ساهم تبدل الوضع في سوريا من استنزاف لقدرات الجيش السوري في تغيير استراتيجية اسرائيل من التهويل الدائم بضرب حزب الله او سوريا في حال نقل الاسلحة من وعبر سوريا إلى الحزب، وانتقلت إلى مرحلة الاعتداء المباشر ضد اهداف في الاراضي السورية، اتكاء إلى تقدير مفاده بأن سوريا وحلفاءها ليس من مصلحتهم في هذه المرحلة خوض مواجهات على أكثر من جبهة في الوقت نفسه، لكن هذا الاطمئنان الاسرائيلي، لم يخف قلقاً كامناً من أن تكون الوقائع على خلاف الحسابات النظرية.
اما بخصوص اصل القرار باستغلال اسرائيل للوضع الداخلي في سوريا لفرض وقائع ومعادلات جديدة، فقد وصف رئيس الشاباك السابق آفي ديختر، خلال مقابلة مع اذاعة الجيش، الاعتداء في الاراضي السورية بالخطوة المنطقية والجيدة، مؤكداً أن اسرائيل ليست على ابواب حرب رغم أن عليها الاستعداد لسيناريوهات غير متوقعة وتصعيد محتمل، بما فيها الاستعداد لأخطر السيناريوهات بأفضل صورة ممكنة، لكن من دون هيستيرية.
ايضا لجهة استغلال الفرصة، نقلت تقارير اعلامية اسرائيلية عن جهات استخبارية غربية قولها أن اسرائيل استغلت فرصة استراتيجية للمس بشكل نوعي بمخازن السلاح والصواريخ الاساسية لسوريا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة. واكدت هذه الجهات أن نشاطات كهذه هي نتاج تخطيط طويل، وتستلزم استخبارات نوعية وقدرات عملانية، وفي ضوء ذلك من الممكن التقدير بأن التخطيط استمر على الاقل نحو عدة اسابيع، وأن القرار النهائي اتخذ في وقت قريب من موعد التنفيذ. لكن المصادر الاستخبارية عبرت عن املها ألا يكون من اتخذ القرار «شد الحبل أكثر من اللازم» في مقابل سوريا وحزب الله وايران، مشددة على أنه من الممنوع الانزلاق نحو خوض حرب في المنطقة في هذه المرحلة.
وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن مصادر سياسية وامنية اسرائيلية رفيعة المستوى قولها، إن المصالحة بين اسرائيل وتركيا، ادت إلى تغيير البيئة الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، وأتاحت لاسرائيل إمكان شن هجمات جوية على سورية.
من جهة اخرى، تحدثت تقارير اعلامية اسرائيلية عن أن «الضربات الاسرائيلية لنظام الاسد لاقت ارتياحاً رسمياً عربياً في ظل توحد اقليمي في مواجهة محور الشر فيما تتحرك تل ابيب بالنيابة عن قوى السلام في المنطقة ضد قوى التطرف وعلى رأسها «ايران وسوريا وحزب الله وحماس» والبدء بمرحلة جديدة من العلاقات في ظل الربيع العربي والذي يضع على رأس اولوياته الانتباه للتنمية الداخلية وانهاء الصراع مع اسرائيل».
بموازاة الاعتداء ورفع مستوى الجهوزية، حرصت القيادة الاسرائيلية على توجيه رسائل طمأنة للجمهور الاسرائيلي حول استبعاد نشوب مواجهة عسكرية مع سوريا، وضمن هذا السياق قرر الجيش تأجيل موعد المناورة العسكرية السنوية الكبرى للقيادة الشمالية، التي كان من المفترض أن تتم في الايام المقبلة. كما ذكرت صحيفة «هآرتس» أن المجلس الوزاري المصغر قرر تمرير أكثر من رسالة طمأنة إلى الرئيس السوري للحؤول دون حدوث تصعيد عبر رد سوري يتسبب في نشوب مواجهة واسعة. ولفت المعلق السياسي للصحيفة إلى أن الغاء زيارة نتنياهو المقررة إلى الصين كان من الممكن أن يوجّه رسالة إلى سوريا وحزب الله مفادها بأن اسرائيل تنوي تصعيد الوضع.
في المقابل، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن الحفاظ على الهدوء، بعد الهجوم الاسرائيلي، دليل على الخيارات الضيقة للرئيس الاسد. مضيفاً أنه ما زال هناك امكانية بأن تتلقى اسرائيل رداً في وقت متأخر كما حصل مع التفجير الذي حصل في بلغاريا في تموز 2012، الذي اعتبر رداً متأخراً من قبل حزب الله وايران على سلسلة اغتيالات استهدفت علماء نوويين ايرانيين، تم اتهام اسرائيل بها. وبالتالي رأى هرئيل أن هناك امكانية ايضاً بأن يرد المعسكر الايراني السوري بعمليات تسمى «اللهب الخفيف» سواء عبر الحدود مع سوريا او لبنان او ضد احد الاهداف الاسرائيلية في الخارج من الاعلان عن المسؤولية.
وأوضح هرئيل أن المخاطرة بمهاجمة اهداف في سوريا تم بحثها في القيادتين السياسية والامنية بجدية أشهراً كثيرة، لكن الجمهور لم يكد يعرف ذلك الا في نهاية الاسبوع الاخير، موضحاً أن التقدير الاستخباري الاسرائيلي يرى بأن الاسد يفضل الا ينجر إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع اسرائيل خشية توجيه ضربة قاتلة تؤدي إلى هزيمته في الحرب التي يخوضها.
لكن هرئيل تساءل عما سيحصل في المرة التالية، واصفاً ذلك بالمعضلة، في حال توفر معلومات استخبارية عن نقل وسائل قتالية إلى لبنان، وهذا ما ينبغي أن نفترضه، محذراً من أن تواصل الهجمات سيدفع الرئيس الاسد إلى الرد في النهاية. اما عن سبب عزوف نتنياهو عن التوضيح للجمهور حول ما يجري في الحدود الشمالية، فقد لفت هرئيل إلى أن رئيس الوزراء يعتقد أن ذلك لم يحن أوانه بعد، أضف إلى حقيقة أن العدو «يصغي» ايضاً.