بعد أيام من المواقف الرمادية، أصبحت واشنطن تملك أدلّة على استخدام السلاح الكيميائي في سوريا. السؤال في أروقتها اليوم: من استخدمها؟ وفيما اتهمت طهران «جبهة النصرة» باستخدام «الكيميائي» وطلبت برلين كبح جماح طالبي التدخل العسكري، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الرئيس الأميركي يستعد لإرسال أسلحة «فتاكة» للمعارضة السورية. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن مسؤولين رفيعي المستوى في الادارة الأميركية ان الرئيس الأميركي باراك اوباما يستعد لإرسال أسلحة فتاكة إلى المعارضة السورية وهو اتخذ خطوات لتأكيد موقف القيادة الأميركية الأكثر عدوانية بين الحلفاء والشركاء الساعين للإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وأكد المسؤولون بحسب الصحيفة أن المفاوضات السياسية لا تزال الخيار المفضل. وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت الإدارة الاميركية بمحاولة جديدة لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الحكومة السورية، وما قد يثيره ذلك من تدخل خارجي أكثر مباشرة بسوريا، ينبغي أن يؤدي به إلى إعادة النظر في دعمه للأسد.
وقالت الصحيفة ان أوباما من المرجح أن يتخذ قراراً نهائياً بشأن توريد الأسلحة في غضون أسابيع، قبل اجتماع مقرر مع بوتين في حزيران.
وكان أوباما أعلن أنّ «استخدام السلاح الكيميائي في سوريا سيغيّر قواعد اللعبة ولدينا أدلة على استخدام هذه الأسلحة، ولكن نجهل من استخدمها وأين ومتى، ونحن بحاجة إلى معلومات إضافية لمعرفة ما حصل بالضبط، ونسعى لتكون لدينا أدلة ملموسة وإضافية». وأكد أنّ الولايات المتحدة «ستعيد النظر» في موقفها إذا ثبت أنّ النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية ضد المعارضة. إلا أنه حذّر من اتخاذ قرارات متسرعة بشأن هذا الملف في غياب وقائع محددة وملموسة. وأضاف «إذا أمكنني التحقق، ليس الولايات المتحدة فقط وإنما المجتمع الدولي، أيضاً، بأنّه تمّ استخدام أسلحة كيميائية من قبل نظام (الرئيس بشار) الأسد، فإن ذلك سيغيّر قواعد اللعب». وأوضح «عندما أقول أن ذلك سيغير قواعد اللعب فأنا أعني أنه سيكون علينا بحث الخيارات المتاحة». وأشار إلى أنّه «منذ العام الماضي طلبت من البنتاغون ومن مسؤولينا العسكريين والاستخباراتيين دراسة الخيارات المتاحة في هذه الحالة، لكنني لن أخوض في تفاصيل ما ستكون عليه» هذه الخيارات. وأضاف «لكن ذلك سيشكّل بوضوح تصعيداً في رؤيتنا للمخاطر التي ستواجه المجتمع الدولي وحلفاءنا والولايات المتحدة. هذا يعني أن هناك بعض الخيارات التي لا ننوي استخدامها حالياً والتي ندرسها بجدية».
في موازاة ذلك، عبّرت برلين مجدّداً عن موقف أكثر اتزاناً بالنسبة لمواقف حلفائها، إذ حذّر وزير الدفاع، توماس دو ميزيير، من فرض «خطوط حمر» في النزاع الجاري في سوريا. وقال، في واشنطن، «إنّني أؤيّد جميع أشكال الضغط السياسي لكنني لا أرى في الوقت الحاضر دوراً للقوات العسكرية»، رافضاً أي عمل عسكري «تلقائي» رداً على امكانية استخدام اسلحة كيميائية في سوريا.
وحضّ دو ميزيير حلفاء ألمانيا الغربيين على اجراء تحقيق مشترك في المزاعم بشأن استخدام هذه الأسلحة، وقال «لا نملك معلومات كافية حتى الآن».
في المقابل، قالت طهران إنّها تعتبر الاستخدام المزعوم لأسلحة كيميائية في سوريا «خطاً أحمر»، معتبرة أنّ مقاتلي المعارضة هم المتهم الرئيسي وليست حكومة دمشق.
