يظهر أن المادة الكيميائية كانت موجودة في عبوات تحمل اسم شركة تركية مختصة بانتاج هذا النوع من المواد. وأشار إلى أنّ الصاروخ الذي سقط في خان العسل أطلق من المكان الذي يسيطر عليه «الارهابيون»، وهذا المكان ليس بعيداً عن الأراضي التركية. وأضاف أنّ دمشق تؤيد أن يقوم خبراء روس بالتحقيق في احتمال استعمال السلاح الكيميائي.
التصريحات التي أطلقها مسؤولو الإدارة الأميركية في الأيام القليلة الماضية حول الكيميائي السوري أثارت جدلاً واسعاً في الإعلام الأميركي. الجميع ذكّروا أوباما بكلامه العام الماضي عن «الخطّ الأحمر» الذي «إذا تجاوزه الرئيس بشار الأسد فسيدفع الولايات المتحدة إلى التدخل عسكرياً منفردة أو مع دول أخرى». من جهة أخرى، حضرت تجربة العراق أيضاً في التحليلات إلى حدّ قول البعض إن «مسألة الكيميائي السوري عند أوباما مرتبطة بدمشق كما ببغداد».
«الخطّ الأحمر» الذي تحدّث عنه أوباما العام الماضي هو «استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد شعبه». جيفري لويس أحد المتخصصين في الأسلحة شرح لصحيفة «ذي واشنطن بوست» أنه «لا يجوز لإدارة أوباما أن تعلن أن النظام السوري تجاوز الخطّ الأحمر، إذ إن التعرّض لمادة السارين يمكن أن يكون عرَضياً أو ناجماً عن حادث». وإذا كنا مخطئين بهذا الشأن، فإن الأسد سيرى أنه سيدفع ثمن الكيميائي إذا استخدمه أو لم يستخدمه»، لكن جيفري وايت المحلل في «ذي واشنطن انستيتيوت» لا يوافق لويس على «عرضية ظهور مادة السارين»، ويسأل «لماذا اعتمد النظام السوري تكتيكاً متدني المستوى في استخدام الكيميائي؟ ربما أراد امتحان خطوطنا الحمراء». رأي آخر، علمي هذه المرة، يقول في مقال «ذي واشنطن بوست» إن «مادة السارين، إذا استخدمت، يكون من الصعب جدا اكتشافها بعد انقضاء فترة من الزمن، الا إذا أجري الفحص مباشرة بعد استخدامها». «كلما ابتعدنا في الزمن عن تاريخ استخدامها، فقدنا ثقتنا بنتائج الفحوص»، يضيف المصدر الطبي للصحيفة.
المدافعون عن «تريّث أوباما» في هذا الشأن، يقولون إنه «يريد أن يثبت لنا أنه ليس جورج والكر بوش، ولا يريد تكرار تجربة العراق وشنّ حرب بالاعتماد على أدلّة زائفة». مثل حرب العراق حضر بشدة في التعليقات على تعاطي أوباما مع الكيميائي السوري. مجلة «بوليتيكو» شرحت أن المسؤولين الاميركيين «لا يريدون أن يمضوا فترة حكمهم بخوض حرب مكلفة لإسقاط طاغية، ثم بتنظيف مخلفات فعلتهم ودفع أثمان ما ارتكبوه». مصادر من داخل الإدارة قالت لـ«بوليتيكو» إنهم «لا يثقون بما تقوله الاستخبارات الاميركية حول تأكيدها استخدام النظام السوري للكيميائي، إذ إن الجميع يتذكّر تجربة التقارير الاستخبارية في 2003 حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي تبيّن أنها لم تكن موجودة. العراق أظهر لنا ما الذي لا يجوز أن نفعله في غياب الدليل القاطع، لكنها لم تشر الى كيفية التصرف إذا أثبت الدليل ومثلل خطراً محدقاً بالجميع»، قال بعض الصحافيين.
(الأخبار)