رام الله | غداة اقتحام مئات المستوطنين للمسجد الأقصى، في ما يُعرف لديهم بـ«ذكرى توحيد القدس»، جرى تداول مشروع قانون في أروقة الكنيست الإسرائيلي يقضي بتقسيم مواقيت الصلاة في المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود؛ تقسيم زمني يهدف بشكل أساسي الى تقسيم المسجد مكانياً والسماح لليهود ببناء هيكلهم المزعوم. وأكّد مدير وزارة الأديان في الحكومة الإسرائيلية، الحنان غلات، أن «الوزارة ستسعى إلى تعديل قانون السماح لليهود بأداء طقوسهم في المسجد الأقصى»، مضيفاً أنّ لجنة برلمانية كُلفت بهذا الموضوع، فيما كشفت الإذاعة الإسرائيلية النقاب، أول من أمس، عن أن «الكنيست ناقش إقرار قانون يسمح بزيادة عدد المستوطنين اليهود الذين يريدون الدخول إلى المسجد الأقصى».
القانون الذي يجري تداوله الآن، كان قد طرحه للمرة الأولى عام 2012 النائب الاسرائيلي عن حزب «الاتحاد الوطني» أرييه ألداد، وقد تضمن في حينها الدعوة إلى: «أن يتم تحديد أيام منفصلة للزيارة لليهود وللمسلمين، وأن يكون المكان مفتوحاً فقط إما للمسلمين وإما لليهود». وطوال الفترة الماضية، حذرت الشخصيات الدينية والوطنية والمؤسسات المعنية بالقدس من تداعيات هذا القانون.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ ألداد، الذي طرح مشروع القانون، كان قد دعا سابقاً، في ما يعرف بـ«ذكرى خراب الهيكل»، إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث المزعوم مكانه.
ويثير هذا القانون المخاوف من أن يكون تقسيم المسجد الأقصى زمانياً بين المسلمين واليهود تمهيداً إلى تقسيمه مكانياً، على غرار ما حدث للمسجد الإبراهيمي، حيث بات يسيطر الاحتلال الآن على حوالى 65 في المئة منه، ويغلقه في وجه المصلين أغلب أيام الأسبوع، إذ إن تخصيص أوقات معينة لليهود داخل باحة المسجد الأقصى يعني «إفساح المجال لليهود وللسياح بالدخول إلى المسجد والتجوال براحتهم في وقتٍ تكون فيه الساحات والمُصليات خالية من المسلمين بفضل حظر دخولهم من قبل شرطة الاحتلال، وهو سيناريو قريب جداً للحالة التي صاحبت عملية وضع اليد بشكل كامل على المسجد الإبراهيمي الشريف في الخليل»، كما يقول رئيس قسم المخطوطات والتراث في المسجد الأقصى، ناجح بكيرات.
أمام هذه المعطيات، بات من الواضح أن إسرائيل تسعى لفرض سيطرتها ليس على القدس فحسب، بل على كل المواقع المقدسة في فلسطين، ويتعدى الأمر ذلك إلى السعي لسرقة التراث الديني، الإسلامي والمسيحي، ونسبته إلى اليهودية. مسجد بلال بن رباح في بيت لحم، الذي حوّل الاحتلال اسمه لاحقاً إلى «قبة راحيل»، كان مقصداً للزائرين والمصلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو، لكن الاحتلال عاد وفرض السيطرة عليه بعد الانتفاضة الثانية، وأقام طرقاً «آمنة» لوصول المستوطين إليه. وفي قبر يوسف في نابلس، يقيم المستوطنون رحلات شبه يومية، تجري أحياناً على مرأى ومسمع من قوى الأمن الفلسطينية بالتزامن مع دعوات إلى السيطرة عليه، بحجة أنه «موقع أثري إسرائيلي».
وبالعودة إلى مشروع قانون «تقسيم القدس زمنياً»، فإنّه يأتي بعد أسبوع شهد فيه اقتحامات متكرّرة للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين، بمشاركة من نواب في الكنيست الإسرائيلي ومؤازرة المئات من العناصر الأمنية الاسرائيلية؛ اقتحامات تزامنت مع اعتقال مفتي القدس، والتحقيق معه لساعات. وأكّد مفتي القدس، محمد حسين، لـ«الأخبار» أن هذا الإجراء يشكّل: «اعتداءً صريحاً وصارخاً على المسجد الأقصى وحق المسلمين فيه، سواء أكان بإجراء قانوني أم إداري أم غيره». وأضاف «من يدّع أنه يريد لهذه المدينة أن تستقر وتنعم بالسلام، فبالتأكيد مثل هذه الأمور لن تترك مكاناً للسلام أو لغيره». وتعليقاً على اعتقاله، قال إن «توجيه التهم إلى المفتي بصفته شخصية اعتبارية هو استهداف للشخصيات الدينية في المدينة المقدسة». ورأى أنّ «حماية القدس ومؤسساتها هي مسؤولية عربية بالدرجة الأولى».
بدوره، قال الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس، حنا عيسى، لـ«الأخبار» إن «الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 تعمل جاهدة على اقتناص الفرص من أجل التقسيم الزمني للمسجد الأقصى، إلى أن جاء عام 1994 الذي وقعت فيه مذبحة الحرم الإبراهيمي، وبعد ذلك التاريخ تحديداً، جرى تقسيم الحرم الإبراهيمي زمنياً، إلى أن تمت السيطرة عليه بشكل شبه كامل». وتابع «مهدت هذه الحادثة إلى طرح قانون التقسيم الزمني للقدس مرات عدة في الكنيست، إلا أن طرحه في الكنيست كمشروع للمناقشة الأولى لم يلق نجاحاً، وخاصة أن هناك نواباً في الكنيست يعلمون أنه لا يجوز المساس بهذا المكان، لأن إسرائيل بذلك تعلن الحرب على نفسها».
لكن في الوقت نفسه، عبّر عيسى عن خشيته من أن تسعى إسرائيل إلى إمرار قراراتها تلك في ظل «حالة الانقسام الداخلي، وانشغال العرب بصراعاتهم الداخلية، وترهل العالم الإسلامي».
وتدّعي إسرائيل أن السماح لليهود بدخول المسجد الأقصى يأتي تطبيقاً لـ«حرية العبادة» في المدينة. إلا أنّها في الوقت نفسه تمنع المسلمين والمسيحيين في المدينة من ممارسة عباداتهم بحرية؛ ففي السبت الماضي عمدت إلى قمع «سبت النور» لدى المسيحيين. وتعليقاً على ذلك، يقول عيسى إن «إسرائيل لا تريد أن يبقى أي مسيحي في مدينة القدس. عدد المسيحيين انخفض الآن إلى 5000 مسيحي، والسبب في ذلك أن إسرائيل تريد أن تقول إن الصراع لا يجري على الحدود السياسية، ولكن هو صراع ديني بين اليهودية والإسلام».
معظم الفلسطينيين في الضفة وغزة محرومون من زيارة القدس. تضع إسرائيل حداً عمرياً لمن يسمح لهم بالدخول، وهنا تحديداً تتجلى عنصرية إسرائيل التي تفرض نفسها على الجغرافيا والزمن أيضاً. القدس باتت أقرب إلى السائح اليهودي في أميركا منها الى الفلسطيني الذي قد لا تفصله عن القدس سوى بضعة أمتار، وحاجز إسرائيلي.