وقال وزير الخارجية، علي أكبر صالحي «تعارض إيران استخدام أي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشمال، وليس فقط استخدامها وإنما انتاجها وتجميعها أيضاً».
بدوره، أكد حسين أمير عبد اللهيان، مساعد صالحي، أنّ طهران تملك معلومات موثقة بأن أطرافاً خارجية زودت «المجموعات الارهابية» بامكانات معيّنة لاستخدام الأسلحة الكيميائية، متهماً «جبهة النصرة» باستخدام هذه الأسلحة. واعتبر أنّ ذلك يهدف إلى خلط الأوراق واتخاذ ذلك ذريعة للمطالبة بالتدخل الخارجي.
وكان وزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، قد أعلن في وقت سابق أنّ الولايات المتحدة «تواصل تقويم» امكانية أن يكون النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية، رافضاً تأكيد ما إذا كان استخدام هذه الأسلحة يشكل مقدمة لعمل عسكري.
وقال هاغل، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الياباني ايتسونوري أونوديرا في البنتاغون، «دوري ومسؤوليتي هما تقديم خيارات للرئيس لمواجهة أي وضع. لن أطلق تكهنات حول طبيعة هذه الخيارات ولن أناقشها في العلن».
من جهة أخرى، أفاد المتحدث باسم البنتاغون، جورج ليتل، بأنّ هاغل التقى الموفد العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي. وقال ليتل إنّ الطرفين «تبادلا وجهات النظر حول فاعلية تحرك المعارضة السورية، والدور الذي يمكن أن يلعبه قادتها في سياق عملية انتقال سياسي». كذلك التقى الإبراهيمي وزير الخارجية جون كيري، وقال مسؤول في وزارة الخارجية إنهما «أعادا التأكيد على أهمية الدفع في اتجاه حل سياسي»، وبحثا «المساعدة للمعارضة السورية» بما في ذلك المعارضة المسلحة.
إلى ذلك، قالت هيئة الطيران الروسية إنها منعت خطوطها الجوية من التحليق فوق سوريا، أمس، بعدما غيّرت طائرة تقل 160 راكباً مسارها لتجنب الخطر من قتال على الأرض. وأفادت الهيئة بأنّ معظم شركات الطيران الروسية استجابت لتوصية صدرت في شهر شباط بعدم التحليق فوق الأراضي السورية، لكن البعض تجاهل الخطر واستمر في القيام برحلات جوية.
في سياق آخر، نشرت صحيفة «الإندبندنت» مقالاً للكاتب روبرت فيسك تحت عنوان «الأسد يرسل ميليشياته التي تثير الرعب في القلوب إلى جبهة القتال». ويقول فيسك إنّ قرار إرسال الميليشيات الموالية للنظام إلى ساحة القتال من المؤكد أن تثير الرعب في صفوف أعداء النظام. وتضيف الصحيفة أنّ الحكومة السورية أمرت بتجنيد آلاف من المتطوعين الموالين في وحدات نظامية ومسلحة تحت قيادة الجيش السوري للقتال معه في الصفوف الأمامية ضد المتمردين والسيطرة على القرى والبلدات «المحررة».
ويقول ضباط الجيش السوري، الذين أشرفوا على تدريب هذه الوحدات القتالية، إن هذا الوحدات ستخضع للنظام العسكري الصارم، ولن تستخدم سوى لدعم الجيش النظامي في معركته.
وينقل فيسك عن مصدر عسكري في اللاذقية قوله «نحاول إيقاف الميليشيات غير المنضبطة في كل مكان... سنحاول منع النهب والقتل في كل أنحاء سوريا من قبل جميع الأطراف». ويضيف فيسك أنّ إنشاء هذه الوحدات القتالية الجديدة يعني أن الجيش النظامي، بعد النجاحات العسكرية التي حققها في الفترة الأخيرة، بات في حاجة إلى الأفراد أو أن هذه الوحدات تحتاج إلى الخضوع للجيش بعد السمعة السيئة التي لحقت بها والإدانات الدولية التي اجتذبتها لتجنب مزيد من إراقة الدماء. ويمضي الكاتب للقول إنّ «الجيش» الجديد سيحقق مكسباً واضحاً لفائدة النظام، إذ إنه سيكون بديلاً عن نظام التجنيد المعمول به، والذي فشل خلال أوقات الحرب في عدة مناطق بالشرق الأوسط.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، سانا)